أحدث الأخبار
الجمعة 29 آذار/مارس 2024
فوائد الإستعمار!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 13.12.2022

نحن لا نعرف الكثير عن مناهج التعليم في مدارس وجامعات الكيان الصهيوني، وبالقليل الذي نعرفه تكونت لدينا معلومات عن تلقين أولادهم وبناتهم لتربيتهم العنصريّة الإستعلائية المحتقرة للشعوب والأمم.
ما نعرفه (عنهم) فيه قُصور كثير، ولذلك نطالب بدراسات متخصصة متابعة بدقّة للمناهج في مدارسهم وجامعاتهم، بل وفي ( حضاناتهم) التي تتلقف أطفالهم وهم بالكاد يتكلمون،فيدخلون الحياة وقد بدأ تكوينهم المعادي (للأغيار)، وفي مقدمتهم العرب الفلسطينيون بخاصة وكل عربي بعامة.
إذا كنّا لا نعرف الكثير عن تعليم أطفال اليهود، فهل نعرف، ولو القليل، عن تعليم أبناء (الأمم) التي استعمرتنا، ونهبت خيرات بلادنا، وقسمتها، وما زالت تعبث بها؟!
ماذا نعرف عن تعليم أبناء وبنات دولتي سايكس – بيكو، اللتين مزقتا بلاد الشام واقتسمتاها، ونهبتا خيراتها، وزرعتا الكيان الصهيوني في قلبها، قلب بلاد العرب، لتحرما أمة العرب من التواصل، وتضمن البقاء طويلاً على هذه الأرض لمواصلة نهبها وإضعافها؟
مما عرفناه عن ممارسات بريطانيا( العظمى) في فلسطين، أنها كانت تمارس تدمير بيوت الثوّار الفلسطينيين عقابا لهم ولأسرهم التي انجبتهم، وكي تدفع ذويهم للتنصّل منهم، والنفور من ممارساتهم (الثورية) المقاومة للإنتداب البريطاني الإستعماري..وأن جنودها كان يقترفون عمليات إعدام الثوّار ميدانيا لنشر الخوف في قلوب من يسلكون طريق الثورة، وبين المواطنين الفلسطينيين في مدنهم وقراهم..وهو ما يواصل فعله ويزيد عليه الكيان الصهيوني.
جرائم الاحتلال البريطاني في فلسطين لا تحصى ولا تعد، وقد توجت بإنشاء(دولة) الاحتلال الصهيوني يوم خروج جيوش الإمبراطورية من فلسطين يوم 15أيّار 1948..وهل هناك جريمة أكثر شناعة من تهجير الفلسطينيين من أرضهم وتسليمها للغزاة الصهاينة؟
لقد نفّذت بريطانيا جريمتها العظمى بتحكيم هربرت صاموئيل اليهوي الصهيوني بكل شئ كحاكم عسكري على فلسطين طيلة خمسة أعوام، فأفقر الفلاّح الفلسطيني، وصادر الأرض، ودمّر الزراعة، ونكّل بالوطنيين الفلسطينيين..وكان كل ما جرى من جرائم في زمنه من أفضال الإستعمار البريطاني راعي المشروع الصهيوني!
أمّا فرنسا التي استعمرت لبنان وسورية وزرعت الفتن فيهما، فلم تخرج إلاّ بالثورات المتلاحقة، وبتقديم الشهداء...
مناسبة استذكار جرائم الإستعمار ما وجّه لطلاّب الصف العاشر في مدارس فرنسا..وهو ليس سؤالاً، لأن السؤال يحتمل إجابات قد تتعدد، وتقديم إجابات مختلفة الفهم والإجتهاد.
الموضوع محدد بكلمتين:فوائد الإستعمار..وعلى الطالب والطالبة أن يطنبا في تعداد فوائد الإستعمار، ونعمته على الشعوب..بل ويمكن مطالبة الشعوب بدفع تعويضات للإستعمار على ما قدمه للشعوب من تنوير، وتعليم، وتمدين...
هذا الإمتحان وجه لطلاّب وطالبات الصف العاشر!
أجابت بنت فرنسية في الصف العاشر عن الموضوع المحدد (فوائد الإستعار) بحسم..وعن بُعد: لا فوائد للإستعمار، بل كل وجوده مضّار وعدوان على البشر، ونهب لخيرات الشعوب...
البنت التي أجابت على هذا السؤال الذي وجه عبر النت لطلاب وطالبات يدرسون عن بعد، باهرة الذكاء، ووالدها فرنسي من حزب ميلانشون، وهو معلّم، أمّا أمها ففلسطينية متعلمة أكاديميا ومثقفة وابنة لأب منتم لقضيته الفلسطينية، وهو تقدمي واسع الثقافة، وأمها فنانة معروفة.
والبنت الذكيّة جدا أكبر من عمرها، وقد تمّ ترفيعها مرتين إلى صفوف متقدمة،وعلاماتها كاملة دائما. ولأنها إبنة أم فلسطينية، وعائلة أمها تعيش في رام الله، فهي تزور وطن أمها، وتعيش معاناة الحواجز، وعمليات التفتيش، والجنازات اليومية، وكلما كبرت شاهدت معاناة أهل أمها، وسمعت من جدها فصول معاناة شعب فلسطين من احتلال الإستعمار البريطاني الذي تسبب بنكبة عرب فلسطين، وتلقنت دروسا تطبيقية من جرافات المُحتلين وهي تراها تدمر بيوت الفلسطينيين، وسطو المستوطنين بحماية جيش الاحتلال على أرض الفلسطينيين، ووضعهم عليها كرافانات تتحوّل إلى بيوت في مستوطنات تلتهم أرض الفلسطنيين وحقولهم..وكل هذا بفضل رعاية ودعم وتسليح وتمويل (غرب الإستعمار) و(فوائده) التي ما زالت تتجلّى في فلسطين!
رؤساء فرنسا بكل ألوانهم وأحزابهم يرفضون حتى الآن الإعتذار للجزائر عن نهبها طيلة 130 عاما من الإستعمار، ويحتفظون بجماجم الثوّار الجزائريين الذين أعدمتهم عقابا لهم على المطالبة بالحريّة والإستقلال..(ففوائد الإستعمار) لا تشمل الحريّة والإستقلال وامتلاك الثروات الوطنية، بل إن فرنسا اعتبرت أن الجزائر من( أراضيها) وممتلكاتها الفرنسية في افريقيا!
المعلمة الفرنسية منحت تلميذتها المتفوقة دائما والمتميزة علامة صفر، وعندما استفسرت منها عن بُعد عن السبب ردّت عليها: أنت خرجت عن جوهر الموضوع!..وجوهر الموضوع: فوائد الإستعمار..ويجب أن تُعددي فوائد الإستعمار!
ولما كانت الفتاة ذكية جدا، ومثقفة وعارفة، ومن معلوماتها: زوّدت فرنسا المُستعمرة الكيان الصهيوني بمفاعل نووي زرع في ديمونة، وأنتج منذ زُرع عام 1956حتى يومنا أكثر من 200رأس نووي كافية لتدمير كثير من عواصم ومدن الوطن العربي.وقتل ملايين العرب، وزوّدت فرنسا الكيان الصهيوني طائرات الميراج ورافال، وزوارق حربية سريعة هّرّبت من ميناء شيربورغ الفرنسي بالتواطؤ، ولا ننسى أن بريطانيا وفرنسا أشركتا معهما دولة الكيان الصهيوني في الحرب العدوانية على مصر الناصرية عقابا لها على تأميم قناة السويس، وانتهاج سياسة استقلالية، ودعم ثورة الجزائر،والتسلح من الدول الإشراكية..والتمويل من الاتحاد السوفييتي لبناء السد العالي وبدون شروط.
إن من فوائد الإستعمار عدم الإعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على 22%من أرض فلسطين، وهذا أقل بكثير من ما قسمته دول الأمم المتحدة في قرار التقسيم..ودول الإستعمار المفيد تطالب الفلسطينيين بضبط النفس عند كل مذبحة يقترفها جيش الإحتلال، وإدانة ( الإرهاب)، يعني المقاومة.. وتقدم مساعدات تخديرية تافهة (للسلطة)، وتفتح مكاتب للفلسطينيين وليس سفارات...
لقد آن الأوان، ليس الآن ولكن منذ عقود، أن تقلع القيادات الفلبسطينية عن الرهان على اعتراف حقيقي من دول الإستعمار بدولة فلسطينية، وبالكف عن الدعم بفوائده وخيراته لدولة الإحتلال الصهيوني الذي تتجلّى يوميا فوائده الإجرامية على أرض فلسطين، والتنكيل بشعب فلسطين، ويعدم جيشه ومستوطنوه المجرمون الفلسطينيين علنا وميدانيا..ودول الإستعمار المفيد موجدته وداعمته لا تدينه إدانات واضحة رادعة ، ولا تحجب عنه السلاح والمال والدعم السياسي والديبلوماسي، ولن تفعل إلاّ إذا بدأت تدفع الثمن خسائر توجعها عميقا...
المسكنة في العلاقة مع دول( الإستعمار المفيد) العنصري غير مجدية، وهذا ما عرفه شعبنا منذ رأى وعاش جرائم بريطانيا وبدايات مشروعها الصهيوني..وجرائم فرنسا التي لا تحصى، وكل تلك الجرائم ما زالت تتجلى في التربية والتعليم الذي يُلقّن لأطفالهم منذ بداية نطقهم للغاتهم الأم ..والتي تبرر احتلال بلاد شعوب عن بلادهم ألوف الكيلومترات، ونهب ثرواتها، وزرع كيان استعماري استيطاني في قلبه..قلب الوطن العربي الكبير:فلسطين...

1