أحدث الأخبار
الأربعاء 04 كانون أول/ديسمبر 2024
سيناريوهات الانتخابات الإسرائيلية وخطر الجمهوريين!!
بقلم : د.جمال زحالقة ... 18.08.2022

تبدو نتيجة التنافس الانتخابي في إسرائيل حتى الآن، أنها تعادل سلبي بين معسكر نتنياهو وخصومه، ما يجعل من الصعوبة بمكان تشكيل حكومة مستقرة، وليس من المستبعد أن تكون هناك انتخابات سادسة. بقي هذا الحال على ما هو عليه بعد المساعي المحمومة لخصوم نتنياهو للحصول على مجد عسكري خلال العدوان على غزّة، ولم تؤثّر فيه الاصطفافات الحزبية الجديدة التي كان من بينها انضمام رئيس الأركان السابق للجيش الإسرائيلي الجنرال جادي إيزنكوت، إلى حزب غانتس وساعر. كما لم تظهر الاستطلاعات تغييرا مهما في أعقاب الانتخابات الداخلية في حزب الليكود وبقية الأحزاب.
لكن هذه الصورة قد تتبدّل في الوقت المتبقّي للانتخابات، التي ستجري في الأول من نوفمبر المقبل، تبعا لنجاعة الحملات الانتخابية والقدرات التنظيمية للأحزاب، واحتمال أن تكون نسب تصويت متباينة عند فئات مصوتين مختلفة، وربّما تحصل تطوّرات سياسية وأمنية غير مرتقبة حاليا.
عدم استقرار سياسي
تعتبر إسرائيل من أقل دول العالم استقرارا من الناحية السياسية، حيث جرت في العقود الثلاثة الماضية انتخابات كل 28 شهرا، وانخفض المعدّل في السنوات الثلاث الأخيرة الى انتخابات جديدة كل تسعة أشهر، وهذا رقم قياسي عالمي، وفق أي مقارنة. ويعود تكرار الانتخابات، في السنوات الأخيرة، إلى سبب واحد ووحيد وهو الانقسام الداخلي في إسرائيل حول شرعية بنيامين نتنياهو المتهم بالفساد، حيث تكررت نتيجة التعادل أو ما يقاربها بين معسكره والمعسكر المعارض لحكمه.
في الأول من نوفمبر المقبل ستجري الجولة الخامسة من الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية. في الجولة الأولى في إبريل 2019، حقّق اليمين نصرا انتخابيا ووصل إلى 65 مقعداً، إلّا أن افيغدور ليبرمان زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» الذي حصل على خمسة مقاعد، رفض دعم نتنياهو وانسحب من كتلته الائتلافية. وكان واضحا أن ليبرمان يصفّي حسابات ثأرية مع نتنياهو، متهمّا إيّاه بالتآمر عليه وبالوشاية به للشرطة. ومنذ ذلك الحين توالت الجولات الانتخابية، التي لم تسفر عن حكومة مستقرة بسبب موقف الأحزاب الإسرائيلية من نتنياهو الشخص، وليس لاعتبارات سياسية. ولم يستطع نتنياهو بعد الجولتين التاليتين، الثانية في سبتمبر 2019 والثالثة في مارس 2020، إقامة حكومة ثابتة، وفي الجولة الرابعة توافقت ثمانية أحزاب على تشكيل ائتلاف بقيادة بينيت ولبيد، وأصبح بنيامين نتنياهو رئيسا للمعارضة، وهو ينقض هذه الأيام بكل قوّة للعودة الى كرسي الحكم من جديد.
هناك تداعيات كثيرة لحالة عدم الاستقرار السياسي ومنها: أولا، مرّت القوائم الانتخابية والأحزاب السياسية بعمليات تفكيك وتركيب لم يسبق لها مثيل، ففي قائمة غانتس – ساعار- إيزنكوت «همحنيه هليئومي» مثلا، يجتمع مؤيدو حل «الدولتين» وأنصار أرض إسرائيل الكاملة، وما يجمعهم هو معارضة نتنياهو لا غير، وثانيا، تقدّر التكلفة المباشرة وغير المباشرة للانتخابات المتكررة بمليارات الدولارات، وما يمنع الأزمة هو أن الصهيونية استطاعت أن تقيم دولة مؤسسات وماكينة الموظفين في وزارة المالية الإسرائيلية تعمل بانتظام، وثالثا، في ظل حالة الاضطراب الدائم عند الطبقة السياسية، بقيت المؤسسة الأمنية على حالها تواصل عملها بتدخّل محدود للسياسيين المشغولين بالمعارك الحزبية، ما أدّى بالضرورة إلى زيادة وزنها وتأثيرها على اتخاذ القرار. فبعد إطلاق الصواريخ على أشدود عشية انتخابات سبتمبر 2019، واضطرار نتنياهو إلى النزول عن المنصة والهرولة إلى الملجأ، جرت محاولة منه لتمرير قرار بالعدوان على غزّة، إلّا أن القيادة العسكرية الإسرائيلية أحبطت هذه المحاولة، بعد أن ناورت في الالتفاف على قرار رسمي استطاع تمريره. وكذلك جاء عدوان «طلوع الفجر» على غزّة بقرار من المؤسسة العسكرية، وكان دور القيادة السياسية الموافقة عليه فقط. وما من شك بأن استمرار عدم الاستقرار السياسي يزيد من وزن المؤسسة العسكرية، التي بمقدورها، إن أرادت، لجم «جنون» قيادات سياسية إسرائيلية تسعى إلى الحصول على رصيد أمني لاستثماره في الانتخابات، وأن تجر السياسيين الى إقرار عمليات عسكرية كما تشاء.
سيناريوهات
تدل استطلاعات الرأي الأخيرة في إسرائيل على أنّ كتلة نتنياهو ستحصل على ما بين 59 إلى 61 عضوا في الكنيست، ما يعنى أنّه يقف على عتبة العودة إلى الحكم، ولكنّ قد لا يعود إليه إن لم يحصل معسكره على أكثر من نصف أعضاء الكنيست البالغ عددهم 120. من المؤكّد أن استطلاعات الرأي لن تبقى على ما هي عليه وستشهد، خلال فترة الحملات الانتخابية، تغييرات كثيرة. لكن من الواضح الآن أنّ هناك ثلاثة احتمالات لتشكيل حكومة بعد ظهور نتائج انتخابات نوفمبر المقبل:
الاحتمال الأول، أن يحصل معسكر بنيامين نتنياهو على 61 عضوا أو أكثر. وهذا احتمال قوي جدًّا، فحزب الليكود هو الأقوى في الاستطلاعات ويتراوح بين 33 و36 مقعدا. كل الأحزاب الدينية تدعم نتنياهو ولا حليف له غيرها وهي تحصل مجتمعة في الاستطلاعات على 24 -27 مقعدا، ما يعني أن سيناريو حصول معسكر نتنياهو على أغلبية مطلقة هو الأرجح. وأول ما يسعى إليه نتنياهو هو الانقضاض على الجهاز القضائي، وإجراء تغييرات جذرية فيه وتمرير قوانين خاصة، في سبيل إلغاء أو على الأقل تجميد محاكمته. أما على صعيد القضية الفلسطينية، فستكون حكومة نتنياهو استمرارا لحكوماته السابقة، وامتدادا لحكومة لبيد، التي تتخذ النهج نفسه. لكن هناك خطرا داهما في حال عاد الجمهوريون إلى الحكم في البيت الأبيض، وسواء كان ذلك ترامب أو بينس أو توأما لهما، فإن إمكانية إحياء مشروع «صفقة القرن» ستكون على الأجندة السياسية، بكل ما يعنيه ذلك فلسطينيا وعربيا، وهذا يفسّر خشية الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية من عودة نتنياهو، ويطرح مجدّدا السؤال ماذا سيفعل العرب إن أقدمت إسرائيل على تنفيذ الضم، بدعم أمريكي، طبقا لمشروع «صفقة القرن».
في المقابل تتمنّى دول التطبيع المعلن وغير المعلن فوزَ نتنياهو، بسبب موقفه من إيران، وقد ظهر ذلك جليا في إلغاء كل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان مشاركتها في المؤتمر الاحتفالي الخاص بمرور عامين على الإعلان عن «الاتفاق الإبراهيمي» الذي كان من المفروض عقده يوم 12 سبتمبرالمقبل، بادعاء عدم التدخل في الانتخابات الإسرائيلية وبدافع منع زعل نتنياهو، هذه الدول نفسها أقامت فعاليات تطبيعية متنوّعة عشية جولات انتخابية إسرائيلية سابقة حين كان نتنياهو هو رئيس الوزراء. ولكن ليس لانبهار المطبّعين العرب بنتنياهو وقدراته ما يبرره فهو، وإن أكثر من الجعجعة، لن يستطيع اتخاذ قرارات حاسمة ضد إيران إلّا بتنسيق كامل مع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي منعته عام 2012، من ارتكاب حماقة عسكرية خطيرة.
الاحتمال الثاني، هو ألا يحصل معسكر نتنياهو على أغلبية مطلقة، ويصل إلى 60 مقعدا أو أقل. في هذه الحالة لن يستطيع نتنياهو تشكيل حكومة، فليس هناك أي حزب إضافي مستعد أن ينضم إلى ائتلافه سوى الحزب الديني العربي (القائمة الموحّدة) الذي يرأسه منصور عبّاس، والذي أعلن مرارا وتكرارا أنّه يفضّل الشراكة مع اليمين الإسرائيلي، لكن هذا اليمين يرفض أن يتحالف معه حتى بعد أن أدان «الإرهاب» وأعلن الولاء لمبدأ الدولة اليهودية. في المقابل، من المرجّح ألا يتمكّن معارضو نتنياهو من إقامة ائتلاف حكومي، ولكن هناك طرحا بديلا قوامه أن يسعى بيني غانتس إلى تشكيل حكومة تناوب مع الليكود، بحيث يكون هو رئيس الوزراء في البداية ويليه نتنياهو. هناك أيضا إمكانية أن يحصل تمرّد داخل الليكود ويجري إقصاء لنتنياهو وتنصيب رئيس جديد لهذا الحزب، سيكون من السهل عليه تشكيل حكومة ذات قاعدة برلمانية واسعة، فمعظم معارضي نتنياهو مستعدّون لشراكة مع ليكود بلا نتنياهو، هذا الاحتمال مستبعد، على الأقل حاليّا.
الاحتمال الثالث، وهو أن يتمكن يئير لبيد رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي من إقامة حكومة. وهذه إمكانية ضعيفة جدّا، فهو بحاجة لدعم غير وارد من كل نواب «القائمة المشتركة». الأرجح أن يكون حزب «يش عتيد»، الذي يرأسه لبيد، الثاني من حيث القوة الانتخابية، لكنّه لن يكون قادرا على تشكيل ائتلاف حكومي.
بين التقليص والحسم
في كل الأحوال، سيفوز اليمين الإسرائيلي بغالبية المقاعد في الكنيست المقبلة، ولن تقوم حكومة لا تعتمد على كل أو جزء من هذا اليمين. أما «اليسار» الصهيوني، الذي أقام الدولة العبرية، فهو اليوم في حالة مزرية ويصارع اجتياز نسبة الحسم. ويرشح من النقاشات القليلة الدائرة حول قضية فلسطين، أن حدود مواقف الأحزاب الصهيونية تمتد من تقليص الصراع وإدارته، عبر بعض التسهيلات الاقتصادية وفتح أبواب لاستثمارات عربية ودولية في غزة والضفة، إلى حسم الصراع باتخاذ خطوات من جانب واحد، ليس بالانسحاب كما فعل شارون في غزّة، بل بالضم الرسمي وبتكثيف الاستيطان وقطع الطريق نهائيا على إمكانية إقامة دولة فلسطينية. وبين هذا وذاك هناك شبه إجماع في إسرائيل بالاعتماد أكثر على الضربات العسكرية والخطوات الأمنية، ومن جهة أخرى بالسعي إلى تحويل الفلسطيني إلى «كائن اقتصادي»، خال من الطموحات السياسية وغارق في الركض وراء لقمة العيش، وبعد إجراء تجارب ناجحة على «منصور عبّاس»، تسعى إسرائيل على تعميم التجربة. الشعب الفلسطيني قادر على إفشال المخططات الإسرائيلية، لكن العطب في القيادة، وعلينا ألا نيأس من تكرار هذا التشخيص لأنّه صحيح ولأنّه محفّز لتغيير لا غنى عنه في مواجهة التحدّيات.

1