أحدث الأخبار
الخميس 28 آذار/مارس 2024
ذاكرة الحكومة..!!
بقلم : سهيل كيوان ... 19.05.2022

نصيحة قديمة، احتفظْ بأية ورقة لها علاقة بالحكومة، أو مؤسّسة، حتى لو مرّت عليها عقود طويلة، فقد تحتاجها في يوم ما.
قبل حوالي الشّهرين، تورّطت في حادث طرق، وهو حادث غريب، لا أعرف كيف حدث ولا مع من.
كنت في الصَّباح، في طريقي إلى إحدى بلدات مرج ابن عامر، وقبيل وصولي ببضعة كيلو مترات، لا أعرف ما الذي حدث بالضبط، هل سهت عيناي أم سرحتُ ولم أنتبه! لا أذكر أنني كنت ناعساً، مثل انقطاعٍ مفاجئٍ للكهرباء في الليل في غرفة مغلقة، هذا ما حدث معي بالضبط، انتبهت على خبطة هائلة، ورأيت عمود دخان رمادياً أمامي بارتفاع أمتار، ومطرقة ثقيلة في الصّدر، ولم أفهم بالضبط هل صدمني أحد ما من الخلف، أم أنّني صدمت سيارة أمامي، أم أن إحداها انحرفت من الجهة الأخرى المعاكسة وارتطمت بي، كانت الوسادتان الواقيتان قد انفتحتا في وجهي، ويبدو أنهما مصدر الغيمة التي رأيتها أمامي! خيالي أخذني إلى أنّها كارثة رهيبة، ومرّت ثوانٍ قبل أن أستوعب بأنني تورّطت في حادث طرق، وبما أنني كنت في منحدر خفيف فقد انحرفت إلى جانب الشارع وتركت السيارة تبتعد قليلا خشية وقوع ارتطام آخر، واكتشفت أن الكوابح لا تعمل لأن المحرّك قد خبا، شعرتُ بنملٍ في وجهي، حاولت أن أراه في المرآة فوق رأسي، فلم أجد المرآة، خُلعت من مكانها وطارت.
في تلك اللحظات شعرتُ بأن الموت أقرب من حبل الوريد، كنتُ عاجزًا عن أخذ شهيق، ولحسن الحظ أنني كنت قد وضعت حزام الأمان، وهذا أنقذني بعد لطف الله، لأنني من دونه، كنت سأرتطم في الزجاج الأمامي ونطير معاً إلى الشارع، لا أعرف كم ثانية مرّت حتى تمكنت من التنفّس، حينئذ شعرت بأنني نجوت، فرحت أدرِّب نفسي على التنفس من جديد، شهيق زفير، وهو الأمر الذي نفعله منذ ولادتنا غالباً دون أن ننتبه بأنخ في لحظة توقُّف هذا المنفاخ عن العمل، يكون رصيدنا من الحياة قد انتهى.
سمعت زعيق صفارات الإسعاف، نظرت من النافذة خلفي، كان هناك كما يبدو مصاب أو مصابون، مرّت السيارات من جانبي دون أن ينتبه أحد إلى أنني في حاجة إلى مساعدة مثل أولئك هناك.
التفت بعضهم اتجاهي، ورأى أن الأمر لا يستحق الوقوف، فالحادث خفيف جدًا، هكذا يبدو لغير المتورِّط فيه، حاولت فتح الباب وإذا به مطبقٌ بقوة، ورغم الوجع الشديد فتحته من خوفي، فقد شممت رائحة الوقود التي انسكبت كما يبدو تحت السيارة.
هبطت بصعوبة، فرأيت المقدمة محطّمة وغائرة في موقع لوحة الترخيص إلى الداخل..كما يبدو أنني ارتطمت في سيارة لها وصلة جرّ من الخلف، وعلى الأرجح أن هذا خفّف من حدة الصَّدمة، لكن لم أعرف بالضبط ما الذي صدمته، ولا حتى لونه حتى هذه اللحظة.
توقَّف رجلٌ وامرأة انتبها لي، تقدّم الرَّجل منِّي وسأل إذا ما كنت في حاجة إلى مساعدة وطلب سيارة إسعاف؟ قلت نعم، لأنني أشعر باختناق وألم شديد في الصدر، ناولتني السَّيدة زجاجة ماء، سمعتُ الرجل يرفع صوته، كما يبدو أنّهم أخبروه بأن الإسعاف كان هناك قبل دقائق، فراح يوضِّح لهم بأن أحد المصابين ما زال في المكان، وصلتْ سيارة إسعاف بعد بضع دقائق.
شعرت بأهمية فتح الطريق لسيارة الإسعاف، وأن وصول الإسعاف والمسعفين لا يعني انتهاء الألم.
بدأت أستردُّ قدرتي على الكلام بصعوبة، خلال الفحوصات في المستشفى، بعد ساعة تقريباً اتصلت بابني وأخبرته بما حدث، وبأن يهتمَّ بإرسال شاحنة لجرِّ السّيارة.
في هذه الأثناء كانت الشرطة تقوم في واجبها، فقد سجلوا غرامة بقيمة 500 شيكل لوقوف السيارة إلى جانب الشارع، دون إعادة اهتمام بأن السَّيارة تعرضت إلى حادث، وأن سائقها قد يكون مصابًا، رغم وصول ابني في الوقت ذاته ومحاولة إقناع رجليّ الشرطة بأن السائق في المستشفى، أصرّوا على تسجيل الغرامة.
بعد قضاء النهار في المستشفى، تبيّن أنها رضوض فقط، ولا توجد كسور، هذه ال»فقط» تعجبني جدا…فهي توجع في كل شهيق، ومع كل حركة، وهي اضطرار إلى النوم على جانب واحد ووضعية واحدة لعدة أسابيع.
قرَّرتُ أن لا أدفع الغرامة، وأطلب إلغاءها، إلا أن أحد السائقين المُجرِّبين نصحني: ادفع وانس الموضوع أفضل لك…
قلت له، لكنّ الأمر واضح، فقال لي: اسأل مُجرّباً، سيطلعون لك ألف نبشة، ادفع وأرح نفسك.
أصررت على موقفي فكل الحُجج لصالحي. دخلت إلى موقع الشُّرطة في الشَّبكة، ثم إلى قسم السَّير والغرامات، وكتبت طلباً لإلغاء الغرامة مع رقمها، مع شرح عن الحادث، وبأنني رغم الإصابة اتصلت واهتممت بإخلاء السّيارة من المكان، وهذا ما حدث بعد حوالي السّاعتين من الحادث.
بعد يومين وصلني ردٌ من موقع الشرطة طلبوا وثائق تثبت وقوع الحادث..فأرسلت صورة شكوى مختومة قدّمتها إلى الشرطة، وأوراق الإسعاف والمستشفى وصورة لمقدّمة السَّيارة المحطمة! أخيرًا طلبوا وثائق من شركة الجرّ، وساعةَ تلقي البلاغ من شركة التأمين، فأحضرتُ وأرسلتُ، وبعد مراسلات مع الموقع حوالي عشر مرات على مدار الشَّهرين جاءني الرد النهائي قبل يومين…
لقد عثرنا في ملفك على غرامة قديمة منذ 12 عاماً، لم تدفعها حتى الآن، فإما أن تثبت بأنك دفعتها بتصوير الوصل وإرساله، وإلا فعليك أن تدفع هذه الأخيرة!
ضحكتُ، لأنّه لا يعقل أن تكون مديناً لأي مؤسسة رسمية بغرامة منذ اثني عشر عاماً ويسكتون عنك، تتضاعف الغرامة إذا لم تدفعها خلال تسعين يوماً، ثم تُمنحُ فرصة أخرى للدفع خلال ستة أشهر أخرى مع إضافة عقوبة أخرى وفائدة..وإذا لم تدفع، يحجزون على حسابك في البنك عن طريق مكتب محامين، ولا يتحرّر حسابك حتى تدفع! كثيرون لم يدفعوا وتورّطوا في مبالغ هائلة، بل أن بعضهم مُنع من مغادرة البلاد وأعيد من معبر حدودي أو من المطار بسبب دين بسيط للحكومة.
من يحتفظ بوصل دفع غرامة سير كانت وقتها ب 250 شيكل فقط بعد 12 عاما؟! الحقيقة نعم…كنت تعلّمت أن أحتفظ بأي ورقة لها صلة بالحكومة، سوف أفاجئهم وأرسل الوصل لهم فلن تبقى لهم حُجَّة.
أستغربُ وأقولُ لنفسي، إذا كان كل شيء واضحاً وضوح الشمس في قضية غاية في البساطة، أو هكذا ظننت، فكيف يكون الأمر عندما يتعلق بما هو أهم ومصيري، مثل الأرض والمسكن وتثبيت الملكية التي تحتاج إلى تواقيع عشرات من الأحياء والأموات أو من ورثتهم…

1