جرى الحديث دائماً عن حقوق المرأة في المساواة في الفرص والوظائف العامة، وفي الأجور وفي الترشُّح لمناصب مهمة ومتقدّمة، وكل هذا صحيح وهو ليس جديداً.
إلا أن هذه الحقوق كانت دائماً سلاحاً بيد السياسيين لتحقيق مآربهم، سواء الوصول إلى السُّلطة أو الاحتفاظ بها، أو لقمع أقلية قومية في بلد ما حيث يوجد صراع قومي، أو قمع شعب يرزح تحت الاحتلال كما هو حال شعبنا.
في الأنظمة القمعية الذكورية، ممكن الملاحظة بسهولة أن السُّلطة تتغاضى عن جرائم الذكور بحق الإناث داخل الأسرة، وتخفِّف الأحكام على جرائم قتل «الشّرف» وبهذا تشجّعها وتنمّيها، فيقتلُ الرَّجلُ دون خشية من عاقبة، وبذلك تسعى السّلطة الدكتاتورية إلى تجيير هذه العصبية الذكورية إلى جانبها، فتظهرُ نفسها محافظةً على «الشّرف والكرامة والرجولة» إلخ، على حساب التضحية بالنساء حتى إزهاق أرواح بعضهن، ونرى التخلّف والقمع والتمييز ضد المرأة واستغلالها الوحشي في كل مجالات الحياة.
أما في نظام الاحتلال «الديمقراطي» فهو يفعل العكس، يتظاهر إلى الحد الأقصى في بالدعاء مناصرة المرأة العربية، وذلك لكسبها ضد الرجل، بحيث إنّه يستغل الثغرة بين الرجل والمرأة ويزيدها اتساعاً، كجزء من سياسة تفتيت المجتمع القابع تحت نظام العنصرية وإحباط فرص وحدته وتشويه صورة الصراع الأساسية بين السلطة العنصرية والشعب إلى صراعات جانبية بين طوائف أو حمائل أو بين عصابات الإجرام والشعب.
الشُّرطة الإسرائيلية تصل خلال دقائق في حال وصلت شكوى عن تعرض امرأة لصفعة من أحد ذكور أسرتها، فتعتقله وتبعده عن البيت عشرات الكيلومترات، فتبدو حليفة للمرأة ضد الرجل، لكنها في الوقت ذاته، تتغاضى وتقصّر في التحقيق في جرائم قتل بحق الرجل والمرأة على حد سواء، وهذه السلطة «الرّحيمة» بالمرأة سوف تصبُّ حممها عليها إذا ما انخرطت في العمل الوطني، وسوف تقمع أطفالها إذا ما اشتركوا ضد الاحتلال، وقد تُثكلها دون أي اعتبار لمشاعرها.
في هذه الأيام، تشدُّ النائبة العربية في الكنيست عن حزب ميرتس اليساري، الرّحال للسفر إلى شنغهاي كقنصل عام لدولة إسرائيل في الصين، وفي تعقيبها أعربت غيداء ريناوي زعبي عن سرورها الشديد، وبأنها فخورة كونها الامرأة العربية الأولى التي تشغل مثل هذا المنصب المتقدم.
وكانت غيداء أول نائبة عربية تشغل منصب نائب رئيس الكنيست، وبهذا قال المثل الفلسطيني «الاسم كبير والفتّ شعير». فما الذي حققته من كونها نائبة رئيس كنيست هي أو من سبقها في هذا المنصب من العرب! سوى تجميل صورة دولة صار العالم كله يعرف أنها دولة أبرتهايد باستثناء زميلها منصور عباس، الذي لا يرى ما يراه أنصار حقوق الإنسان في إسرائيل نفسها، بل ومن صحافيين ومثقفين يهود يرون بأنّه نظام أسوأ من الأبرتهايد.
إحدى مهام القنصل أو المبعوث الدبلوماسي لأي دولة، هي تبييض سمعة وممارسات الدولة التي يمثلها والدفاع عن سياستها، لأنه لا يمكن أن تكون قنصلاً لدولة وتتعرّض في الوقت ذاته إلى سياستها، فأنت ملزم بتخفيف حدّة ما تمارسه من جرائم، ولعب دور الماشطة مع الوجه البَشِع.
السّيدة العربية التي ستشغل منصب قنصل في دولة الصين العظمى، هي نفسها التي دعت في أسبوع اللغة العربية من على منصة الكنيست إلى اتخاذ اللغة المحكية لغة التدريس والمعاملات الرسمية بدلاً من العربية الفصيحة، في تعبير واضح لعدمية قومية، الآن بتعيينها قُنصُلة في الصين تتضح الصورة أكثر، السيدة زعبي لا تخدم مجتمعها كما حاولت الادعاء هي وزملاؤها العرب في هذه الحكومة، وما تعتبره إنجازاً عظيماً كأول امرأة عربية تشغل هذا المنصب في شنغهاي، هو في الحقيقة انحدار في استغلال المرأة سياسياً، أو في تقديم نفسها سياسياً لتجميل صورة الاحتلال مقابل الحصول على وظيفة متقدمة، ثم التغني بأنها أول امرأة عربية تشغل المنصب المتقدم.
هذا ليس إنجازاً للمرأة العربية، بل هو إنجاز لنظام العنصرية الذي استطاع تجنيد سيدة عربية للقيام بدور الماشطة التي تجمّل القبيح، هذا ينطبق أيضاً على الرّجل العربي الذي مارس الدور نفسه، والنتيجة هي نفسها فيما لو اختاروا زميلها العربي في القائمة لهذا المنصب أو أحد زملائها العرب في الائتلاف، فهو لا يعدو كونه تجميلاً للاحتلال والعنصرية الصارخة حتى السّماء، وليست إنجازات عربية لا للنساء ولا للرجال.
لن يكون رأي السَّيدة زعبي من رأسها، ولن يكون صوتها من حنجرتها، ستكون بوقاً لتشكيلة حكومية تتنافس فيما بينها على المهارة في التنكّر لحقوق الفلسطينيين، ويتنافسون على أي السياسات أفضل وأكثر نجاعة في تضليل الرأي العام المحلي والعربي والعالمي والصيني أيضاً، فالخلاف ليس على الجوهر بين مركبات هذه الحكومة، ولا حتى مع المعارضة بزعامة الليكود، بل هو على الطريقة الأفضل لضمان حرمان الفلسطينيين من حقوقهم القومية.
السّيدة زعبي ليست بحاجة إلى الدفاع عن حكومتها، ولا إلى تجميلها، فالمصالح الاقتصادية المشتركة باتت منذ زمن بعيد هي الموجّه الأساسي للعلاقات بين الدول، وكونها امرأة عربية تنحدر من أسرة وعائلة عربية، يكفي دعايةً وإثارة للبلبلة والوهم وعدم الوضوح لدى من يرون الصورة من خارجها، بمن فيهم العرب.
على مدى العصور في تاريخ الشعوب، كان هناك دائماً من يخدم قامعي شعبه، تحت الذريعة نفسها، بأنه من موقعه هذا يخدم شعبه، أي أنه يضحّي، وفي الحقيقة أنه هناك في موقع كهذا كي يخدم نفسه، وهذه قفزة في الاتجاه الخطأ.
شتّان بين امرأة تناضل لأجل حقوق النساء ومساواتهن بيد وباليد الأخرى تواجه ظلم الاحتلال وموبقاته وتجتهد لأجل حقوق شعبها القومية والوطنية، وبين امرأة تحقّق طموحاتها الشخصية من جهة وتجمّل وجه العنصرية والأبرتهايد بمجرد إشغالها لمنصب كهذا، ثم تزعم بأنها جاءت لتخدم شعبها من داخل أداة القمع نفسها، فهي موضوعياً تخدم العنصرية ومن يمثلونها، شاءت ذلك أم أبَت.
هذا ليس إنجازاً للمرأة العربية…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 24.02.2022