أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
حول نُبوءة الشيخ بسام جرار!!
بقلم : سهيل كيوان ... 17.02.2022

مهما كانت الدعاية أو النبوءة قوية، فهي لا تحقق ذاتها إلا أن تكون مدعومة بمقومات مادية، وإلا انقلبت إلى ضدها، وصار مفعولها عكسياً. منذ بداية الصراع مع الحركة الصهيونية على أرض فلسطين، وما رافقها من انتفاضات فلسطينية وحروب، ظهرت دعايات أو زُرِعت عمداً بأن نهاية إسرائيل باتت وشيكة، بل هناك من حددوا تاريخاً لنهايتها أو عاماً.
بكَت الحركة الصهيونية ضعفها في 1947- 1948، وكانت أصداء وتداعيات الكارثة التي حلت بيهود أوروبا في أوجها، فتعاطف الشرق والغرب مع الدولة الجديدة، التي تحيط بها أمة كبيرة «متوحشة ومتخلفة» بينما كانت العصابات الصهيونية ترتكب أبشع المجازر لترويع الفلسطينيين، ودفعهم إلى الهرب من بيوتهم للنجاة بأرواحهم.
في عام 1956 دخلت إسرائيل الحرب مع بريطانيا وفرنسا ضد مصر، بحجة الخطر الوجودي الداهم عليها، ولعبت دور الضعيف المسكين. في عام 1967 انتشرت فرية إلقاء اليهود في البحر، وعزز هذه الدعاية الإعلام العربي السطحي، الذي لم يعتمد الدراسة العلمية، فصور ضعف إسرائيل، وكأن الحرب معها نزهة، وكانت الصدمة. خلال هذا زعم البعض أن نهاية إسرائيل مذكورة في كلمات في أبيات شعر في كتاب «الجفر» الذي يتنبأ بالمستقبل، وهناك خلاف حول اسم مؤلفه، هل هو علي بن أبي طالب، أم جعفر الصادق، أم محمد ماضي أبو العزائم.
في عام 1973 ظهر ضعف إسرائيل حقيقة، عندما توحد العرب وبادروا، وأعدوا جيدا، فلم تخجل غولدا مئير من ذرف دموعها أمام مشاهدي التلفزيون، ومناشدة أصدقاء إسرائيل لإنقاذ ما سمته دولة الهيكل الثالث. وعندما انقلبت الحرب لصالحها، صارت الدعاية تتحدث نقلا عن «الجفر» أنهم سيصلون أبواب دمشق وهناك يندحرون ويتقهقرون حتى اللد والرملة، ومن العلامات نجم مذنب ظهر في تلك الفترة. في عام 1982 وحصار بيروت، ظهرت أيضا نبوءات مصدرها «الجفر» بأن المعركة الفاصلة ستقع في الرملة البيضاء في بيروت، وهي بداية النهاية لإسرائيل. خرافات «الجفر» تكررت في الحرب على العراق عام 1991، أو ما أطلقوا عليها اسم «عاصفة الصحراء» أو «حرب تحرير الكويت» حيث ادعوا وجود اسم الراحل صدام حسين في أحد بيوت الشعر في كتاب «الجفر» وتنبِئ بأن نهاية الكيان قد أزفت على يدِه. تختلف أوهام الجفر الذي كتبه بشر، عن القراءات التي تعتمد على تفسير وتحليل وحسابات آيات القرآن الكريم، وذلك لمكانته في قلوب المؤمنين.
الشيخ بسام جرار من أبناء الضفة الغربية، وهو من مبعدي مرج الزهور، وتعرض للاعتقال الإداري بسبب نشاطه السياسي وانتمائه للتيار الإسلامي، وهذا ما يمنحه مصداقية كبيرة بين الجمهور. يحاول الشيخ بسام أن يبرهن من خلال حساب الجمل والأرقام في آيات من القرآن الكريم، أن نهاية إسرائيل كدولة ستكون في عام 2022. ويدعم البعض هذه النبوءة، بمقولة لبنيامين نتنياهو، قال فيها إنه سيجتهد على أن تعيش دولة إسرائيل حتى مئة عام، ويقتبس آخرون مقولات لشخصيات سياسية وعسكرية من إسرائيل ومن أنصارها في العالم حذروا من نهاية المشروع الصهيوني. لم أرِد التطرق إلى هذا الموضوع إلا لأن كثيرين ممن أعرفهم مقتنعون بتحليلاته ونبوءته. البعض ألقى المَهَمة على وباء كورونا، وقال آخرون إن هزة أرضية قوية جداً ستحقق هذه النبوءة. في الواقع أن مفكرين وقادة إسرائيليين حذروا دائماً من خطورة الخلافات الداخلية بين العلمانيين ودعاة تطبيق الشريعة اليهودية، على استمرار المشروع الصهيوني.
ويحذر البعض من دولة واحدة بين النهر والبحر، بأنها ستفقد كونها دولة اليهود.
ويرى البعض أن مواجهة مع إيران وحزب الله وقطاع غزة، ترافقها انتفاضة فلسطينية شاملة، ممكن أن تدفع مئات الآلاف وربما ملايين من اليهود إلى الهجرة.
الحقيقة أن بكاء قادة إسرائيليين على مصير إسرائيل لم يتوقف يوماً، وهو يهدف إلى شحذ الطاقات وتوحيدها، كي لا تتشتت في خلافات ثانوية فتضعف مناعة الشعب، وبعضهم ومن خلال نظرية الخوف هذه يسعى إلى إضفاء شرعية على سياسة التهجير والهدم والتجريف وحتى قتل الفلسطينيين، بحجة الخطر الديمغرافي الداهم الذي سينهي دولة إسرائيل. معروف أن للدول أعماراً مثل البشر، بعضها لم يعش أكثر من معدل عمر إنسان، الاتحاد السوفييتي 1917-1991 الذي كان الحديث عن نهايته قبل حدوثها بعدة أعوام ضرباً من الخيال، إلى أن حانت نهايته وتفكك بالفعل. إلا أن كل تغيرٍ جذري كبير مثل مصائر الدول والشعوب، تسبقه مقومات تمهد للحدث، وهذا يشمل القوة الاقتصادية والعسكرية والحالة المعنوية والأخلاقية للشعب، ونوعية النظام الذي يدير دفة الحكم، إضافة إلى قوة أعدائه، فأي نظام كان، لن ينهار إذا كان أعداؤه ضعفاء، بعضهم يستجديه بأن يكف شره عنهم، أضف إلى هذا القوى العالمية الداعمة، ولهذا أعتقد أن اجتهاد الشيخ بسام جرار في تحليلاته، سينتهي مثل غيره من نبوءات، رغم وجود احتمال مواجهة عسكرية مع قطاع غزة، بسبب التصعيد في القدس، أو كوارث طبيعية كالزلازل، ولكنها ليست بشيءٍ من علامات نهاية دولة. أعتقد أن الشيخ بات على قناعة بأن نبوءته لن تتحقق، ولهذا فقد أعلن قبل تسعة أشهر في مقابلة ما، أنه غير نادم على إطلاق هذه النبوءة، حتى لو لم تتحقق «فهي شجعت كثيرين على التمسك بحقوقهم، وبعثت فيهم الأمل بقرب نهاية الظلم والعدوان». ليس عندي أي اعتراض على اجتهادات وتفسيرات، ولكن يجب الحذر من زرع الأوهام التي قد تكون ردودها عكسية على فئات واسعة من الناس، خصوصاً عندما تحدد موعداً لأحداث كبيرة وتاريخية بدقة عالية، معتمداً في تحليلك على القرآن الكريم.

1