لم يلتفت معظم الكتاب والمحللين السياسيين لخطاب السيد محمود عباس أمام المجلس المركزي، ولم يتابع السواد الأعظم من الشعب الفلسطيني خطاب الرجل، فالكلام كثير، والفعل قليل، وتكرارا التهديد نفسه لسنوات طويلة ممجوجٌ ومملٌ، لذلك لن أزعج القارئ بتحليل مضمون الخطاب، وتفنيد ما ورد فيه، وسأكتفي بالنبش عن الحقيقة في ثلاثة أسطر من خطاب محمود عباس، قال فيهما: "علينا مواصلة الحفاظ على منجزاتنا الوطنية، ومواصلة بناء مؤسسات دولتنا، والحفاظ على حداثتها وديمقراطيتها، والالتزام بسيادة القانون، والاستمرار في المراجعات والإصلاحات الضرورية، بحيث تكون حكومتنا قادرة على مواجهة التحديات، وتلبية احتياجات ومتطلبات المجتمع الفلسطيني".
فأين هي المنجزات التي يطالبنا الرئيس بالحفاظ عليها؟ هل صار لدينا مطارات فلسطينية، تضيق بتصدير المنتجات الفلسطينية؟ هل لدينا موانئ فلسطينية تستقبل عشرات السفن والبواخر؟ وأين هو النظام السياسي الفلسطيني الذي يلتقي تحت رايته كل الفلسطينيين؟ لنحافظ عليه، وأين الأمن الفلسطيني المستقر، وأين الجيش الفلسطيني الذي يحول دون اقتحام العدو الإسرائيلي للمدن الفلسطينية؟ وأين هي الحرية التي انتزعها آلاف الأسرى من السجون الإسرائيلية؟ وأين هي المنجزات مع وجود مئات آلاف المستوطنين الذين يتبرون على أرض الضفة الغربية؟ وأين كرامة الفلسطيني من هذه المنجزات، وهو يقف على الحواجز الإسرائيلية، غير قادر على حماية أرضه وزرعه وبيته وطفله من هجمات المتطرفين؟
ثم يطالبنا عباس بمواصلة بناء مؤسسات دولتنا، والحفاظ على حداثتها وديمقراطيتها!
فأين هي الدولة التي سنبني مؤسساتها؟ وهل تم اختصار الدولة بحكومة ووزراء ووكلاء وموظفين؟ أم الدولة أرض وحدود معترف بها وفضاء وحرية شعب؟ وهل الدولة رئاسة وبساط أحمر، وسلام وطني؟ أم الدولة سيادة ونفوذ وجيوش واقتصاد مستقل؟ وما هي المؤسسات التي سنواصل بناءها؟ هل هي مؤسسة مواجهة الجدار العنصري؟ أم هيئة الطيران؟ أم هيئة البترول في بلد لا يمتلك طاقته؟ أم هي مؤسسة توثيق جرائم الاحتلال التي أوقف نشاطها؟ وهل المجلس التشريعي الفلسطيني الذي حله عباس إحدى هذه المؤسسات؟ وأين هي الديمقراطية التي تعيش عليها المؤسسات، وعباس شخصياً صاحب الحل والعقد في كل المؤسسات، وهو الوحيد الذي حال دون إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية.
ويقول عباس في الفقرة الصغيرة نفسها: علينا الالتزام بسيادة القانون، والاستمرار في المراجعات والإصلاحات الضرورية!
فأين هو القانون الذي نحتكم إليه؟ هل هو النظام الأساسي المنتهك؟ أم هو المحكمة الدستورية التي شكلها عباس بقراره، وعلى طريقته، ووضع على رأسها عجوزاً تجاوز الثمانين عاماً؟ وهل بقاء عباس رئيساً لأكثر من 17 عاماً يتوافق مع القانون؟ وهل قطع رواتب الموظفين إجراء قانوني؟ وهل خصم 20% من رواتب المتقاعدين فيه التزام بالقانون؟ المتقاعدون موظفون ادخروا من راتبهم لما ينفعهم في شيخوختهم، ويشهد الجميع أن العدو الإسرائيلي الذي نصفه بالإرهاب والإجرام والعنصرية، العدو الإسرائيلي حافظ على الأمانة، وسلم مدخرات المتقاعدين كاملة إلى السلطة الفلسطينية سنة 1994، فأين ذهبت مدخرات المتقاعدين؟ وأين القانون من فصل آلاف الموظفين، ومن التقاعد الإجباري؟ وأين القانون الذي ينص صراحة؛ بأنه لا يجوز المساس أو الاستقطاع أي جزء من راتب الموظف إلا بموافقته خطياً، ومع ذلك تخصمون نسبة 30% من رواتب الموظفين؟ فأين هي المراجعات والإصلاحات التي يتحدث عنها عباس، والفساد الإداري يضرب أطنابه، والاقتصاد الفلسطيني مربوط بذيل الاقتصاد الإسرائيلي.
ويطالب عباس في الفقرة نفسها أن "تكون حكومتنا قادرة على مواجهة التحديات، وتلبية احتياجات ومتطلبات المجتمع الفلسطيني"
فكيف يكون ذلك؟ والحكومة الفلسطينية مثل زغلول في العش، ينتظر ما ستقذفه الحكومة الإسرائيلية من أموال في جوفه؟ حكومة تستدين مليارات الدولارات من البنوك المحلية، ولا يخرج رئيسها من بيته لزيارة مدينة الخليل إلا بإذن المحتلين، وبعد وقوفه تلميذاً في الصف الابتدائي أمام الحاجز الإسرائيلي! كيف لمثل هذه الحكومة أن تلبي احتياجات ومتطلبات المجتمع؟ وهي ترسل كل الصباح 200 ألف عامل لبناء المستوطنات اليهودية، وتعمير المصانع الإسرائيلية؟ حكومة تتوسل المساعدات والهبات والتبرعات، في الوقت الذي قطعت مخصصات أكثر من مئة ألف فقير، ينتظر رغيف خبزه من مخصصات الشؤون الاجتماعية.
في مقالي هذا لم أناقش مضمون الخطاب، ولا القضايا السياسية والوطنية التي وردت فيه، ولم أتطرق إلى ما جاء بشأن المصالحة وشروطها، واكتفيت بكشف العطب الكبير في ثلاثة أسطر فقط، لتفضح الحقيقة التي يتجرع مراراتها الشعب الفلسطيني، وهو الشعب المطالب بقطع المسافة بين أقوال السيد عباس وأفعاله، ودون ذلك، سيظل الشعب الفلسطيني أجيراً مستعبداً، يعمل مستخدماً في المزارع والمصانع الإسرائيلية مقابل قوت يومه.
من يقطع المسافة بين أقوال الرئيس عباس وأفعاله؟!
بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 08.02.2022