أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
منصور عباس: حب من طرف واحد مع اليمين الصهيوني!!
بقلم : سهيل كيوان ... 23.12.2021

تصريح الدكتور منصور عباس الممثل عن القائمة الموحدة والحركة الإسلامية الجنوبية في الكنيست، بأن إسرائيل ولدت دولة يهودية وستبقى كذلك، هو اعتراف مُسيء لشعبنا كله، وكذلك لنضال الحركة الإسلامية الجنوبية التي يمثّلها عباس، وانحراف كبير عن نهج مؤسّسي الحركة وعلى رأسهم الشيخ المرحوم عبد الله نمر درويش. بتصريحه هذا تنازل عباس عن رواية شعبنا للنكبة، وعن حقيقة أن بلادنا اغتصبت وما زالت، وعن حقوق شعبنا الذي طُرد بأكثريته من دياره بقوة السِّلاح. النّكبة لم تتوقف في عام 1948، كي نقول إنها أصبحت من الماضي، لنفتح صفحة جديدة، فهي مستمرةٌ يومياً، وما زالت تتفاقم مواصلة ما بدأت به والمستقبل ما زال غامضاً.
تصريح عباس ليس شطحة صحافية، بل هذا نهج بات واضح المعالم، على الرغم من وجود أصوات معارضة لهذا النهج داخل حركته وشركائه من الموحدة. الاعتراف بيهودية الدولة، أمر يعارضه كل أبناء شعبنا، إلا قلة نادرة من المنتفعين الانتهازيين، حتى أن هناك شريحة من اليهود ترفضه. الاعتراف بيهودية الدولة، ضربة قاسية لوحدة الجماهير العربية، لن نجني منها أي ثمار.
عباس يطلب بهذا من المواطنين العرب الفلسطينيين، أن يتقبلوا وضعهم كمواطنين من درجة ثانية أو ثالثة، هم ولغتهم وكل ما يمثّلونه، وهذه عنصرية، ومن الغريب أن يتقبّلها ابن القومية التي تمارسُ ضدها هذه العنصرية. جماهيرنا العربية رفضت وسوف ترفض، لأن هذا يتناقض مع وجودها في وطنها، ويمس كرامتها في حياتها اليومية، ويجعلنا على درجة واحدة مع طالبي اللجوء الأجانب.
تصريحات عباس تزيد من قناعات الإسرائيليين بالقدرة على مواصلة التطهير العرقي في فلسطين، وتزيد من التّوجه العنصري تجاه العرب، فهو يبرهن لهم صدق مقولتهم، بأن العرب لا يفهمون سوى لغة القوة، ويُقنع المترددين منهم، ويضعف ذوي التوجهات الرافضة للعنصرية من اليهود، ما دام أن رئيس قائمة تمثّل مئات آلاف المصوتين العرب يعترف بهذا. يهودية الدولة تعني تحديد وجود العرب في الحيز العام، وفي سكنهم وأمكنة عملهم وأعدادهم ومحاصرة لغتهم وكل ما يمثلهم. يناقض منصور نفسه عندما يسعى إلى طلب المساواة للعرب من خلال الاعتراف بيهودية الدولة، فما دام أنها دولة اليهود، فأنت ضيف في أحسن الأحوال، وأنت زائد في هذ الحيِّز. يظن عبّاس بأنّ «واقعيته» السياسية سوف تحقق ما لم يحققه دعاة دولة المواطنين أو المساواة، لكن التجربة الطويلة أثبتت أن التنازلات لا تُحصِّل حقوقا، ولو أنها مجدية، لكان أولى أن يحصل على حقوقهم الكاملة أولئك الذين خدموا ويخدمون من العرب في أجهزة الأمن الإسرائيلية، لكن هذا لم يحصل، فهم يعودون عرباً بعد خلع البِزّة العسكرية.
تنازلات الفلسطينيين على طول سني الصراع، لم تقابل إلا بمزيد من الغطرسة والتنكر لحقوقهم، والتنسيق الأمني في الضفة الغربية خير دليل على الاستهتار التام وعدم الالتزام بأي وعود. تعمل الحركة الصهيونية بطريقة الخطوة خطوة، فإذا ووجهت بمقاومة تتوقف وتجمّد العمل، ريثما تتاح لها الفرصة، وفي اللحظة التي تشعر بضعف الضحية تنقضُّ لتستأنف مخططاتها، ولهذا فإن تصريحات عباس لا تجلب سوى المزيد من الأذى. العنصرية موجودة في كل مجالات الحياة وقبل ظهور عباس، ولا أحد يحمِّلُه مسؤولية وجود العنصرية، لكن الفرق شاسع بين تقبّلها والرضى بها، كقضاء وقدر، ومقاومتها والتحريض على رفضها، وتجنيد أصوات محلية وعالمية لمحاصرتها وإخمادها. بتصريحاته يزرع عباس أوهاماً وتشكيكاً لدى الأجيال الصاعدة بأنهم أقل من اليهود، وأن المساواة مطلب غير واقعي، وبهذا يدعم سياسة التغريب المنهجية للأجيال الفتيّة، ويصطف إلى جانب الرواية الصهيونية التي سَرقت، وما زالت تسرق كل ما هو فلسطيني وتنسبه إليها. بتصريحه هذا تنازل عباس عن البَعير مقابل أذنه، ويطالب شعبنا بإلغاء نفسه وتاريخه مقابل تعويض مادي طفيف وبعض إنجازات ضيِّقة قد يسجلها لنفسه.
لا شك في أن المكاسب المادية مُهمة، مثل مدِّ البيوت العربية غير المرخصة بالتيار الكهربائي، والناس في حاجة ماسَّة، لكن ما قيمة المكاسب المادية إذا خسرنا أنفسنا. لقد حصل طرح عباس وقائمته على تأييد واسع في الانتخابات بأنه رجل عملي، وأقنع كثيرين بفكرة القدرة على التأثير من داخل الحكومة، لكن تصريحاته والنتائج على أرض الواقع تقول، إنه تنازل عن أمور جوهرية من دون إنجازات تذكر، لأن الإنجازات التي وعد بها مثل الاعتراف ببعض القرى البدوية في النقب، يتناقض مع طبيعة أيديولوجيا مركبات الحكومة التي يجلس فيها، وتخطيطاتها العنصرية تجاه السُّكان الأصليين، خصوصاً في النقب. ما حققته الجماهير العربية من ميزانيات وسدٍّ للفجوات على مدار عقود، كان نتيجة ضغوط من موقع المعارضة، ومن موقع الشعب المُضطَهَد، وليس من باب التنازلات أو الشراكة مع الحكومات، ووجود عباس في الحكومة لم يغيّر شيئاً حتى الآن ولن يغيِّر شيئاً. في الوقت الذي يعمل فيه البعض بمثابرة على شحن الشّباب الفلسطيني بالقوة المعنوية ووضوح الرؤية لاكتشاف ذواتهم، كي يناضلوا بقناعة راسخة لنيل حقوقهم وحقوق شعبهم وأهلهم في وطن أجدادهم، يأتي تصريح كهذا ليُحبِطَ، وليقول، إن التنازلات والتنكر للذات هي الطريق إلى نيل الحقوق.
هذا الحب من طرف واحد بين عباس والجناح الأكثر يمينية في الحركة الصهيونية سيكون مصيره الفشل، بسبب العنصرية المظلمة، لكنه يدفع إلى انقسام عميق وأساسي بين العرب أنفسهم، فالخلاف هنا لم يبق على تكتيك عابر في قضية خفيفة ممكن تجاوزها، بل على جوهر يمسُّ عصب حياتنا ورؤيتنا للصراع ووجودنا في وطننا الذي لا وطن لنا سواه.

1