لا يمكن الفصل بين ما يجري في بولندا من مظاهرات ضد اليهود، وبين صحوة أوروبا بشكل عام، لخطورة سيطرة اليهود على مرافق الحياة الاقتصادية والإعلامية والسياسية في بلاد الغرب، وقد تكون بولندا بحكم تاريخها الممتد لمئات السنين مع جشع اليهود رأس حربه الوعي المجتمعي، الذي راح يستيقظ في كل بلاد أوروبا ضد هيمنة رأس المال اليهود، وتسلطه على قرارات السياسيين في الكثير من الدول؛ مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا وأمريكا وغيرها.
الصحوة الأوربية التي تطل برأسها في بولندا ضد فساد اليهود، وتحكمهم برأس المال والقرار ليست جديدة، فقد حثتنا كتب التاريخ أن ملك إنجلترا إدوارد الأول قد أصدر أمراً بطرد كل اليهود من بلاده عام 1290، وأضحى أول بلد يقدم على هذا الإجراء في أوروبا، تلته بعد ذلك دولة المجر، فقد طردت اليهود من أراضيها عام 1349، ثم فرنسا، فقد طردتهم 1394، وطردتهم النمسا 1421، ، وإسبانيا 1492 والبرتغال 1497 ، ثم طردتهم نابولي 1510، وميلانو 1597، وغيرها من البلاد التي طردتهم من أراضيها، قبل أن يطردهم هتلر من ألمانيا قبل عشرات السنين.
اليوم يخرج الشعب البولندي ضد فساد اليهود، كما ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مئات النشطاء البولنديين الذين تجمعوا وسط مدينة كاليش البولندية، وتظاهروا ضد اليهود الذين يعيشون في بولندا، متهمين إياهم بنشر الفساد، وقد تخلل المظاهرات شعارات (الموت لليهود، والموت للإسرائيليين) الذين يعيشون في بولندا.
نشر الفساد، والتسلط على العباد، والتحكم برأس المال، والتمايز عن الآخرين، واحتقار الأغيار، وزلزلة القيم الإنسانية، وتدمير الأمم بشكل مدروس ومخطط، والتآمر على ثقافة الشعوب، كل ذلك كان وراء غضب الأوروبيين على مر التاريخ ضد التجمعات اليهودية، التي استأثرت برغيف الخبز الطري، وتركت لسكان البلاد رغيف الخبز الجاف، مغمساً بالمهانة والإذلال، وهذا ديدنهم أينما حلوا، وعبر العصور، وقبل وصولهم إلى أرض فلسطين غزاة، سيطروا على الأرض، وطردوا سكانها الأصليين، وأعلنوا عن قيام دولتهم سنة 1948.
خروج الشعب البولندي ضد فساد اليهود لم يظهر فجأة، ففي شهر يونيو مرر مجلس النواب البولندي بأغلبية 309 صوتاً، ومعارضة صفر من النواب، قانون تطبيق مبدأ التقادم على دعاوى إعادة الممتلكات، مما أثار غضب إسرائيل، التي ادعت أن التشريع قد يؤثر على طلبات اليهود الناجين من المحرقة، وأحفادهم بشأن استعادة الممتلكات.
إنها قمة الأكذوبة الصهيونية، أن يطالب اليهود بالتعويض عن ممتلكات لهم في بولندا، وهم يتنكرون لممتلكات العرب الفلسطينيين التي اغتصبوها علانية، وهي موثقة بسجلات الأمم المتحدة، وعليها شهود، ولا ينكرها وجود 7 مليون لاجئ فلسطيني.
لقد كان الرئيس البولندي أندريه دودا شجاعاً وجريئاً حين قال عام 2020: إنه لن يوقع أبدا على قانون يميز أي مجموعة عرقية مقابل الآخرين، والمقصود بالمجموعة العرقية هم اليهود، وكان الرئيس البولندي قد رفض في يناير 2020 المشاركة في المنتدى العالمي للمحرقة الذي عقد في القدس، وكانت بولندا السبب في إلغاء قمة فيشيغراد عام 2019، لعدم إقرار بولندا بالمسؤولية عن المحرقة النازية.
خروج المئات من الشعب البولندي بمظاهرات ضد فساد اليهود ليس إلا بداية المشوار الأوربي الرافض لسطوة اليهود، وتمايزهم، ولعل خروج الملايين من الشعب الأوروبي ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أبان معركة سيف القدس، كان خير مؤشر على مقدار التحول في الوعي الأوربي تجاه التجبر الإسرائيلي، وتجاه العلو والتكبر، وهذه رسالة تحذير إلى الأنظمة العربية التي تلهث على التطبيع مع الإسرائيليين، في غفلة عن اليقظة التي يعيشها الأوروبيون.
صحوة غربية في بولندا، وغفوة عربية!!
بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 14.11.2021