الأولى كانت في الثامن من آب/ أغسطس وهو اليوم العالمي للقطط، أما المناسبة الثانية فهي اليوم العالمي للكلاب الذي يصادف في السادس والعشرين من هذا الشهر نفسه، والثالثة هي اليوم العالمي للحيوانات الضالة وتصادف في الحادي والعشرين منه، وهو اليوم نفسه الذي أحرق فيه إرهابي صهيوني أسترالي المسجد الأقصى عام 1969.
يبدو الخوض في موضوع الحيوانات وخصوصاً الكلاب وحقوقها في المنطقة العربية غير واقعي أو غير حقيقي، وذلك أن حياة الإنسان تعاني من الإهمال في معظم هذه الدول، فما بالك بحقوق الحيوانات المتشرِّدة وغير المتشرِّدة.
القطط تعامل بالحسنى، ونادراً ما تتعرض لأذى من قبل بالغين وعاقلين، ولذلك ممكن أن تراها في باحات البيوت وحولها بأعداد كبيرة، وإذا شَعرت بالوُدِّ دخلت البيوت، وللقطط قدرة كبيرة على ابتزاز التعاطف معها، فصوتُ موائها فيه رجاء وحنان، حتى تخال بعضها يبكي، وقد دجَّن الإنسان هذه الفصيلة من النمور الصغيرة منذ ستة آلاف عام فقط.
هناك مَيْل شعبي عربي لصالح القطط على حساب الكلاب. ويكفي ما يروى عن الرسول الكريم بأنه رأى قطة نائمة على عباءته، فلم يزعجها وتركها حتى استيقظت من تلقاء نفسها، إلى جانب حديثه الذي يتوعد بالويل ونار جهنم من يعذِّب قطة.
استخدمت القطط كاستعارات لوصف حياة البشر، فقد وُصف الجشعون الذين يمتصُّون خيرات البلاد من خلال علاقتهم بالسُّلطة بالقطط السِّمان، ويوجد فيلم سينمائي بهذا العنوان.
وهناك مثل يقول، فلان مثل القطط، يأكل وينكر.
وهناك بعض الأمثال الأخرى، مثل قِطط شباط، فهي تستمتع وتصرخ، والقط يحب خنّاقه وغيرها.
أما الكلاب، فقد شغلت دوراً أوسع بكثير في الأمثال والتشبيهات والاستعارات.
اللص والكلاب في رواية نجيب محفوظ مثلاً، استعارة عن أناس منحطين وسيئين وفاسدين.
كذلك فهنالك تعبير «كلاب السلطة» يصف العملاء الذين يتعاونون مع سلطة الاحتلال ضد شعبهم.
و«كلب الشيخ شيخ» بمعنى أن أتباع الزعيم وحاشيته هم شيوخ مثله.
و«الكلب الذي ينبح لا يعض» و«فلان مثل كلب المطران لا ينبح ولا يلحق بالغنم» ويقصد منه، الرجل الطفيلي الذي يصله طعامه أمامه بدون أي جهد، ويتكبر على العمل، وحتى عن النباح، رغم أنه كلب ابن كلب.
و»فلان مثل ذيل الكلب» لمن يستحيل تغيير صفة سيِّئة متأصلة فيه، و«الكلاب تنبح والقافلة تسير».
و»كلب ينبح معك ولا كلب ينبح عليك».
ووصف القرآن الكريم من اتبع هواه «كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث».
«الجنازة حامية والميت كلب» يقال عند الضجة التي تثار حول أمر تافه لا يستحق.
و»جوّع كلبك بيلحقك».
وعشرات الأمثال الأخرى المستوحاة من الكلاب، مما يدل على أنها الأقرب للإنسان، فقد دجّنها منذ أحد عشر ألف سنة، أي أن علاقة البشر بها قبل القطط بخمسة آلاف عام، فاستوحى منها ومن صفاتها وسلوكها عشرات الأمثال، إضافة إلى أن خدماتها كثيرة جداً بينما تكاد القطط لا تعمل شيئاً، ويكفي -مثالاً- الكلاب التي ترافق الأكفاء؛ فهي أفضل من مرافقة البشر، لأنها تقوم بعملها دون أن يُشعر بأي حرَج منها.
القصص عن وفاء الكلاب أكثر من أن تحصى، منها من انتظر صاحبه في محطة قطار في طوكيو اثني عشر عاماً حتى نفق، ورغم ذلك فإنها تستخدم في الشتائم، وأشهرها في الحقبة الأخيرة، قصف الرئيس الفلسطيني محمود عباس لسفير أمريكا في إسرائيل ووصفه بأنه مستوطن ابن كلب، واعتبر فريدمان بأنها لا سامية.
يُسجّل لصالح العرب أنهم لا يأكلون لحوم الكلاب إلا مضطرين غير باغين، في حالات الحصار خلال الحروب مثلاً، أما الجحود الحقيقي، فهو من البشر الذين يأكلون لحومها، في الصين يقيمون مهرجاناً سنوياً في مدينة يولين، يلتهمون فيه خلال أسبوعين آلاف الكلاب رغم نضال جمعيات في الصين لحماية الكلاب وإنقاذها ووقف هذا المهرجان.
قبل بضع سنوات لاحظوا اختفاء كلاب في منطقة الفريديس والتعاونيات على سفوح الكرمل الجنوبية المقامة على أراضي الطيرة وإجزم وعين حوض وجبع وصرفند وعين غزال المهجرة وغيرها، وبعد متابعة، تبيّن أن العمال الآسيويين الذين جلبوهم للعمل مكان العمال في قطاع غزة، كانوا يستدرجون الكلاب للاستفراد بها بين بيارات الموز لقتلها وتناول لحمها.
هنالك حركة دولية قوية لأنصار الكلاب، وأعتقد أنه حتى نهاية القرن الحالي سوف يكون لأنصار الكلاب قوى برلمانية تقرّر في السياسات العليا، فالقوى المهتمة بالحيوانات عموماً وفي الكلاب بشكل خاص في تصاعد مستمر، وممكن تسميتها بالقوة الكلبية الصاعدة، ويَعتبِر القانون الفرنسي منذ 2015 الكلاب بأنها قادرة على إبداء المشاعر، بعد أن كانت مثل أي متاع جامد في البيت.
ليس من العدل بشيء أن يكون للفاشيين والنازيين الجدد والقدامى ومختلف ألوان المجرمين والسفاحين تمثيل في برلمانات العالم، بل إن بعضها يدير حكومات ويقرر مصائر البشر، بينما تحرم الكلاب من التمثيل البرلماني.
هناك كلاب تستخدم لأغراض سيئة مثل الكلاب التي يستخدمها الاحتلال في مهاجمة المقاومين أو الكشف عن مخابئهم، وتستخدمها قوات القمع السلطوية لإرهاب المعارضين، كذلك فقد استخدمها النازيون في البحث عن مطلوبين، وهناك صورة شهيرة من سجن أبو غريب في العراق، إذ استخدمها جيش الاحتلال الأمريكي في تعذيب المعتقلين ونهش أجسادهم. وهذا ليس ذنب الكلاب، بل ذنب البشر الذين يسيئون استخدامها، فالشَّر ليس من طبيعة الكلب لكنه من طبيعة البشر.
الكلب الذي يعيش في فلسطين اسمه الكلب الكنعاني، وينسبه الاحتلال لنفسه مثل منتوجات فلسطين الأخرى، وهو كلب ذكي وسريع التعلم.
للكلاب لغتها، في حركة أجسادها وطريقة نباحها وحركة ذنَبها، ولهذا أتوقع إدخال موضوع لغة الجسد عند الكلاب إلى مناهج التدريس منذ الابتدائية لتقليص حالات سوء الفهم بين الناس وبينها قبيل نهاية القرن الحالي. بهذه المناسبة، أضم صوتي للأحرار الذين ينادون بوضع حدٍ لوحشية البشر بحق الكلاب، وللمجرمين أقول.. كل كلب بيجي يومه.
كل كلب بييجي يومه»!!
بقلم : سهيل كيوان ... 26.08.2021