أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
التنسيق الأمني هو السبب في تصفية ثورة36 !!
بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 09.03.2021

كنت أتهم اتفاقية أوسلو بأنها الأب الشرعي للتنسيق الأمني بين المخابرات الفلسطينية والمخابرات الإسرائيلية، وكنت أحسب أن هذا العمل الأمني الكريه هو إبداع للعقلية الإسرائيلية التي تعودت التآمر والتحايل، حتى وقفت على الحقيقة حين راجعت تاريخ فلسطين، فاكتشف أن التنسيق الأمني امتداد للمدرسة السياسية البريطانية، التي احتلت فلسطين، وتآمرت على شعبها، ونظمت لخدمة المشروع اليهودي مجموعة من القيادات العربية، التي أتقنت فن التنسيق الأمني مع الجيش البريطاني، بهدف سحق كل عربي فلسطيني يفكر بمقاومة الاستعمار البريطاني، وبالتالي معاقبة كل من حاول مواجهة عدوان العصابات اليهودية.
يقول لنا تاريخ فلسطين: بعد نجاح ثورة 1936 في فلسطين، الثورة التي أرهقت الاستعمار البريطاني، وأرهبت العصابات اليهودية، والتي استعصت على الكسر والاحتواء حتى النصف الثاني من عام 1938، حين لجأت بريطانيا العظمى إلى التآمر على الثورة الفلسطينية، فاقمت بتشكيل ما يسمى "فصائل السلام الفلسطينية"، والتي ضمت كل حاقد على ثورة 36، وكل المتضررين منها، أولئك الذين ارتبطت مصالهم مع الاحتلال البريطاني اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، والتحق بفصائل السلام الفلسطينية كل من وقع عليه عقاب الثورة خلال السنوات السابقة، وكل من ارتبط بالعصابات اليهودية.
كانت فكرة الجنرال البريطاني تشارلز تيغارت بتمويل وتسليح فصائل السلام الفلسطينية أسبق من فكرة الجنرال الأمريكي دايتون، الذي عمل في رام الله على صناعة الفلسطيني الجديد، فقد تمكن الجنرال تشارلز قبل سبعين عاما ًمن إيجاد منظومةٍ شبه متكاملةٍ من المتعاونين لأجل القضاء على ثورة 36، وذلك بإنشاء مراكز عسكريةٍ للشرطة في المدن الرئيسية، وعلى الطرق، وفي المناطق الحدودية، وقد أطلق على تلك المناطق اسم "المقاطعة"، وكانت تشكل قلاعًا وحصونًا تحمي البريطانيين من هجمات الثوار، وتحمي قادة فصائل السلام الفلسطينية.
لقد أشرف الجنرال تشارلز على تسليح "فصائل السلام"، وتوفير الغطاء الأمني والإمداد العسكري لمواجهة فصائل الثورة والمنتسبين لها، وهذا ما قام الجنرال الأمريكي دايتون بعد سبعين سنة، حين وفر الدعم المالي والعسكري لمنتسبي أجهزة الأمن، لقد نجح الجنرال البريطاني تشارلز في التحصن خلف فصائل السلام، وتمكن من خلق عدوٍ جديدٍ للثوار يسهل عليه مواجهتها وملاحقتها باسم السلام، وباسم الاتفاقيات الموقعة، وهذا العدو الجديد للثورة موجود داخل البيت، وهو جزء من البلد، ويعرف أهلها، ويعرف مكامن ضعف الثوار، ويعرف كيف ينقض عليهم، ويهاجمهم باسم المصلحة الوطنية العليا، ومستقبل القضية الذي يفرض على الجميع التوجه نحو السلام، وتجنب التهلكة، فاليد التي لا تقدر عليها بوسها.
فصائل السلام الفلسطينية وفرت الهدوء للمستعمر البريطاني، وأعطت الأمن للعصابات اليهودية لتواصل اغتصابها لأرض فلسطين، ومع الدعم البريطاني، تمكنت فصائل السلام الفلسطينية من ملاحقة الثوار في بيوتهم، وقامت باغتيالهم، وبلغ التنسيق الأمني مستوى متقدماً، حيث رافق مجندو فصائل السلام الدوريات البريطانية في اقتحام القرى الفلسطينية، وشاركوا في محاصرتها وتجويع أهلها، وكان مجندو فصائل السلام الفلسطينية يضعون على رؤوسهم أكياسًا تغطي وجهوهم، ولا يظهر منها إلا عيونهم، ليتعرفوا على المشاركين في الثورة ويتم اعتقالهم ومحاكمتهم وإعدامهم.
فهل اختلفت مهمة فصائل السلام الفلسطينية قبل سبعين عاماً عن مهمة فصائل السلام في زمن أوسلو؟ وإذا كان طرد الفلسطينيين من ديارهم، وقيام دولة إسرائيل أولى نتائج فعل فصائل السلام الفلسطينية، فماذا ستكون نتائج فعل فصائل التنسيق الأمني زمن اتفاقية أوسلو؟

1