ظل الفلسطينيون يرفضون المفاوضات مع إسرائيل، ويطالبون بتحرير أرضهم من البحر إلى النهر، وعودة اللاجئين إل ديارهم التي هجروا منها، وظلت إسرائيل طوال سنوات الثورة الفلسطينية ترجو المفاوضات المباشرة مع العرب بشكل عام، ومع الفلسطينيين بشكل خاص.
سنوات عبرت على الضعف الإسرائيلي واللهاث خلف المفاوضات، تم استثمارها في العمل على فرض حقائق جديدة على الأرض، وفي المقابل عبرت سنوات من الرفض الفلسطيني والعربي للمفاوضات مع إسرائيل، ولكن دون إعداد جدي لتحرير الأرض العربية، حتى فجعت هزيمة 67 الأمة العربية بنتائجها، ومع ذلك صدرت مقررات مؤتمر الخرطوم بعد عدة أشهر برفض السلام مع إسرائيل، ورفض الاعتراف بها، ورفض التفاوض معها.
وظلت إسرائيل تنشد السلام، وظل العرب يشترطون ذلك بعودة اللاجئين إلى ديارهم، وظلت إسرائيل تنشد الاعتراف العربي بها، وظل العرب يشترطون ذلك بالانسحاب إلى خطوط هدنة 48، وظلت إسرائيل ترجو التفاوض المباشر، وظل العرب يرفضون، ويتأففون من لقاء مغتصب أرضهم، وقاتل أطفالهم حتى سنة 79، حين وقعت أول دولة عربية اتفاقية سلام مع الإسرائيليين، واعترفت بدولتهم، وذلك بعد مفاوضات مباشرة، لتتوالى بعد عشر سنوات ونيف توقيع اتفاقيات السلام مع إسرائيل، والاعتراف بها، والتفاوض معها، فكانت منظمة التحرير، ثم كانت الأردن، وبعد عشرات السنين التحقت الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.
نبش الماضي لا يهدف إلى التذكير بالعلاقة العدائية والتفاوضية مع الإسرائيليين، وإنما يهدف إلى مناقشة فحوى اللقاء الفلسطيني المصري الأردني الذي عقد في القاهرة بمشاركة وزراء الخارجية، والذي ناقش سبل دفع الأطراف المعنية للانخراط فى العملية السلمية، بناء على مقررات الشرعية الدولية ذات العلاقة، وآخرها القرار 2334، ومبادرة السلام العربية، كمرجعيات معتمدة للتفاوض، باعتبار التفاوض هو السبيل الوحيد لإحلال السلام.
فعن أي سلام يتحدث وزراء خارجية الأردن ومصر وفلسطين؟ ألم يتعلموا من تجاربهم المريرة مع الاحتلال الإسرائيلي؟ ألم يوجعهم تجاهل إسرائيل لمبادرة السلام العربية عشرين عاماً؟ ألم يفرض عليهم تهويد القدس إعادة التفكير بمفهوم السلام؟ ولماذا ضيق الوزراء العرب على أنفسهم متسعاً، واعتبروا التفاوض هو السبيل الوحيد لإحلال السلام؟ وهل كانت إسرائيل غافلة عن مصالحها كل تلك السنين، ليأتي اليوم من يذكرها بمقررات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية؟ وهل مجرد الدعوة للانخراط بالعملية السلمية سيربك المشهد الإسرائيلي، وسيجبر إسرائيل على التوجه فوراً إلى مفاوضات تلزمها بالانسحاب، والتخلي عن ضم الضفة الغربية، والتخلي عن السيادة على غور الأردن، ومن ثم تفكيك المستوطنات؟
لقد صارت إسرائيل قوية بمقدار ما ضعف العرب، وقد تعززت إسرائيل وتمنعت بمقدار ما تذلل لها العرب، وهي اليوم ليست بحاجة إلى السلام مع الفلسطينيين، ولاسيما بعد تراجع العرب عن مبادرتهم للسلام، وبدأوا مرحلة التطبيع مع إسرائيل، دون اشتراط ذلك بالحل العادل للقضية الفلسطينية، ولم تعد إسرائيل بحاجة إلى اعتراف منظمة التحرير، فقد اعترفت بها عديد الدول العربية، والحبل على الجرار، ولا حاجة لإسرائيل لأن تعود إلى مفاوضات عبثية، هجرتها، وتجاهلتها منذ سنة 2014
حين كانت إسرائيل ضعيفة، وبحاجة إلى الاعتراف العربي والدولي، لهثت خلف الفلسطينيين تستحثهم على المفاوضات، وحين صارت إسرائيل قوية، لهث وزراء خارجية مصر والأردن وفلسطين في بيانهم على حث إسرائيل على الجلوس والتفاوض من أجل التوصل لتسوية نهائية على أساس حل الدولتين، وهذا ما رفضته إسرائيل في زمن الرئيس ترمب، وهذا ما سترفضه أيضاً في زمن الرئيس بايدن، وستذهب الدعوة العربية للمفاوضات أدراج الرياح، ما لم يقدم الفلسطينيون تنازلات جوهرية، وأقلها الاعتراف بيهودية الدولة، فالشواهد تقول: إن السلام الذي عجزت حكومة أوباما عن تحقيقه طوال ثماني سنوات، ستعجز عن تحقيقه حكومة بايدن.
مثل عربي يقول: ما أشقى الذي يكب قربته على هوى السحاب! وهذا هو حال من يحلم بتحرير فلسطين على يد الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن.
من حق العودة إلى عودة المفاوضات!!
بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 22.12.2020