لقد قيل المُصطَنـعُ مِنَ الـوِدَّ تَفضَحُـهُ الشـدَّائِـدُ, لان التصنع يفقدك أشياء كثيرة أولها نفسك,لقد بتنا نلمس في مجتمعاتنا مشاكل نفسية جمة من اصطناع لعلاقات عابرة تشعرك بالنفاق وأنك كنت مجرد جسر للعبور, وعلاقات أسرية زوجية قائمة على لعب أدوار رخيصة ولت فيها المودة والرحمة والسكينة تاركة المجال للمعارك والمناوشات, تبدأ بالمعارك وتتوقد بتراشق الكلمات وتنتهي بالضرب وقد تصل في بعض الأحيان أن تسيل الدماء وتنتهي باعتذار رقيق, هكذا للأسف حال كثير من البيوت المبتلاة بالعنف تمضي بين كر وفر, بين رجل اعتاد أن يضرب واعتبره جزءا من تكوينه كرجل وبين امرأة تتستر وتحتميبأبناء يشاهدون القسوة والضرب والعدوانوبين تبريريات غطاءها ذرائع عديدة ولا فائز في النهاية.
تعددت القصص والتعنيف واحد , يعد العنف ضد المرأة من أكثر القضايا انتشارًا في وطننا العربي بشكل عام على الرغم من أن ديننا الإسلامي لم يدعُ الرجال إلى ضرب أزواجهن بشكل مهين أو عنيف على الإطلاق, المعضلة الكبرى في توغل تفاصيل الضرب قد يبدو أنه لا يتراجع أمام مستوي تعليمي أو منصب وظيفي فهو حاضر في أسر كثيرة لا تعرف لغة الحوار, حتى ولو اختلفت الأدوات والمبررات والتي يقرر المتورطون في ضرب زوجاتهم بأنها تكون واهية في حالات كثيرة, فقد تسمع بعضهم يؤكد بأنه يندم بعد كل مره يضرب فيها زوجته ويهينها لمجرد أنها تعارضه في بعض الأمور الخاصة بالبيت فيفقد أعصابه وينسي ندمه على ضربها فيكرر فعله بأي شيء يجده أمامه, وعندما لا يجد يستخدم يده ليبرز رجولته للجيران ولمحيطة بأنه المسيطر, حالات العنف والضرب والإهانة دعت بعض النساء لرفع شعار " ضرب بضرب والبادئ أظلم " لمواجهة أزواجهن من دون الحاجة الى فتوى أو نصيحة تبرر ذلك, لانهم يتعرضون للضرب والشتم والإهانة المتواصلة بدون رحمة ولا احترام وبلا كرامة, حتى وصل الحال بالبعض أن يضرب زوجته ويحدث لها أصابات في مكان عام أمام الناس على أثر مشادة كلامية, ولا تقتصر التوابع السلبية للعنف بين الأزواج عليهما فقط إنما تمتد الى الابناء الذين يدفعون ثمن الوحشية غاليا وهو ما يظهر بعد ذلك في سلوكياتهم وشخصياتهم العدوانية وتظهر عليهم الأمراض النفسية التي تؤثر بالسلب على حياتهم, لان منظر الاعتداء على الأم أمام أطفالها يؤثر على نفسياتهم ويشعرهم بالنقص ويصيبهم بالعقد الكبيرة لان الأم رمز السلطة لدية وبالتالي ينشأ على عدم احترام السلطات الأخرى في المجتمع خصوصا سلطة القانون, للأسف بتنا نشاهد قصص حقيقة تشعرنا يوميا بأن أزمة كورونا لم تعلمنا دروس وعبر وأهمها عدم احترام الادمي وعدم احترام حقوقه المكفولة وعدم احترام الود والعشرة حتى في البيت الواحد بين الأزواج بل أتت كورونا وعرت بيوتنا المستورة, فلقد صدق المثل الشعبي حينما قال " الي بقول لمرته يا عورة كل الناس إبتلعب بيها الكورة", وهذا المثل يقال حينما لا يحترم الرجل زوجته ويهينها أمام الناس فان الناس سيتقاذفونها بألسنتهم كالكره لأنه لا يوجد من يدافع عنها ولأن أولى الناس بالدفاع عنها يهاجمها .
ويشير الاخصائيين في علم النفس أن هناك أسباب عديدة تدفع الرجل أن يؤذي زوجته ويعنفها أولها بعض الثقافات الذكورية التي ينشأ عليها فمنذ الليلة الأولى التي يتزوج بها توصية أمه وأهله أن يقطع رأس القط لتعويد المرأة على الخضوع للرجل ويرجع ذلك الي سببين:أولهما اجتماعي خوف الأم من أن تكون شخصية زوجة أبنها أقوي من شخصيته فتتغلب عليه وتصبح الآمرة الناهية والمسيطرة وفي هذا السلوك إهانة للعائلة لا سيما في المجتمعات الذكورية التي تعطي الرجل الحق في تأديب الزوجة على أساس أنها بحاجة لتأديب واصلاح وتقويم وحفاظا أيضا على سمعته الذكورية, والسبب الأخر نفسي: وهو رفض الأم اللاوعي أن تعامل كنتها معاملة لم تحظ بها من قبل زوجها فتريد أن تذوقها ما ذاقتة من مرار وألم ووجع وحرمان وعنف واذلال بغية الشعور بالمساواة بها بالظلم والضعف والتنمر, لذلك نجدها تدفع بأبنها وتوصية بضربها لتنتقم لنفسها الضعيفة فتحول ابنها لمريض متوحش غير مبال بأي مسؤولية منعدم الإنسانية, وتحول حياته الى حياة ينعدم فيها المفهوم السامي للمعني إنما سيكون مسكن يضم أفراد مضطربين نفسيا يتعذبون وأمراه مسحوقة تتألم وتصرخ وقد تسقط ألمها النفسي على أطفالها بلا رحمه.
لقد قامت العلاقة الزوجية في جميع الديانات السماوية على المودة والسكينة يسكن فيها كل زوج الى زوجه , الا ان البعص سولت له نفسه قطع الرابط المقدس بينهما، واستباحة قدسيته، وبدلاً من الإبقاء على الزواج بالمعروف، أو التسريح بإحسان، اختاروا قتل الشريك بأبشع الصور، دون رحمة أو شفقة، فبعض الوقائع بدافع "الشك" والبعض الأخر أججته "نار الخيانة"، وغيرها من الأسباب تافهة لا تستدعي إزهاق أي روح لكنها كلفت "شريك العمر" حياته, تعددت جرائم العنف والتي تكون ضحيتها المرأة والأطفال في نهاية المطاف ففي مقطع فيديو شاهدناه عبر وسائل التواصل الاجتماعي يدمي القلوب والعيون حرقة يظهر فيه الزوج الهندي وهو يضرب ويركل زوجته أمام أبنائها وأمام عامة الناس بلا رحمة ولم يستطيعوا منعه من ضربها لأنه كان غائبا عن الوعي تحت تأثير الخمر وظلت الزوجة الضحية تبكي وتصرخ دون أي جدوي أو مغيث بينما الزوج يواصل الصفع والركل واللكمات على أنحاء جسدها, ورجل أخر يقتل زوجته لأنها حملت منه دون استئذانه فظل يضربها بعصا غليظة حتى لفظت أنفاسها الأخيرة, وقصة امرأة قتلت بطعنات متفرقة وتبين ان الزوجة قتلت بسبب الخلاف على مصروف البيت,وامرأة أخرىرفضت أن تعطي زوجها مبلغاً من النقود من حسابها وثم قام بصفعها و شتمها بألفاظ نابيه أمام الموظفين والمواطنين, أي علاقة زوجية تلك التي تقوم على القتل والنهش والضرب والإهانة والتملق أمام الناس بأنه رجل ديمقراطي فرفوش محب للحياة وهو يلبس ويبدل أقنعة شيطانية متلونة كل يوم, فليكن سلوكك كما لو كنت عشر من الأعين تحدق فيك وعشر من الأيدي تشير إليك, لان الحياة لا تصلح ان استهلها الرجل بقراءة حقوقه على زوجته وبدأتها المرأة بمطالعة حقوق الزوجة من زوجها, بل يجب أن نتعلم فن العلاقات لان في بعض الاحيان كل ما نريده هو التقدير فقط وليس رد الجميل, فكن جميل الود تنعم وتسلم.
الْوُدّ الْمُصْطَنَع . . . !
بقلم : د.نيرمين ماجد البورنو ... 10.06.2020