منذ سنين وانا اكتب عن فلسطين ومنذ ان وعيت على هذه الدنيا ووالدي والدتي يحدثانني عن النكبه وسنة الكسرَّه ولطالما رددت والدتي مصطلح الكَّسره المتعارف عليه شعبيا بنكبة فلسطين وظليت طويلا اسمع تواريخ واحاديث ماقبل عام الكسره وما بعده واحاديث والدتي عن اهلها الذين شردوا عام 1948, واستمعت كثيرا لوالدي وهو يلعن الانجليز ويحدثني عن فلسطين قبل الكسرَّه وبعدها الا انه حدثني يوما من الايام عن جمال مدينتي يافا وحيفا وكيف كانتا يعجا بالحياة الفلسطينيه وكيف انه زار عكا بعد النكبه فوجدها مدينة منكوبه ومسخوطه حسب وصفه, حيث لم يبقى من فلسطيني عكا الا القليل واحتل الصهاينه عكا وبيوت عكا العربيه التي ما زالت شاهده على النكبه بعد ثلاثه وستون عاما من جريمة احتلال فلسطين وطرد شعبها الفلسطيني واقامة كيان غاصب وعنصري على ارض فلسطين ووطن الشعب الفلسطيني الذي اصبحت اكثريته لاجئين في مخيمات اللجوء وما زالو ينتظرون جيل بعد جيل العوده الى فلسطين... تحية العوده وتحيه الوطن لكل فلسطيني وفلسطينيه اينما كان وطنا ومهجرا...ما ضاع حق ووراءه مطالب ونحن لها جيل بعد جيل.. في فلسطين تعرضنا لقِمة التحدي وعلى ارض فلسطين وخارجها كانت قمة المقاومه والتصدي..ما زالوا هنا وهناك في الوطن والمهجر وقلبهم ينبض في فلسطين...فلسطين حق فلسطيني لا تمحاه السنين وسيعود ولو بعد حين... باطل اسرائيل وحق فلسطين!!
ثلاثة وستون عاما ولا زال الجرح الفلسطيني ينزف, لكن هذا الجرح منبع ومصدر قوة الحق الفلسطيني حيث ما زالت اثار النكبه قائمه وحيه تتجلى في كل قرية ومدينة فلسطينيه حيث اكوام الحجاره وشجر الصبار واشجار التين والزيتون والبيوت العتيقه والمساجد ومأذنها الصامته منذعام 1948 والمقابر المهجوره والمتروكه منذ ذلك العام المشؤوم والحقيقه ان لكل مكان وقرية ومدينه ودار فلسطينيه قصة في قلب فلسطيني ظن الغاصبون انهم هدموا الدار واحتلوا المكان واسدلوا على القضيه الستار... التاريخ الفلسطيني شاهد لايموت.. اطلال يافا وحيفا العربيه واسوارعكا ومساجد وكنائس اللد والرمله وبئر السبع وعسقلان التي حوَّل اكثريتها الاسرائيليون الى متاحف وخمارات وحتى المقابر وعظام الاموات لم تسلم من الة الدمار والاحلال الاسرائيليه.... على مقابر الفلسطينيون وعظام الموتي يُقيم الاسرائيليون اليوم منتزهات وبيوت للمستوطنين الجدد وفي القدس يريدون هدم حي سلوان التاريخي وحي البستانَ!... راهنت الصهيونيه على الزمن وعلى نسيان الفلسطيني فلسطين وهاهي تخسر الرهان عام بعد عام!!
نعم راهنت الصهيونيه والامبرياليه الغربيه على منطق القوه والغطرسه والاحلال والاحتلال وما جرى عام 1948 لم يحدث في التاريخ الحديث لشعب اخر غير الشعب الفلسطيني, ولم يحدث ان أُقتلع شعب كامل من مدنه وقراه العامره باهلها والمليئه بالحياه, ويزج به الى المنافي والتشرد لاحلال شعب اخر مستورد مكانه, ولكن رهان الصهيونية وحلفاءها لم يكن صائبا لابل خائبا, واخطأ من ظن ان فلسطين والشعب الفلسطيني سينسى وطنه وارضه بمجرد تشريده وطرده والتصديق على هذا الاجرام بجرة قلم امبرياليه في هيئة امم امبرياليه ومجرمه منحت من لا حق له حقا باطلا وسلبت من من له حقا بباطلا ظالما وغاشما حوَّل بين ليلة وضحاها شعب امن في وطنه الى مشرد ولاجئ ليحل مكانه كيان و لمم اممي قامت الامبرياليه وهيئاتها المجرمه بدعمه بالمال والسلاح حتى يُنفذ جريمة القرن بطرد شعب كامل من وطنه واحلال لمم وكيان اخر مكانه, الا انه في المقابل لم يكن ولن يكن الفلسطيني لقمة صائغه لمن راهنوا على قوة اسرائيل العسكريه ولم ولن يكن الامر بهذه السهوله لمن راهنوا ايضا على الزمن في تواصل واستمرارية عملية سلب الارض الفلسطينيه وقهر الشعب الفلسطيني, حيث اثبت الزمن وطول المده والامد ان ثقافة الارض والوطن عالية الجوده بين الفلسطينيين ومتينة متن الصخور,و العزيمه والاصرار الفلسطيني ما زالت قويه وتُقاوم وستُقاوم سياسة الارهاب و البلدوزر والجرافه الاسرائيليه التي كانت وما زالت تصبو لاقتلاع الانسان الفلسطيني من ارضه والزج به اما لخارج الوطن الفلسطيني والشتات,او الى داخل محميات رُقع جغرافيه ضيقه تتحكم بوجودها وحياتها اسرائيل داخل مناطق فلسطين التاريخيه!!
من هنا وفي طيات عالمنا المتجدد تتجلى عام بعد عام افاق وابعاد المأساه الفلسطينيه اللتي لم يعي الكثيرون من بيننا لعُمقها الانساني والتاريخي الا بعد حين او بعد عقود من التعتيم والتضليل الاعلامي الذي رافق فتره مابعد احداث كارثة "نكبة"عام 1948 اللتي بلغت من العمر نصف 63 عاما طوت في طياته احداث كثيره وتطورات كثيره على صعيد القضيه الفلسطينيه المتجدده والمتصاعده في الوعي والوجدان الفلسطيني والعربي, وقد تسقط جدران البيوت الايله للسقوط في حيفا وعكا ويافا بعد ان هجرها اهلها قسرا, ولكن حيفا ويافا ومئات المدن والقرى الفلسطينيه لم تسقط من قلوب واذهان الفلسطينين جيل بعد جيل , اينما كانوا واينما تواجدوا حيث تغنَّى الفلسطيني بمدينته وبقريته ومسقط راس اباه وامه واجداده دون ان يراها حيه امام عيناه, فاحيَّاها في القلب جيل بعد جيل وروح بعد روح ليصير للفلسطيني وطن يعيش فيه وفي عمق وجدانه اينما حل وذهب ..
ثلاثه وستون وعاما والامل ما زال يحدو الفلسطيني بعد غروب وشروق عام اخر ان يعود الى الوطن ويعود الوطن اليه في حلم وواقع مرير يجعل من من تقدمت به السنين وهو لاجئا ان يدعوا لله ان يمد في عمره حتى يرى فلسطين وقريته ومدينته, وان لم يمكن التمديد ويقترب الاجل يوصي ان يحملوه رفاتا من قبر اللجوء الى قبرجنة الوطن, وان لم يمكن هذا او ذاك فحفنة تراب من فلسطين تُرش على قبره تكفي!.. فيهُم من طُبعت قريته ومدينته في ذهنه وعقله خارطة ثابته: شارع وحارة وعائلة واشارة بالتفصيل رغم طول وعرض تفاصيل السنين الطويله التي قضى فيها من قضى وولد فيها من ولد, ولكن فلسطين الاسطوره والوطن قد ولدت وتوالدت وتكاثرت في الذهن الفلسطيني اضعاف اضعاف مما هي عليه في الحقيقه والواقع وذلك بعد ثلاثه وستون عاما من ام الكوارث الفلسطينيه, وتداخلت وما زالت تتداخل الامور في مخيلة الفلسطيني اللاجئ الذي راى فلسطين فقط في عيون واحاديث من طبعُوا في وجدانه صورة فلسطين الجنة على الارض,بمدنها وقراها وبجبالها وسهولها وبحارها وصحاريها وتربتها ومزارعها و بياراتها وفي ادق التفاصيل الذي طبعها اللاجئ الفلسطيني في ذهن مابعده من نسل فلسطيني تكاثر منذ العام 1948 وحتى يومنا هذا اضعا ف الاضعاف, فصار اليوم عدد الشعب الفلسطيني وطنا ومهجرا بالملايين المليانه, فانه من المتوقع أن يتساوى عدد الفلسطينيين واليهود ما بين النهر والبحر بحلول عام2016 ",, و هنالك توقعات شبه اكيده بتساوى عدد الفلسطينيين واليهود في فلسطين التاريخية بحلول عام 2016 وذلك في ظل الواقع الحالي على الارض ودون الاخذ بالحسبان حساب عدد اللاجئين الفلسطينيين في الخارج, مما يعني وفي حال تحقق حق العودة الفلسطيني بانه سيكون الفارق في الأعداد كبيرا لصالح الفلسطينيين, والاكثريه الساحقه في فلسطين ستكون فلسطينيين... احقاق الحق واعادة الامور الى نصابها في فلسطين ولو بعد حين ..!
لم ينسى الفلسطينيون وطنهم ولم يغرقوا في بحار اللجوء والغربه ويموتون وينسون كما تمنى عتاة الصهاينه, والواقع اليوم اثبت ان فلسطين في الذهن والذاكره الفلسطينيه باقيه ما بقي التاريخ لابل ان فلسطين هي الحلم المزروع في رحم الارض وافق السماء,, واسرائيل تلك الدوله التي انشأت كيانها على ارض فلسطين في طريقها الى خسارة رهانها على عامل الزمن والنسيان, وهاهُم الفلسطينيون بعد ثلاثه و ستون عاما على النكبه قد شيَّدوا حلمهم وعزيمتهم في قلوب كلها ايمان وعزم على ان الظلم ماضي والحق باقي!!..والفلسطينيون وطنا ومهجرا انجبوا البقاء وملايين من فرسان العوده الذين سيسيرون نحو فلسطين في تاريخ الخامس عشر من هذا الشهر..شهر النكبه...وعندما شرد الغاصبون والمحتلون شعبنا من قراه ومدنه وارضه العامره بالحياه والحيويه ظنوا خاطئين اننا انتهينا وانتهى اسم فلسطين و كما قالت غولدا مئير انذاك ""ان جيل النكبه سيموت في المنافي والمخيمات والاجيال القادمه ستنسى فلسطين",,. ولم تغرق غزه في البحر كما تمنى رابين ولم تحقق المجازر الصهيونيه اهدافها لا على مخيمات اللجوء في الخارج ولا في داخل الوطن الفلسطيني, وخاب ظن مئير وشارون ورابين واولمرت ونتانياهو واسراب المجرمين بحق الشعب الفلسطيني, حيث سطر الفلسطينيون بالدم واللحم وقوافل من المناضلين والشهداء, اروع ملاحم الوطنيه والانسانيه لتتواصل وتتعاقب الاجيال الفلسطينيه وطنا ومهجرا في الاصرار على تجسيد وتحقيق الحلم الفلسطيني, وهكذا حفر الفلسطينيون وزرعوا في عقول واذهان ابناءهم وبناتهم واحفادهم صور حية لاتموت عن فلسطين وعن قراهم ومدنهم ومضاربهم اللتي شردتهم منها الصهيونيه والقوى الامبرياليه القذره وعلى راسها مايسمى حتى اليوم ب"هيئة الامم المتحده", لابل ان الفلسطينيون لايبحثون اليوم عن الفردوس المفقود فقط لابل يعيشونه في قلوبهم وحنينهم الجارف وحبهم لوطنهم الذي شيَّدَ في كيان ومقومات النفسيه الفلسطينيه حلم لا يموت و دولة واسعه وشاسعه من الحب لفلسطين في قلب كل فلسطيني سقفها في افق السماء واساسها وجذورها في رحم الارض الفلسطينيه... حلم لايموت واصرار هائل تتلاقفه الاجيال الفلسطينيه بحتمية عودة فلسطين وعودة الحق الفلسطيني وعودة الخيول الفلسطينيه الى مرابطها وعودة اهل يافا وحيفا والرمله وكفر برعم وصفوريا واللجون وعسقلان وبئر السبع واسدود وصفد ومئات المدن والقرى الفلسطينيه المهجره,, عودتهم الى بلادهم السليبه... ولن يفت احدا في عضد اصرار الشعب الفلسطيني على البقاء والعوده ..الفلسطينيون اكبر بكثير من صغائر ما يبثه الاعلام المغرض وهم يرون فلسطين بكبرها وكبرياءها وتاريخها الخالد والمناضل...يرونها ويعايشونها دولة عظمى في قلوبهم تستحق اكثر من تضحيه واكثر من مجرد تفاهة مشاريع السياده المنقوصه بلا عوده!.... ولولا العوده وحق العوده وتشريد الشعب الفلسطيني لما كان اصلا هنالك ضروره لا للنكبه ولا حتى قضيه فلسطينيه نطلق عليها هذا الاسم!!.. القضيه الفلسطينيه جوهرا وشكلا هي اللاجئين وحق عودتهم والامور الاخرى ايضا مهمه ولكنها دون العوده لا شئ..وهاهم اليوم يحشدون ليوم عودتهم عبر كل الوسائل الاعلاميه.....تحيه خاصه للشباب الفلسطيني والعربي الذين يقومون بحمله اعلاميه جباره لصالح مشروع العوده الى فلسطين!!
مرحى والف مرحى بشعبنا الزاحف الى وطنه نعم والف نعم لحق العوده والخزي والعار لكل من حاول التنازل عن هذا الحق المقدس... فلسطين القضيه وفلسطين الحلم هي قضية وجود ..نعم ان في فلسطين وخارجها شعب يدرك صعابها ويعرف شعابها, وهذا ما يغيظ احلاف واسراب الاعداء الذين تغيضهم ذاكرة الافق الشاسع والعمق الضارب جذوره في الارض الفلسطينيه!... في فلسطين يدركون معنى الحياه ومعنى الحزن والفرح ويفرحون ويحزنون ويحبون ويكرهون ويصرون على الزغاريد في الافراح والاتراح واعراس العرسان والعرائس بشقيها الاحياء والشهداء.. كل شئ في فلسطين صار معلما من معالم الطريق من والى فلسطين....هُم ارادوها معوَّلا يهدم ويدمر,, ونحن حولنَّاها الى ورشة بناء وعي باهمية الوطن لابل اعدنا تشييد البيوت والطابون من طين وقش الارض الفلسطينيه في زمن تكالبت فيه علينا الصهيونيه والامبرياليه وعُربان واشنطن وجِراء زمن وكر شرم الشيخ الساقط والهالك .. مبارك المتأمر على غزه وفلسطين وراء القضبان وفلسطين حق باقي.. حقا واقف كالجبال الشامخه... حق العوده.. حتما ستعود الطيور المهاجره وسيعود النورس والسنونو الفلسطيني الى اعشاشه والى شواطئه يحلق في افق الوطن كيفما شاء ومتى اراد.. انه الحلم الفلسطيني الضارب جذوره في الارض والسماء... تحيه للشعوب العربيه الثائره و تحية للشعب الفلسطيني والعربي في كل مكان ووطنا ومهجرا... الغيوم تملأ السماء والسحاب يسير,,, ولا بد للغيث ان يهطُل...عاجلا ام اجلا,,.. فصبرا يا صبرنا وصبارنا وشعبنا.. كل شئ يتغير في محيطنا العربي الذي كان اسير في يد العملاء.. وها نحن نستبشر خيرا بمصر الكبيره.. وبالعرب والعروبه في كل مكان.. وكما في كل عام يحضرني دوما صورة اللاجئين الفلسطينيون عام 1948 الذين حملوا معهم مفتاح الدار على امل العوده ولم يتمكنوا من العوده بسبب وفاتهم في المهجر ..الى هؤلاء وكامل الشعب الفلسطيني تحيه وطنيه خاصه اينما كان موجودا وطنا ومهجرا والرحمة كل الرحمة على من سقطوا من شهداء على مدى اكثر من قرن من النضال الفلسطيني والرحمه ايضا على من وافتهُم المنيه من فلسطينيين في المنافي دون تحقيق حلمهم بالعوده الى وطنهم.. لهم نقول انكم زرعتم حب فلسطين في الاجيال الفلسطينيه وطنا ومهجرا وانجبتُم البقاء وملايين من فرسان العوده..ابناء وبنات فلسطين والعرب والعروبه.. وحياكم الله وطنا ومهجرا ومرحى والف مرحى بمسيرات العوده الى فلسطين..فلسطين وطن الشعب الفلسطيني الى ابد الابدين وعبر الزمن والسنين!!
النكبه والعوده:فلسطين وطن الشعب الفلسطيني الى أبد الابدين!!
بقلم : د.شكري الهزَّيل ... 14.05.2020
*أرشيف الديار..من كتابات الدكتور شكري الهزَّيل..2011