من بعيد، لا يوجد أي رابط بين العمل البطولي المقاوم في الضفة الغربية، وبين توصية مجلس النواب الأردني للحكومة بسحب السفير الأردني من إسرائيل، وطرد السفير الاسرائيلي من عمان، واتخاذ الاجراءات اللازمة لمواجهة الاعتداءات الاسرائيلية المستمرة على المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس المحتلة.
أما من قريب، فإن العلاقة وثيقة بين موقف مجلس النواب الأردني وبين البطولة الفذة التي أظهرها المقاوم الذي زلزل نظرية الأمن الإسرائيلي، وكشف حقيقة الجندي الذي كان لا يهزم حين هزمت الجيوش العربية، فإذا به يهزم، ويفر بسلاحه، حين دخل عليهم الباب شاب فلسطيني يحمل سكيناً، وإرادة شعب يرفض التخلي عن حقوقه التاريخية بأرضة المقدسة.
لقد خطف العمل الفلسطيني المقاوم ضد الجنود الصهاينة المسلحين قلوب وعقول الشعب الفلسطيني كله، وسكنت هذه البطولة الشامخة وجدان كل الشعب العربي، وتربع هذا الفعل المقاوم على طاولة مجلس النواب الأردني، حتى صار بشكل غير مباشر ملح المناقشة لأوضاع الأردن، وشعبها العربي الذي يحيا ويموت لما يجري في الأراضي العربية المحتلة.
لقد تحدث رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة بلسان كل عربي، وبلسان البطل المقاوم عمر أبو ليلى، حين أشار الطراونة إلى أن اتفاقية وادي عربة "شقيقة اتفاقية أوسلو" منظورة حاليا امام اللجنة القانونية النيابية، فيما ستنظر لجنة الطاقة قريباً في موضوع "اتفاقية الغاز" مع اسرائيل لاتخاذ القرار المناسب بشأنها، فطالما استطاع شاب فلسطيني واحد أن يتحدى كل الجيش الإسرائيلي، ويحظى بتأييد وتعاطف الأمة كلها، فلماذا يكون مجلس النواب الأردني أقل رجولة وجرأة وشجاعة ومروءة ونخوة من الشاب الفلسطيني، وطالما استطاع شاب فلسطيني واحد أن يفعل كل هذا الوجع بالأمن الإسرائيلي، فماذا بمقدور ملايين الشباب في الأردن والضفة الغربية أن يفعلا بكل مقدرات إسرائيل ومصالحها ووجودها؟ فإذا اضيف إلى لوحة الفسيفساء العربية هذا مشاهد صاروخين أطلقا من غزة حتى تل أبيب، فإذا بنا أمام معادلة جديدة للصراع تفترض قرارات برلمانية جديدة تحاكي المستقبل، وعلى كافة المستويات.
وحتى نكون منصفين أكثر، فإننا لا نفصل موقف مجلس النواب الأردني الراقي عن التحولات الكبيرة التي تحدث في الوطن العربي، ولاسيما هذ الحراك العام الذي يجري في الجزائر، فمشاهد الشعب الجزائري الرائع الثائر الذي يفتش عن مستقبله، ويرتضي الديمقراطية حكماً لتبادل السلطات، هذه المشاهد الإبداعية التي فرضت نفسها على الساحات العربية عنواناً، وهي التي تمثلها رئيس مجلس النواب الأردني حين أصر قبل شهر على صدور بيان مقاطعة إسرائيل كما هو دون تغيير اثناء لقاء البرلمانيين العرب في الأردن.
مشاهد العز لهذا الأمة العربية تكمل بعضها بعضاً، وهي الرد الغريزي للدفاع عن النفس العربية أمام التغول الصهيوني، وهي الرد الديني العقائدي امام تهويد المقدسات الإسلامية، وهي الرد الوطني أمام تذويب الشخصية العربية على حساب بلورة الشخصية الإسرائيلية الزائفة.
ازعم أن مزيداً من عمليات المقاومة للمحتلين الصهاينة سترتد وجعاً في رأس السفير الأردني في تل أبيب، وستجلب طرداً للسفير الإسرائيلي من عمان؟
المقاومة، وطرد السفير الإسرائيلي من عمان!!
بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 19.03.2019