"منفذ عملية سلفيت اليوم، أطلق على الجنود الإسرائيليين النار على طريقة باسل الأعرج، اغتنم سلاحهم على طريقة عاصم البرغوثي، من مسافة صفر على طريقة أحمد جرار، اشتبك في "بركان" على طريقة أشرف نعالوه، أسعد قلوبنا على طريقة كل شهدائنا وفدائيينا".
هذا التوصيف الفلسطيني الرائع للعملية البطولة اختزل كل معانيها وأبعادها..ومع ذلك فلا بد لي من قول كلمتي.( رشاد)
أنا لا أعرف إلى أي تنظيم ينتمي بطل عملية ( سلفيت)، ولكنني فخور به، فهو فلسطيني، وانتماؤه لفلسطين يأتي قبل انتمائه لفصيل ما، وبطولته ليست معزولة عمّا قبلها، وهي امتداد، فهو ينتمي لسلالة من الأبطال الذين عرفتهم فلسطين في ثوراتها المتواصلة منذ حوالي مائة عام، والتي لها عنوان رئيس موجه للصهاينة الغزاة: لن تنتصروا، ولن تهنأوا باحتلال فلسطين، وسنقاتلكم بكل ما يتيسر لنا في معركتنا الممتدة معكم حتى تيأسوا، وتنهزموا، وتشهدوا خراب مشروعكم الذي لا مستقبل له على أرض فلسطين.
صدمة العدو لها سبب مخيف للاحتلال: الشجاعة التي تباغت جيش الاحتلال، وقياداته، والتي لا يمكن أن تنتهي بالقمع مهما بلغت قسوته.
جسارة ( الفلسطيني) الشاب، وهو ينقض من مسافر صفر بسكين، مباغتا عدوه، وهو جندي مدرّب، مدجج بالسلاح، وينتزع سلاحه، ثم يواصل اشتباكه فيقتل ويجرح، ويستحوذ على سيارة، ويغادر بلمح البرق..ويختفي في تضاريس أرضه، وبين شعبه.
ثورة الشعب الفلسطيني لا تخمد، رغم القمع، والحصار، وزج الألوف في المعتقلات الصهيونية، ورغم الدعم الأمريكي المعادي علنا للشعب الفلسطيني، والمنحاز تماما للكيان الصهيوني بما يسمى( صفقة العصر) – وما قبلها- التي تهدف لتصفية القضية الفلسطينية، وتحويل الشعب العربي الفلسطيني إلى ( سكّان) غرباء في وطنهم، و..إنهاء القضية الفلسطينية بالاستعانة بنظم حكم عربية مستتبعة ( تطبّع) تلبية لأوامر الإدارة الأمريكية، وهي بالأساس متآمرة على كل قضايا الأمة العربية ، وفي مقدمتها قضية فلسطين..التي ستبقى قضية ملايين العرب الأولى.
(ينام) الكيان الصهيوني على ما يحققه من دعم أمريكي متصاعد في زمن ترامب، وتطبيع الأنظمة التابعة، وحالة الانقسام الفلسطينية ( بين) القيادات المتصارعة على ( المغانم) و( الامتيازات)..ويوظّف هذه الفترة القاتمة في تحقيق نصر استراتيجي، ولكنه يباغت بروح المقاومة الفلسطينية المضطرمة التي تؤجج جمرها بطولات شباب فلسطين العنيد الواثق من انتصار قادم لا محالة.
هناك من يغطون عجزهم فلسطينيا، ويبررون بؤس حالهم بماض مقاوم، وهناك من يتخذون من مظاهر ( مقاومة) تتغطى بالشعارات مبررات للهيمنة والاستبداد..والطرفان يذبحان القضية، ويضعفانها، ويشتتان قوى شعبنا، وما حققه من حضور عالمي جعله منارة للشعوب المقاومة.
فرح شعبنا بهذه العملية البطولية الجسورة المقدامة المبهرة، لا يعود إلى ندرتها، فهي تأتي في سلسلة متواصلة من العمليات المتميزة، ولكن لأنها تأتي في حقبة مرّة مكئبة..فتشعل شمعة ..وشمعة كبيرة الضوء، فتملأ العيون نورا، وتسعد عيني فلسطيني المتطلعتين إلى أبنائها ..لا قيادات فصائل الصراعات والانقسام المُحبطة العاجزة.
هذه العملية نفذها شاب صغير العمر، لا يملك سلاحا، ولكنه يمتح من روح شعب فلسطين، من تراثه الثوري المقاوم، وهي تصنع شيئا كبيرا بدون إمكانات ..اللهم سوى ( سكين) صغير..وروح اقتحام صدمت الجندي الصهيوني وأفقدته القدرة على المواجهة، وأذهلت جنودا آخرين، ومستوطنين قتلة فرّوا أمام عاصفة فلسطينية عاتية بطلها فتى فلسطيني واحد..واحد فقط!
لا..لم تصدم عملية الفتى الفلسطيني الجسور الجندي المُحتل وحده، ولكن الجيش الذي درّبه، وأعدّه، وجهّزه بسلاح متفوّق..ولذا صدم جيشه، و( دولته) وقادة دولته بكافة ألوانهم، وهم جميعا صهاينة آثمون مُحتلون معتدون، لن يستيقظوا إلاّ مع ضربات مقاومة شعبنا، وبانتظار يقظة ملايين العرب بين المحيط والخليج بخروجهم على أنظمة العجز والتبعية والاستبداد.
هذه العملية الجسورة تقول للمطبعين المنحطين الخونة: فلسطين ليست ( لعبة) أيها الأنذال، فشعبها العريق في مقاومته كفيل بتأجيج نارها الدائمة، وهي نار ستبلغ كراسيكم مهما احتموا بنتنياهو وترامب.
يعرف شعبنا جيدا، ولا يحيد عن جوهر معرفته المتراكمة على امتداد عقود، بأن فلسطين تبقى حيّة بالمقاومة، وهو بهذه المقاومة يضرب رأس العدو الصهيوني الذي ظنّ أنه بخديعة ( أوسلو) سار حثيثا خطوات واسعة على طريق إنهاء قضية فلسطين، وتحقيق انتصاره التاريخي!
لا، المقاومة روح، ووعي، وإرادة، وهي لم توأد..ولن.
وعرب فلسطين سيبقون سيف الأمة ودرعها ويدها الضاربة..سيبقىون مرابطين مقاومين في فلسطين، وشعب فلسطين يعي دوره: طليعة نهوض الأمة، ولا نهضة للأمة إلاّ بتحرير فلسطين..هذا دوره، وهذا خياره، وهو ثابت على العهد منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا في العقد الثاني من القرن العشرين..وإلى أن تتحرر فلسطين بتمامها وكمالها.
صدمة جيش العدو..وفرحة للفلسطينيين!!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 19.03.2019