حتفل العالم في يوم مناهضة العنف ضد النساء، في الخامس والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني. ينظر مجتمعنا العربي عموما، والفلسطيني بشكل خاص إلى الرجل الذي يمنح زوجته حقها في حرية التعبير عن نفسها بأنه إمّعة وفاقد للسيطرة عليها، وهذا يظهر في مواقف كثيرة أذكر بعضها.
لباس المرأة يجب أن يكون ملائما لذوق رجلها، قد يكون الرجل متسامحا جدا مع ما ترتديه زوجته وربما يشجعها ويقتني لها الملابس لمدة قد تستمر سنوات، ولكنه فجأة قد ينتقل إلى قناعات فكرية أخرى تشمل اللباس، وإذا به يلح عليها بأن تستبدل ثيابها وتهمل ما سلف منها، وأن تنتقل إلى ما هو أكثر احتشاما، ويقف لها بالمرصاد في كل قطعة ترتديها، وإلى أين يجب أن تصل وماذا تخفي، وقد يصل الأمر إلى مضايقتها، ثم رفضها الظهور بصورة غريبة عما اعتاده الناس منها، وهذا سبب منتشر للمشاكل، خصوصا بين الأزواج الشباب، إذا ما حاول إرغامها، وهناك الكثير من هذه الحالات، عادة ما يحدث هذا نتيجة ضغط نفسي من المحيطين بالرجل، ولكن إذا انقلب الرجل، وعاد ليبراليا بعد مدة، خصوصا أثناء سفرهما في إجازة بعيدا عن البلدة إلى أوروبا مثلا، فهو يبادر ويطلب منها أن تتخفف وأن تعود إلى ملابسها الأوروبية، وهنا أيضا قد ترفض بعدما اقتنعت واعتادها الناس في الملابس المحتشمة، وهذا أيضا قد يكون سببا للمشاكل، وفي الحالتين، إذا لم تطعه سوف يفسّر الأمر لدى الناس بأنه فاقد للسيطرة عليها، لأن شخصيته ضعيفة، وعلى الأرجح أنه ضعيف في العلاقة الحميمة ولهذا فهي لا تطيعه، ومن هنا يصبح الطريق إلى العنف الجسدي قصيرا جدا، خصوصا في الحالة الأولى.
أما إذا عارضت المرأة موقفه السياسي، فيقال إنه لا يمون حتى على زوجته، ولهذا يشعر الرجل العربي بالحرج إذا كانت زوجته مخالفة لموقفه، خصوصا في الانتخابات المحلية والموقف منها، فالمرأة تجد صعوبة كبيرة في الاعتراض على موقف الزوج، وإذا لم تقتنع برأيه، فمن مصلحتها أن تسكت، لأن خلافها معه يعني أنه ضعيف، ليس في موقفه السياسي فقط، بل يعني أنه ضعيف في النواحي الأخرى المطلوبة من الزوج تجاه زوجته، ويفسّر موقفها على أنه استهتار بزوجها، ولو كان رجلا لما تجرّأت على موقف مخالف لموقفه، هذا ينسحب على جميع مناحي الحياة بينهما، فهي تفعل ما يريد ومثل الخاتم بأصبعه كلما كان أكثر فحولة.
قد تغامر الزوجة بالعلاقة كلها إذا ما أعلنت موقفها المعارض لموقف زوجها السياسي على الملأ، حتى لو كان زوجها مؤيّدا للصٍ معروف، وإذا ما قررت أن تصوّت ضد رغبته من وراء الستار، فيجب أن يكون هذا في غاية السرية والحذر من فضيحة. الرجل الذي يؤيّد توجّه زوجته السياسي يعتبر إمّعة، وبأنه «خاروف»، وأنها متحكّمة به، وهي التي جرّته، والتحليل هو بأنه لولا ضعفه في الأداء الرجولي في الأمور الأخرى وخصوصا الحميمة منها لما سحبته إلى موقفها.
أما الرجل الفذ أو المتفوّق في علمه أو عمله أو رياضته وحتى في السياسة فيوصف بأنه فحل، وقد يقترن معنى الرجولة لدى الكثيرين بحجم الخصيتين، فكلما كانت مواقفه أكثر حزما، أكدوا على أنه ذو (… كبيرتين)، ومصطلح (رجل مع….)، يعني أنه حازم ومتشدد في مواقفه، وعلى هذا القياس، فإن وزن (…) المهاتما غاندي محرر الهند قد يصل إلى نصف طن.
كثير من النساء يشعرن بقلق خفي على مستقبلهن مع الزوج، إذا كان الرجل أنشأ بيته قبل الزواج أو ورثه عن والده، هذا يعني بالنسبة لها بأنها لا تملك البيت الذي تعيش فيه، وقد تجد نفسها في يوم ما بلا مأوى إذا ما تطلقت مثلا، ولهذا فهي مستعدة لتحمّل الكثير من الأذى على أن تتطلق، لأن طلاقها يعني العودة إلى بيت ذويها، وستكون عالة عليهم، خصوصا إذا لم تكن صاحبة مهنة أو شهادة علمية تعتاش منها، ولهذا فالصبر على الزوج العنيف»بقدر معقول»، أفضل من مصير مجهول بالنسبة للكثيرات، ولكن هذا العنف قد يتفاقم مع الوقت.
تحتمي المرأة بأولادها وخصوصا الذكور منهم، فتقوم على خدمتهم بكل جوارحها من منطلق الأمومة والمشاعر أولا، ولكنها بهذا تضمن أمنا لمستقبلها حتى ولو لم تذكر ذلك صراحة، حتى أنها قد تمنع الرجل من القيام بمهام تتعلق بالأولاد أو بالمطبخ وقد تعرقلها، وتقول له»هذا مش شغلك»، وذلك خشية أن تفقد أهم قلاعها، وهي المطبخ والأطفال، لهذا، فهي تشعر بأمان أكثر على مستقبلها كلما أنجبت أكثر، وتُفضل أن يبقى زوجها جاهلا بأمور المطبخ.قد يملك الرجل متجرا يبيع فيه الغسالات والنشافات والجلايات والمكانس الكهربائية ويعلّم النساء اللاتي يقتنينها على استعمالها، ولكنه في بيته، يأنف من جمع الثياب ووضعها في الغسالة وتشغيلها، أو أن ينشّفها بالنشافة، أو أن يُدخل الأطباق القذرة إلى الجلاية، أو أن يَكنُس البيت، فهو اعتاد على أن هذا عمل الزوجة، وعندما تقصّر يوجّه لها أصبع الاتهام، الذي قد يصل إلى العنف الكلامي ثم الجسدي. أخيرا، ما زلنا نسمع بأن فلانا رجلٌ حقيقي، وعندما نتقصى الأمر، يتبين بأنه كاتم لصوت زوجته وبناته وشقيقاته ويسيطر عليهن بالقوة والترهيب وليس بالقناعة والتفاهم، هذه الرجولة التي يسميها البعض حقيقية، هي التي تنفجر بين حين وآخر على شكل مأساة وجريمة قتل بحق أنثى هنا وأخرى هناك.
عن الرجولة والفحولة!!
بقلم : سهيل كيوان ... 29.11.2018