لأن الصراع العربي الإسرائيلي عميق الجذور، فقد عجز كل رؤساء أمريكا عن تحقيق الحل، ولأن الصراع العربي الإسرائيلي عميق الجذور، فإن ما يظهر على سطح المفاوضات لا يناقش إلا مشاهد سيطرة العدو الإسرائيلي على الأرض العربية بالقوة العسكرية، في الوقت الذي يتجاهل عمق الصراع الإيديولوجي، القائم على الفكرة العقائدية، فكرة العودة اليهودية إلى أرض الأجداد، متجاهلين أجداد العرب الذين عمروا المكان وسكنوه آلاف السنين.
فكرة العودة إلى أرض الميعاد كما يزعم أحباء صهيون، رفضها العرب كافة من البداية، رغم المؤامرة ورغم الخيانة ورغم الضعف، فشدو رحال المقاومة إلى مراحل بعيدة عن اللحظة الراهنة، وهم ينظرون إلى الصراع على أرض فلسطين من منطلق الوجود أو عدم الوجود في المنطقة، وهذا ما يمارسه الصهاينة على أرض الواقع عملياً، وهم يفرضون وجوداً يهودياً عسكرياً واقتصادياً وعلمياً وتكنولوجياً يتناقض مع الوجود العربي، ويحرص على تقويضه.
ولأن الشعب العربي الفلسطيني يرفض أن يذوب أو يغيب، ويرفض التخلي عن حقوقه التاريخية بكل أرضه فلسطين رغم بطش الصهاينة، كان لا بد للرئيس الأمريكي ترامب أن يصطدم بهذه الحقيقة، وأن يعلن أن الصراع العربي الإسرائيلي أكثر تعقيداً مما زعم حين تولى الرئاسة الأمريكية، وأكثر تعقيداً مما زين له مستشاروه اليهود، وأوهموه بقدراتهم الخارقة على استثمار حالة الضعف والهوان العربي لحل هذا الصراع، وإغلاق هذا الملف المفتوح من عشرات السنين، ليكتشف اليوم الخدعة، ويصحو على واقع أعقد مما اطلع عليه من خلال التقارير.
اعتراف الرئيس الأمريكي ترامب بتعقيدات الصراع تشير إلى احتمالين:
1ـ السعي الأمريكي لمعاندة الواقع، وتشجيع العدو الإسرائيلي على فرض حقائق جديدة من خلال تشريع الاستيطان والسيطرة على مفارق الروح العربية، وغطرسة الاقتصادي الصهيوني في كافة المجالات، وهذا الاحتمال المكلف لأمريكا، غير مضمون النتائج، وهو مرشح للمفاجئات السياسية، ولمزيد من التصاعد العميق للعنف، رغم ما يبدو على سطح اللحظة من علاقات دبلوماسية مع بعض الدول العربية، وتنسيق أمني مع السلطة الفلسطينية.
2ـ اعتراف أمريكي ضمني بفشل صفقة القرن قبل أن تطرح، والاعتراف باستحالة تطبيقها على أرض الواقع، لذلك قرر ترامب أن ينقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، مستخفاً بردة فعل الجماهير العربية، ومستبقاً أي رفض فلسطيني أو عربي للخطة.
إن كشف الرئيس الأمريكي عن نيته عقد أكثر الصفقات إشكالاً لا يعني الرغبة بالنجاح، ولا يعني العمل الجاد على إنجاح الصفقة، وهذا ما مهد له ترامب حين اعترف بأن القضية الفلسطينية هي الأكثر تعقيداً في العالم، هذه الحقيقة التي أدركها ترامب وهو يسمع ويبصر فعل الملايين من أصحاب الأرض العربية الذي طردوا من ديارهم، وما زالوا لاجئين فلسطينيين ينتظرون ساعة الصفر للزحف عائدين إلى ديارهم التي صار اسمها دولة "إسرائيل"
لقد وضع ترامب حرف الشرط إذا، حين تحدث عن صهره كوشنير، فقال: إن كوشنير يقع في قلب المحادثات، ويعد خبيراً لا نظير له في عقد الصفقات، وإذا نجح سيكون ذلك إنجازاً هائلاً، وأمراً بالغ الأهمية بالنسبة لبلادنا.
ولكن الواقع يرد على ترامب، ويقول له: لن ينجح كوشنير في فرض حلول تصفية للقضية الفلسطينية، لأنه يهودي أمريكي ترعرع في مستوطنة يهودية غاصبة للأرض العربية، ولا يرى هذا اليهود بالعرب قيمة إنسانية أو حضارية أو تاريخية، وهذا مربط الفرس للفشل.
يموت الرؤساء ولا تموت فلسطين!!
بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 25.02.2018