اقتربت نهاية تنظيم الدولة الإسلامية في معاقله السورية، واقترب مع ذلك حسم الحرب لصالح النظام السوري وسط قلق دولي يكبر شيئا فشيئا. فالحسم يعني الدخول في مرحلة جديدة لا تبعث على التفاؤل، وفق بعض المراقبين، حيث ستختلط جهود إعادة إعمار البلد الذي تم تدميره بشكل كبير، مع محاولات دعم الاقتصاد المنهك ومتابعة وضعية حقوق الإنسان وعودة اللاجئين والهاربين من النظام، والأهم متابعة وضعية الميليشيات والجماعات المسلحة التي كانت سبابا في قلب موازين الحرب لصالح النظام واستعادته للأراضي التي خسرها.
عندما دخلت الأزمة في سوريا مرحلة الحرب، وانتقلت من احتجاجات شعبية سلمية إلى صراع مسلح، ثم حرب دولية متعددة الأطراف ومزدوجة الأهداف، راهن رئيس النظام السري بشار الأسد على البقاء في السلطة، وإن على رأس بلد مدمر بسيادة مفقودة واقتصاد منهك وجماعات مسلحة ستكشّر عن أنيابها بمجرد أن تضع الحرب أوزارها.
بعد أن كان قاب قوسين من الخسارة، يقترب اليوم النظام السوري من حسم الحرب لصالحه على حساب خصومه الذين طالبوا بالإطاحة به ونجحوا قبل أكثر من خمس سنوات في حشد تأييد دولي واسع حول هذا المطلب، وانتزعوا منه مناطق هامة؛ لكن اليوم وكما يقول آرون لوند، الخبير في الشأن السوري في مؤسسة سانتشوري للأبحاث، “باستثناء ظروف غير متوقعة، أعتقد أن الحكومة السورية ستستعيد السيطرة على أراضي البلاد جزءا بعد الآخر”.
وإذا كانت الحرب ضدّ الإرهاب والموقف الأميركي المتقلب وتشظي المعارضة وانقسامها وتمسكها بمواقفها من رحيل النظام، ساهمت إلى حد ما في قلب معادلة الحرب، فقد كان للدعم الروسي والإيراني الدور المباشر والحاسم في ترجيح كفة النظام على الأرض. وبعد سلسلة انتصارات ميدانية أبرزها استعادة كامل مدينة حلب (شمال) والسيطرة على أجزاء واسعة من البادية السورية وأخيرا كسر الحصار عن مدينة دير الزور شرقا، بات الجيش السوري يسيطر حاليا على أكثر من نصف الأراضي السورية.
وبحسب الخبير في الجغرافيا السورية فابريس بالانش، يقيم في المناطق الواقعة تحت سيطرة القوات الحكومية أكثر من ثلثي السكان، في حين يسيطر الأكراد على 23 في المئة من الأراضي السورية. في المقابل، لم يبق بيد الفصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام (فصائل إسلامية بينها جبهة النصرة سابقا) سوى 12 في المئة من الأراضي وتقلصت مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية إلى 15 في المئة، وفق بالانش.
موقع قوة
مؤخرا، تساءل مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا “هل ستكون الحكومة السورية مستعدة للمفاوضات بعد تحرير دير الزور والرقة أم أنها ستكتفي برفع راية النصر؟”، و”هل ستكون المعارضة قادرة على أن تتحد وأن تكون واقعية لتدرك أنها لم تربح الحرب؟“.
أغضبت هذه التساؤلات المعارضة السورية التي سارعت إلى الرد بلسان رئيس وفدها التفاوضي إلى جنيف نصر الحريري الذي وصفها بـ”الصادمة والمخيبة للآمال”، مجددا المطالبة برحيل الرئيس السوري بشار الأسد. لكن هذا المطلب لم يعد يثير استقطابا كما في الماضي، ويأتي في وقت يتربع النظام في موقع قوي جدا، بعد حوالي ست سنوات من نزاع دام.
وشكل مستقبل الرئيس السوري عائقا أمام أي تقدم في العملية السياسية بين الحكومة والمعارضة السورية في كل جولات المفاوضات التي حصلت في جنيف منذ العام 2014، في إطار الجهود لتسوية النزاع السوري. ورفضت دمشق منذ البداية طرح هذا الموضوع على طاولة المفاوضات، ومن المستبعد جدا أن تقبل به اليوم.
وتقول مهى يحيى، مديرة مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط، “لا أعرف إذا كان (الأسد) سينتصر أم لا، لكنه بالتأكيد استعاد زخمه”، لكنها تضيف “إنما بصراحة، هو يستعيد السيطرة على بلد مدمر بالكامل، ولا أعرف ماذا يعني الانتصار في الحرب في هذا السياق”، مضيفة “لا أرى سوريا مستقرة في المستقبل القريب”.
ويتحدث محللون آخرون عن هشاشة النظام في بلد يعاني انقسامات عميقة. ويرى توما بييريه، الخبير في الشؤون السورية في جامعة إدنبره، أن “الأسد سيبقى طويلا في السلطة، لكن مع احتمال كبير بأن تتواصل حركات التمرد المسلحة”.
ويضيف “قد لا تشكل هذه الحركات المسلحة تهديدا مباشرا للسلطة المركزية لكن من شأنها أن تزعزع نظاما ضعيفا على مستويات عدة اقتصادية واجتماعية وديموغرافية”.
ويقول العميد المنشق عن الجيش السوري إبراهيم الجباوي، في تصريحات لـ”العرب”، “الميليشيات تهمين على الجيش السوري وهذا ما يعرقل اليوم قبل غد أي حل سياسي، لأنه ينبغي أن تعود كافة الميليشيات من حيث أتت، وإن لم ترحل فلا يمكن السيطرة على الجيش مستقبلا وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك أي حل للعقدة السورية”.
اقتصاد منهك
تسببت الحرب السورية في دمار هائل في البنى التحتية وفي مقتل أكثر من 330 ألف شخص، بالإضافة إلى نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها. وتبلغ نسبة البطالة في سوريا 50 في المئة، ونسبة الفقر 85 في المئة.
ويتوقع جهاد يازجي، المحلل الاقتصادي ورئيس تحرير النشرة الاقتصادية الإلكترونية سيريا ريبورت، أن تشهد سوريا بعد التقدم الميداني للجيش “انفراجا اقتصاديا لفترة تتراوح بين 18 شهرا وعامين كونه سيتم إصلاح الكهرباء في مناطق معينة كما ستكون بالإمكان إعادة استخراج البترول والغاز”.
ويضيف “لكن في الوضع الحالي لا أعتقد أن البلاد يمكن أن تشهد إعادة إعمار نتيجة الخسائر الكبيرة التي منيت بها اقتصاديا”. وقدّر البنك الدولي في تقرير له في يوليو الماضي خسائر الاقتصاد السوري بـ226 مليار دولار جراء الحرب. وليس بمقدور المصارف السورية أن تتولى إعادة الإعمار حاليا خصوصا أن قيمة أسهم البنوك الإثني عشر في سوريا تصل إلى 3.5 مليار دولار فقط. كما أن تحويلات المغتربين ضئيلة.
وفقدت الليرة السورية نتيجة الحرب 90 في المئة من قيمتها مقابل الدولار، ما يعكس اقتصادا منهكا جراء تقلص المداخيل والإيرادات وانخفاض احتياطي القطع الأجنبي. ويوضح يازجي “أن القادرين على تمويل إعادة الإعمار على غرار دول الخليج والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، لا ينوون القيام بذلك حاليا”.
ويرفض هؤلاء، بحسب رأيه، تمويل نظام لطالما طالبوا بإسقاطه ويتهمونه بانتهاك حقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب واستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، وفق ما أكدت الأمم المتحدة مؤخرا.
سوريا: ماذا يعني النصر في بلد مدمر وفاقد للسيادة؟
بقلم : الديار ... 12.09.2017
المصدر : العرب