تصعيد الوضع الخطير أصلا في قطاع غزة من خلال تقليص ساعات مده بالكهرباء، ومن ثم بالمياه الصالحة للشرب، ووقف إدخال مرضى من القطاع للعلاج في المستشفيات الإسرائيلية والقدس، وتقليص كميات الدواء وغيرها من مواد حيوية، يدفع باتجاه خطير تتمناه دولة الاحتلال، بل تدفع باتجاهه وهو حرب أهلية فلسطينية.
دولة الاحتلال انتقلت لتمثّل دور المحايد، فتحمّل محمود عباس مسؤولية هذا الحصار والتصعيد، وكما يبدو أنه مرتاح للعب هذا الدور الخطير، وبهذا تبرئ دولة الاحتلال نفسها من حصار يرتقي إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، وتلقي بكرة النار إلى ملعب محمود عباس، وقد بدأت تظهر صور لأطفال مثل تلك التي عرفها العالم خلال حصار العراق، وفي اليمن لأطفال يتمسكون بالحياة في نزعهم الأخير، ولسوريين وفلسطينيين باتوا هياكل عظمية في حصار مخيم اليرموك وغيره من المناطق السورية.
على السيد محمود عباس استيعاب أن الذي يخطط له في إسرائيل أخطر من مجرد التخلص من حماس كحركة مقاومة مسلحة، إن الحلم الوردي لقادة دولة الاحتلال هو صدام دموي بين الناس في قطاع غزة يمتد إلى الضفة الغربية بين أنصار الفصيلين. تشديد الحصار بهذه الصورة، وقطع المرتبات عن فئات معينة من الأسرى وذوي الشهداء والموظفين، ومعاقبة المدنيين سيؤدي إلى انفجار داخلي، ولكن حركة حماس لن تستسلم ولن تتنازل عن سلطتها التي استمدت شرعيتها من صندوق الاقتراع، ولن ترضخ لرغبة ليبرمان أو غيره، ولن تتخلى عن سلاحها لا بالقوة العسكرية ولا بالابتزاز، من خلال الضغط على المدنيين، وسوف تستميت في الدفاع عن نفسها وعن كوادرها ومصالحها، وستجد لها حلفاء بهذا من فصائل المقاومة الأخرى.
كان وزير الحرب الإسرائيلي ليبرمان يطالب باحتلال القطاع وتصفية حماس عسكرياً، قبل تقلده لمنصب وزير الحرب، صار يتحدث بلهجة المحايد، وأنه غير مسؤول عن الذي يحصل في قطاع غزة، بل عباس وسلطته. تزامن تصعيد سلطة رام الله ضد القطاع مع تقرير إسرائيلي بثته القناة الثانية عن مدينة روابي الفلسطينية في الضفة الغربية، التي يعيش فيها أصحاب المدخولات العالية من الفلسطينيين، وهو تقرير غير بريء فيه تصوير لغنى ورفاهية ساكني هذه المدينة، مقارنة بالفقر المدقع والبطالة المنتشرة في الضفة والقطاع، هذا إضافة إلى إبراز نبأ القطة المسكينة من قطاع غزة التي ووفق على إدخالها للعلاج في إسرائيل بطلب من صاحبتها الأوكرانية الأصل، مقابل حرمان البشر من العلاج، الأمر الذي أثار سخطاً وانتقادات كبيرة.
قادة الاحتلال يحلمون برؤية الفلسطينيين يدمرون بعضهم بعضا، هذا أفضل بكثير من شن حرب على قطاع غزة تكلفهم خسائر مادية وعسكرية وأرواحاً وارتكاب مجازر، قد تؤدي لردود فعل دولية تعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة وإلى المربع الأول، ولهذا يدفع قادة الاحتلال باتجاه تدمير فلسطيني ذاتي، كما حدث في ما سمي بحرب المخيمات عام 1985- 1988 التي كان للنظام السوري وحركة أمل اليد الطولى فيها، بينما تكون هي المتفرج الذي يشفق على الفلسطينيين، حيث سنرى في حالة اندلاع هذه المواجهة كثيرين يهربون طالبين الحماية من جيش الاحتلال، الذي سيتحول فجأة إلى الجيش الأكثر إنسانية، خصوصاً إذا ما أغلق السيسي حدوده وأعلن أن الرِّجل التي تدخل سيناء سنقطعها كما قال أخٌ له من قبل.
سوف يهرب آلاف الفلسطينيين كما حدث في أيلول الأسود عام 1970، حيث عبر المئات من شرق الأردن إلى الضفة الغربية طلبا للنجاة، ومثلما طلب آلاف السوريين العلاج والنجاة هرباً من الحرب والذبح في بلدهم. سيتحول جيش الاحتلال من جيش يقتل القاصرين على حواجز الضفة الغربية، بمجرد مد اليد إلى الجيب بحجة محاولة الطعن، إلى جيش رحيم يداوي الجرحى الفلسطينيين الذين أصابهم الرصاص الفلسطيني.
يتوهم السيد عباس أن الساحة الفلسطينية ستصفو له بعد التخلص من حماس بعدما أرضى أمريكا وحلفاءه العرب الذين يرون بحماس حركة إرهابية، وحينئذ سيدخل الحلبة الدبلوماسية بقوة أكبر. لكنه متوهم، فإسرائيل ليست جنوب أفريقيا، واليهود ليسوا 5% يحكمون 95% من السكان، بل إن عددهم يتساوى مع العرب بين النهر والبحر، هذا إضافة للقدرات العسكرية والمادية والدعم الأمريكي المطلق عسكرياً وسياسياً في كل محفل، والتنسيق والتفاهم مع دول كثيرة، ومنها دول كبرى لا ترى بإسرائيل دولة أبرتهايد مثل جنوب إفريقيا السابقة، ولا تضغط عليها لتطبيق الشرعية الدولية، بل دول عربية باتت ترى فيها حليفاً بحجة مواجهة الإرهاب وقوى إقليمية أخرى. حتى سياسة مقاطعة إسرائيل التي باتت ورقة قوية بيد الفلسطينيين سوف تنهار، لأنه لا يمكن لأحد أن يقاطع لأجل قضيتك بينما أنت تحاصر وتقاتل شعبك.
على السيد عباس أن يعيد الكُرة فوراً إلى الاحتلال المحاصِر الفعلي للقطاع وأن يحمّله المسؤولية، وأن لا يطعم نفسه جوزاً فارغاً، فهو لا يمون على رخصة بناء أو عبور حاجز في الضفة الغربية بدون تفتيشه، فما بالك بمعابر قطاع غزة وما يدخل ويخرج إليها ومنها، فالحصار وحرمان الناس من الماء والدواء والتسبب بالمزيد من معاناتهم جريمة لن يغفرها شعبنا لمرتكبيها لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل.
خطر حرب أهلية فلسطينية!!
بقلم : سهيل كيوان ... 29.06.2017