أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
أيها العرب أبشروا ترامب لن ينقل السفارة الأمريكية إلى القدس!!
بقلم : سهيل كيوان ... 17.11.2016

لا شك أن الأنظمة العربية بدأت تفكر بكيفية التصرف فيما لو أعلن ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، معترفا بهذا بأن القدس الموحدة هي عاصمة الشعب اليهودي الأبدية.
طبعا بدأوا يفكرون ليس بطرد السفير الأمريكي أو استدعاء سفرائهم من واشنطن، فهذا بالأحلام، ولكن بالتأكيد بدأوا بالبحث عن الطرق الأسلم لرد لا يستفز ترامب، وبالوقت نفسه إظهار رفضهم للقرار، كرمى لخاطر شعوبهم، فهم مهما كانوا حليمين وصبورين على الأذى والعدوان، لا يستطيعون تجاهل قرار استراتيجي وخطير كهذا، خصوصا أن هناك من سيستغله للدفع باتجاه التطرف الذي يتسابقون على إظهار إخلاصهم في محاربته، لنيل شهادة حسن السلوك، كتلك التي حصل عليها السيسي من (ترامب)، لا بل أن بشار الأسد يطالب (ترامب) بإثبات إخلاصه في محاربة الإرهاب كي يقبله شريكا في مشروعه ويمنحه هو الشهادة.
أود بهذا أن أطمئن الأنظمة القلقة بأن ترامب لن يفي بوعده للوبي الصهيوني في أمريكا، ولن ينقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، فأنتم أيها الحكام العرب أغلى على قلبه وعلى قلب المخابرات المركزية الأمريكية من اللوبي الصهيوني ومن بيبي نتنياهو. صحيح أن الإعلام العربي الرسمي سيدعي بأن التطرف الإسلامي هو الذي جلب هذا القرار الأمريكي إذا حصل، وأن التطرف هو المسؤول عن سياسات أمريكا والغرب المنحازة لإسرائيل، والمعادية للعرب، وأن محاربة التطرف لها الأولوية، وهي القاسم المشترك بين جميع محاربي «الإرهاب» في العالم، إلا أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس لا يعتبر عملا طيبا لمواجهة التطرف، وكل ساذج يعلم أن خطوة كهذه هي رفسة لقوى الاعتدال الإسلامي والعربي، وستكون مادة حيوية ومفرحة للمتطرفين.
خطوة كهذه ستسبب شيئا من الحرج للسيسي، فإن لم يكن للسيسي نفسه فلإعلامه. السيسي اعتبر نفسه الرابح الأول بفوز ترامب، فسبق الجميع في تهنئته، ويفخر بأن ترامب يعتبره شريكا مخلصا في محاربة «الإرهاب»، ولكن إذا كانت شرائح واسعة من الشعب المصري تتقبل بالدعابة حكاية الثلاجة «وإزازات الميه»! فكيف سيشرح السيسي وإعلامه قضية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس دون المس بترامب، لا سمح الله، وبالوقت نفسه استحالة تجاهل خطوة تاريخية واستراتيجية كهذه. ثم هل يمكن لأردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية أن يتقبل خطوة مستفزة كهذه من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة. أردوغان الذي يرى نفسه مدافعا ومنافحا عن قضايا المسلمين، خطوة كهذه لن تشعره بالراحة وسينتقدها، وهذا أيضا سيكون نصب عيني جهاز المخابرات المركزي الأمريكي، فهم لا يريدون توسيع الهوة مع تركيا أكثر.
أما العقبة التالية فهي رئيس لجنة القدس ملك المغرب محمد السادس، وهذا تقليد ترسخ منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني كرئيس للجنة القدس، وهذا الحليف تأخذه المخابرات المركزية الأمريكية بعين الاعتبار، خصوصا أن ملك المغرب محمد السادس يعتبر رئاسته للجنة القدس قضية رمزية فيها إجلال وتقدير كبيرين لدور المغرب في قضية أساسية من قضايا الأمة، إعلان كهذا سيقابل بامتعاض شديد في المغرب رسميا وشعبيا وفي إحراج كبير.
أما أهم الحلفاء برأيي الذي ستأخذه المخابرات المركزية بعين الاعتبار فهو الأردن، لأن الأمر سيكون أكثر تعقيدا، فالأردن يعتبر نفسه وصيا على المقدسات العربية في القدس، وسوف يبقى معتبرا أن القدس محتلة، ونقل السفارة الأمريكية إليها يغلق الباب أمام كل التأويلات، وسيكون بمثابة طعنة أمريكية نجلاء ضد مصلحة النظام الأردني، وسيكون من الصعب ابتلاع قرار بعيد المدى مثل هذا. الأحزاب الأردنية ستدعو للتظاهر أمام السفارة الأمريكية في الجمعة التالية، بعد إعلان نقل السفارة، وسيتم استيعاب المظاهرة الغاضبة من خلال إشراف قوات الأمن على النظام، والأهم من خلال إعلان ملكي يعبّر فيه عن أسفه لمثل هذا القرار الأمريكي الذي يخدم قوى «التطرف»، إلا أن هذه الطعنة الأمريكية ليست عابرة ولا سريعة الاندمال، لأنها ستكون في العصب الحساس لحلفائها في المنطقة، وتجعل مهمة محاربة «التطرف» أكثر تعقيدا وصعوبة. وستكون هذه مادة إضافية للسخط الفلسطيني التاريخي على المواقف الأمريكية، ومناسبة لتجديد العهد برفض الاحتلال. نضيف إلى هذا العربية السعودية ودول الخليج التي ستشعر بأن حليفتها أمريكا غدرت بها وباعتها.
لهذا أعتقد أن جهاز المخابرات المركزية لا بد أن يخبر ترامب بالخسائر الاستراتيجية لخطوة كهذه، خسائر ليس لأمريكا مباشرة، بل لحلفائها المخلصين، وبالتالي لها، صحيح أن خطوة كهذه لن تشكل خطرا مباشرا على الأنظمة، ولكنها ستحرم أمريكا وتحرمهم من إمكانية المناورة ومن الادعاء بأنها وسيط لحل قضايا المنطقة، خصوصا القضية الفلسطينية، وهذا سيمنح روسيا التي لم تنقل سفارتها إلى القدس مزيدا من النفوذ والتأثير الذي لا تريده أمريكا ولا الغرب، ويمنحها مزيدا من المساحة على المناورة والادعاء بأنها صديقة للعرب. إذن ستنصحه المخابرات المركزية، بدلا من نقل السفارة إلى القدس، هناك طرق كثيرة لمواصلة دعم إسرائيل عسكريا واقتصاديا ومعنويا في المحافل الدولية، بل وتجنيد حلفاء لها ومنع أي قرار يصدر ضدها بدون نقل السفارة. أما بالنسبة لإيران التي تقول إن لديها «جيش تحرير القدس» فهي في هذه المرحلة تقوم بدور تشكرها عليه إسرائيل وأمريكا، فماذا يضيرهما بأن تواصل إيران دورها التخريبي في المنطقة من خلال التقسيم المذهبي واستنزاف المنطقة ومقدراتها، وترك قضية نقل السفارة غير المفيدة في هذه المرحلة.
رجل الأعمال ترامب يعرف أن العربدة مهما تمادت لها ضوابط وموازين وحسابات ربح وخسارة في نهاية الأمر. وتحريك قضية القدس بهذا الاتجاه سيضر بحلفائه ولن يفيده ولهذا سيترك أمر السفارة، ولكنه سيصمت عن توسيع الاستيطان، وسوف يواصل ترديد اسطوانة نتنياهو بأنه لا حلول إلا بالتفاوض المباشر بين إسرائيل والفلسطينيين، ودون إحراج كبير لحلفائه العرب، فأبشروا أيها العرب.. ستبقى السفارة في تل أبيب وسوف يستمر التوسع في القدس وغيرها.

1