أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
أعراس في الجليل…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 18.08.2016

لفلسطين كما للحياة وجوه كثيرة، بعضها قبيح وبعضها جوري وياسمين، نختلس لحظات الفرح في زمن تزاحمت فيه الآلام على جسد الوطن العربي، أثخن فيه المفسدون في الأرض وازدادوا غياً وإجراماً.
يزدهي جليل فلسطين هذه الأيام بموسم الأفراح، شعبنا تواق للفرح ما استطاع إليه سبيلاً، اذ نادراً ما تسمع عن حفل زفاف في الشتاء، رغم نصائح خبراء العلاقات الحميمة به، لأن أعراس القرويين بشكل خاص ليست محصورة في يوم أو أمسية واحدة في قاعة مغلقة.
تبدأ المراسم قبل يوم الزفاف بأسبوع، أول خطوة هي دعوة ولي أمر العريس للأقرباء والأنسباء والجيران إلى «فنجان قهوة»، وبعد أن يكتمل النصاب في ساحة الحي، يقف ويبلغهم بأنه بعد الاتكال على الله قررنا أن نزف ابننا فلاناً، ثم يطرح أمامهم برنامج العرس، الذي يستمر لأسبوع من السهرات بين خفيفة وثقيلة وتضييفات، تتخللها ليلة حناء يزور خلالها العريس برفقة وفد من أصدقائه وشقيقاته وقريباته بقيادة بعض الكهول مكان سهرة العروس، فيستقبلهم أهل العروس بالترحاب والضيافة ثم يشركونهم في حفل العروس ويرفع العريس خلالها على الأكتاف، ثم ليلة زيانة العريس التي تتوج بأهزوجة «إحلق يا حلاق بالموسى الذهبية»، ثم سهرة العروسين الأساسية، وقد تتخلل إحدى الليالي حفلة زجلية، سيكون مكبر الصوت شغالاً حتى منتصف الليل أو بعده، والكشافات تضيء بيوت أهل الفرح، ولا يخلو الأمر من مفرقعات وألعاب نارية خصوصاً في سهرة العروس.
البعض يختار يوم الزفاف بدعوة الناس إلى وليمة في البيت أو في قاعة أفراح، في الجليل معظم حفلات الزفاف تقام في قاعة أفراح بمرافقة فرقة موسيقية تتخللها وجبات طعام وشراب، بعضه فوق الطاولة، وبعضه مختلس من تحتها.
يحتاج موسم الأعراس إلى ميزانية خاصة لكل أسرة، فعدد الدعوات كبير، بطاقات من شتى الألوان والأحجام تجدها تحت الباب وفي المطبخ وفي مكتبك وسيارتك، واحدة باسمك وأخرى باسم ابنك المتزوج وأخرى باسم أبنائك العازبين، وكلها تحمل عبارات متشابهة،»ومن آياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة» ثم نص الدعوة وتاريخ الحفل.
كل من ربطتك به علاقة قديمة يدعوك، كل من كان زميلاً في مختلف المراحل التعليمية، وكل زميل عمل ورفيق درب، وصديق وخليل ونديم والجار الجنب وجار الجار وقريب ونسيب، ونسيب نسيب و(يا مرحبا بنسيب نسيبنا)، وكل ذي علاقة بأي شكل كان يدعوك، وقد يصادف أنك مدعو في اليوم والساعة ذاتها إلى أكثر من حفل زفاف واحد، في البلدة أو جوارها وحتى من مناطق بعيدة، أحياناً تجتهد لتتذكر من هو الداعي بالضبط، اسمه مألوف ولكنك لا تذكر من أين بالضبط، فهو ما كان ليدعوك لولا علاقة ومعرفة سابقة بينكما، ولهذا فالأفراح رغم أنها مناسبة للفرح واجتماع الأحبة واستعادة للذكريات باتت عبئاً اقتصادياً على الناس، لأن كل فرح تحضره سوف (تُنقط)، خصوصاً إذا كنت رب أسرة سبق وأن زوّجتَ أحداً أو بعض أبنائك، فأنت مدين للكثيرين، وعليك أن تحضر وتشارك الناس وتسدّد (النقوط) الذي يعتبر ديناً غير معلن، وعادة ما يوجد سجل بأسماء من شاركوك وحضروا و(نقّطوا)،دفتر نقوط زفاف البنت، ودفتر نقوط زفاف الولد، ودفتر قديم لزفافك أنت، النقوط متنوع، وتختلف قيمته بين وليمة في البيت أو سهرة في قاعة الأفراح، قد يكون نقدا بالشيكل أو الدولار أو اليورو، أو مواد عينية مثل الأرز والقهوة والمشروبات الخفيفة وحتى الذبيحة، في النقب مثلاً الأعراس فولكلور بدوي ومعظم النقوط ذبائح وأرز.
نقوط قاعة الأفراح أكثر، لأن فيها فرقة موسيقية وأكثر من وجبة ومأكولات متنوعة، ومن لا يسدد هذه الديون يعرّض نفسه لانتقادات لاذعة!
تحولت الأعراس إلى عبء اقتصادي على أرباب الأسر، البعض صار يسميها «ضريبة الأعراس»، في كل موسم يتحدثون عن تفاقم الأعباء في ظروف تزداد صعوبة وتعقيداً محلياً وقطرياً وعربياً، يتحدثون عن ضرورة تنظيم الأفراح وتحديد أعداد المدعوين وحصرهم بأقرب الناس، وتحديد قيمة النقوط، في بعض البلدان نجحوا بتحديد سقف أعلى للنقوط، وحددوا موعدا للمشاركة في الوليمة، من السابعة مساء حتى التاسعة مثلاً، ولكن الأكثرية ما زالت في حالة عفوية وتلقائية وحتى فوضوية، البعض يضطر لأن يأخذ قروضاً من البنوك لهذا الموسم، والبنوك طيّبة وكذلك شركات المال، تعرف احتياجات الناس فترسل لهم على هواتفهم رسائل نصية كريمة مغرية «خذ قرضاً لموسم الأعراس، وابدأ بتسديده بعد الموسم» خذ قرضاً للعيد» خذ قرضا للعطلة الصيفية وابدأ بتسديده في الشتاء» .
لي صديق يعتبر شخصية اجتماعية شعبية ومحبوبة، له أصدقاء في كل قرية وبلدة ومدينة، زوّج ابنه البكر قبل خمسة أعوام، كان عرسه مهرجاناً، حضره آلاف الرجال والنساء الذين أتوا من كل فج عميق، وبقي عليه أن يسدد هذا الدين طيلة ما تبقى من عمره!
التقيته في أحد الأفراح، بادرته بالحديث عن «ضريبة الأعراس» وأعبائها، وكيف يتدبر أمره معها! فلا بد أن معارفه كثيرون والدعوات تصله من كل حدب وصوب! فشكا لي اضطراره للنطنطة من فرح إلى آخر، ومن بلد إلى آخر، وفي أحيان كثيرة لا يستطيع المشاركة الفعلية، يدخل وينقط وينتقل إلى عرس آخر،»الوضع المالي صعب»، قال لي: منذ بداية الموسم لا تمر ليلة بدون دفع، عقدت اجتماعا للأولاد وقلت لهم،» إسمعوا يابا..نقوط الأعراس (عِشرة حلبية)..هل فهمتم شو يعني عِشرة حلبية..يعني العبء يقسم على الجميع بالتساوي، لأن الحمل إذا مال على واحد قتله..
قلت- رحم الله من أوجد العشرة الحلبية، نحن نحمل أنفسنا أعباء لا طاقة لنا بها…
- صحيح، ولكن رغم كل الظروف، فالزواج لا بد منه ولا بد أن نفرح ونشارك بعضنا البعض…
- طبعاً هذا مفهوم، لا بد من تأسيس وبناء الأسر الجديدة، ولكن ينقصنا ترشيد مصاريف الأفراح، كي يكون الفرح حقيقياً وليس إسقاطاً للواجب..

1