أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
أنا سُنّي وإخوتي شيعة…!!
بقلم :  سهيل كيوان ... 07.01.2016

قبل أيام قليلة، أُعلن بمكبر الصوت من مسجد قريتي مجد الكروم في الجليل الفلسطيني، عن وفاة مُسنٍ يُدعى يوسف الشيخ محمد في صيدا- لبنان، وأن «الأخذ بالخاطر» في بيت نجله (أبو يوسف) في بلدتنا.
يتحدث أبو اليوسف (مع ال التعريف) ابن الفقيد، وهو كهل تجاوز الستين فيقول: في عام النكبة نزح والدي إلى لبنان وبقيت والدتي مع أشقائها وكانت عروساً جديدة، ظل والدي يتردد بين لبنان وفلسطين متسللاً، إذ بقيت الطريق شبه مفتوحة، فأنجبتني والدتي في العام 1952، أما آخر مرة دخل فيها فلسطين متسللاً، فكانت في العام 1955 كما أخبروني، بعدها رجع إلى لبنان ولم يستطع العودة! فقد أغلقت الحدود تماما، وفشلت محاولات (لمّ الشمل بإعادته). وبعد فترة تزوّج سيدة من قرية (حولا) من جنوب لبنان ثم استقر في صيدا!
بعد تقديم العزاء، انتقل الحديث إلى السياسة وردّ الفعل الإيراني وحزب الله على الإعدامات في السعودية، وما لبث أن انتقل الحديث إلى الشيعة والسّنة، فابتسم أبو اليوسف وقال» أنا سنّي وأخوال إخوتي شيعة! المرحوم تزوج شيعية وله منها تسعة أبناء هم إخوتي.
في العام 1982 بعد غزو لبنان، طلبتُ من أحد المسؤولين في شركة عملت فيها أن يدبّر لي تصريحاً لدخول لبنان فدبّر لي، تعرفت على والدي وعلى زوجته وعلى إخوتي! «شو يعني شيعي وسني!» والله عيب هالحكي! ولكن الساسة وهذا قديم، وليس جديدا، ولأجل مصالحهم الدنيوية يحرّضون أبناء الطوائف والمذاهب ضد بعضهم البعض، يبحثون عن الجوانب المظلمة في الحاضر والماضي، بدلاً من البحث عن الجوانب الجميلة والمضيئة وهي كثيرة.
استرسل الحضور في الحديث عن العلاقات بين المذاهب والطوائف.
في بلدتنا نساء «متواليات» أي شيعيات، وكان كذلك بعض المسنين من (المتاولة)، ويقال إن مصدر كلمة متاولة هو (متأولة) من تأويل وتفسير النصوص القرآنية الخفية منها.
وعندنا مسيحيات متزوجات من مسلمين أسلمن، ومنهن من لم يُأسلمن، ولا ينسى الناس معايدتهن في أعيادهن! عندنا روسيات وأوروبيات متزوجات من رجال تعلموا في أوروبا وعادوا مع شهادات ونساء وأبناء.
كذلك عندنا عدد من اليهوديات اللاتي أسلمن، ورجل طلق زوجته العربية وله منها أبناء وتزوج من يهودية وعاش معها في حيفا وأنجب منها، ولكن زوجته الثانية لم تأسلم فصار أولادها يهوداً حسب الشريعة اليهودية، وعندما توفي دفن في قريتنا كمسلم، وجلس لتقبل العزاء أولاده العرب واليهود في مشهد غرائبي في هذه الأيام! وأخرى يهودية أسلمت وتزوجت في قريتنا ولكن هذا كان قبل النكبة، وظل أولادها يتبادلون الزيارات مع أخوالهم اليهود في صفد حتى قبل سنين قليلة.
وعن الشيعة ولبنان، حكى لي حماي نهفة، في عام النكبة وكان أعزب في مقتبل العمر، وأثناء الهجيج، دخل إحدى قرى الجنوب وزعم أنه ابن (أم شفيق) المتوالية المتزوجة في قريتنا (رحمها الله)، فعرفها أهل قريتها وأخذوه إلى «جده وجدته»، وادعى أنه حفيدهما الأصغر، فدعوا (أخواله وخالاته) واحتفوا به وقدموا له ما تيسر من الطعام والراحة، وبات عندهم بضع ليال وعندما استأذن منهم، جمعوا «لابن ابنتهم» ما تيسر من قروش رغم فقرهم، وواصل طريقه إلى الشمال على أمل العودة إليهم خلال عودته من بيروت، وطبعا لم يعد!
فالقضية ليست سنة ضد شيعة أو العكس.
عندما حارب حزب الله لتحرير الجنوب من الاحتلال الصهيوني، كانت الأمة العربية كلها تؤيده من المحيط إلى الخليج، وحمل الناس له تقديرا كبيرا، رغم أنه ليس أول المقاومين ولا آخرهم، فما قدمته المقاومة الفلسطينية وحلفاؤها من أحرار العرب أكبر بكثير! وعندما حارب مئات آلاف العرب واستشهد منهم مئات الآلاف في مواجهة الاستعمار والحركة الصهيونية، لم يكن حزب الله قد ولد بعد، وكانت إيران خنجرا مسموما في خاصرة العرب ونهضتهم العروبية، وهو دور تمارسه اليوم ولكن من الزاوية الدينية!
ليس من حق من قاوم دفاعاً عن نفسه أمام عدوان إسرائيل وكسب رصيدا أن يحوّله لدعم نظام مستبد ظالم لشعبه! فالحقيقة المعروفة أن حزب الله تدخل في سوريا قبل ظهور داعش، وبعد ذلك جرت محاولات شيطنة الثورة السورية و»دعشنتها» من أطراف كثيرة صبت في مصلحة النظام.
كذلك لا يمكن لإيران أن تضطهد العرب في الداخل، وتتدخل بشؤون الدول المحيطة من حولها، وتحاول زعزعة استقرارها لتوسيع نفوذها واستغلال أتباع المذهب الشيعي وتحريضهم لخلق توترات مذهبية بين أبناء البلد الواحد، ثم تدعي أنها تسعى لحسن الجوار ولنصرة المستضعفين لا وبل لتحرير فلسطين!
عقوبة الإعدام للنشطاء السياسيين مرفوضة، وقد تستخدم ذريعة للتخلص من المعارضين! في كثير من البلدان وليس في السعودية فقط، وإيران التي أقامت الدنيا ولم تقعدها لإعدام الشيخ النمر، ليست المثال الذي يحتذى في تعاملها مع المعارضين، فهي من الدول الأبرز في مجال الإعدامات السياسية وغير السياسية!
شعوبنا لا تريد اضطهاد أقلية سنية مقابل اضطهاد أقلية شيعية أو اضطهاد شيعة مقابل اضطهاد سنة، أو إعدام ناشط مقابل إعدام آخر، وتدخّلا مقابل تدخل، وتخريبا مقابل تخريب!.
شعوبنا لا تريد حكم الفقيه ولا حكم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا حكم الدكتاتوريات الأسدية.
وإذا كان هناك من يحق له الاعتراض على الإعدامات السياسية، فهو الشعب السوري الذي أسهمت إيران وحزب الله وروسيا في إعدام مئات الآلاف من أبنائه دعما لنظام أعدم شعبه وبلاده.

1