أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
خيانة حماس!!
بقلم : سهيل كيوان ... 20.08.2015

تتعرض حركة حماس وقيادتها في قطاع غزة بصورة متواصلة لهجمات إعلامية شرسة من قبل السلطة الفلسطينية في رام الله، تصل عموما إلى التخوين و»التآمر»على القضية الفلسطينية، ثم الاستنتاج بأن «خيانة» حماس ستحرم الشعب الفلسطيني من دولته المستقلة العتيدة، على مذبح مصالح حركة حماس.
آخر هذه الأسطوانات التخوينية التآمرية، انطلقت بحجة أنها تُجري مفاوضات سرية بوساطة قطرية – تركية تارة، ومصرية تارة أخرى مع إسرائيل، بهدف رفع الحصار عن قطاع غزة، مقابل تهدئة طويلة الأمد، ويرى من يخوّنون حماس بأن رفع الحصار عن مليوني فلسطيني مقابل التهدئة مع إسرائيل، هو خيانة للمشروع الوطني الفلسطيني، يُنقذ إسرائيل ويمنحها حجة للتملص من القرارات الدولية، بل ذهب البعض لأبعد من هذا، إذ ادعى أن تركيا تطمع بضم قطاع غزة إليها مثلما ضمت لواء اسكندرون السوري.
غريب أن يصف حماس بالخيانة من ينسّقون أمنيا ومباشرة وبدون وساطات مع كل أذرع الاحتلال وعلى المستويات كافة السرية والعلنية! غريب أن يصف حماس بالخيانة من يَعتقلون ويقمعون أي مظهر مقاومة في المناطق الواقعة تحت سيادتهم حتى لو كان مظاهرة إلى حاجز احتلالي! غريب أن يصف حماس بالخيانة، أولئك الذين تطمئنهم إسرائيل بأن «لا يقلقوا»، وبأنها لن تعقد اتفاقا منفردا مع حماس!
غريب أن تأتي هذه التهمة ممن ترددوا لسنين في تقديم شكاوى إلى محكمة الجنايات الدولية ضد إسرائيل، بعدما ارتكبت جرائم حرب ضجت منها الأرض والسماء، بل ورموا بتقرير غولدستون الذي يدين إسرائيل بجرائم حرب إلى سلة المهملات!
غريب أن تأتي هذه التهمة ممن يصفون كل عدوان تقوم به إسرائيل على قطاع غزة منذ تسع سنوات، بأنه تلميع لحماس، رغم اغتيال واستشهاد المئات من كوادرها ومقاومتهم الأسطورية أمام ثلاث حملات عسكرية شرسة وحصار طويل. غريب أن تأتي تهمة الخيانة ممن لا يفعلون شيئا لفك الحصار عن مليونين من أبناء شعبهم منذ تسع سنوات بل يشجعونه، ذلك أنهم أمِلوا وما زالوا يأملون بانهيار سلطة حماس تحت وطأة الضربات العسكرية وضغط الحصار وتداعياته!
غريب أن تأتي تهمة الخيانة من الصامتين على الوضع الصحي المتدهور في قطاع غزة وتلوث مياه الشرب وسوء التغذية، ويحمّلون حماس المسؤولية قبل تحميلها للاحتلال. عن أي خيانة يتحدث من رأوا بأسطول الحرية الذي انطلق من تركيا لرفع الحصار عن قطاع غزة عملا دعائيا يقوم به سلطان (عثماني). غريب أن تأتي هذه التهمة ممن منحوا أنفسهم عشرين عاما من التفاوض العبثي ويطلبون المزيد، مع من يقول لهم صراحة لن تحصلوا على شيء، ويسحب الأرض من تحت أقدامهم يوميا، ويهدم البيوت ويقتل الشبان على الحواجز، ويغذي عصابات الإرهاب اليهودي لتحرق وتقتل حتى الأطفال وتدنس وتنتهك المقدسات. غريب أن يصدر هذا الكلام ممن يقولون إنهم ضد أي عمل مقاومة عسكري تقوم به حماس أو غيرها، لأن «نتائجه مدمرة للشعب الفلسطيني»، ثم يخوّنونها عندما تبحث عن تهدئة مقابل رفع الحصار!
يا من تخوّنون حماس ألم تكن أمامكم فرص للمصالحة الوطنية فوضعتم شروطا تعجيزية لعرقلتها، استرضاءً لإسرائيل ومن هم أبعد وأقرب من إسرائيل! لقد تمنت سلطة السيد عباس وبعض الأنظمة العربية، بشكل واضح، هزيمة حماس العسكرية أمام إسرائيل، تمنوا أن يروا قادتها في مشاهد مخزية، فبرروا لإسرائيل عدوانها بشكل غير مباشر، فحمّلوا حماس مسؤولية وقوع العدوان (العدوان الأخير مثلا الذي جاء بحجة اختطاف المستوطنين الثلاثة قبل عام) وكأن من حق إسرائيل أن تبيد من الفلسطينيين كما تشاء مقابل كل مستوطن يُقتل!
من حق حماس أن تفاوض لرفع الحصار الصهيوني الفاشي عن مليوني فلسطيني، المتواطَأ معه عربيا والمسكوت عنه دوليا، علما بأن الجميع يدركون وأولهم حماس بأن إسرائيل لن تلتزم بشيء، وستجد ألف ذريعة لنقض أي اتفاق، وتاريخ إسرائيل يشهد بأنها لن تعدم حجة عندما تريد نقض اتفاق ما، كذلك فإن حماس لا تعدم طريقة لنقض الاتفاق إذا شعرت أن إسرائيل لا تلتزم به.
لا شك أن إسرائيل تحاول دائما تعميق الخلاف بين حماس وسلطة رام الله، ولكن لا شك أيضا أن سلطة رام الله حاولت استرضاء إسرائيل على حساب تعميق الانقسام (لإثبات حسن النوايا)، والآن رغم تصريحات اسماعيل هنية بأن حماس لن تقبل بدولة فلسطينية على مساحة 2٪ من فلسطين، فإن السلطة وأبواقها مصرون كالعادة على اتهام حماس بالخيانة والتآمر، بالضبط كما تريد إسرائيل وحتى أكثر من توقعاتها، حتى راحت تطمئنهم. سلطة رام الله تدرك أن حماس لن تقيم دولة على مساحة 2٪ من مساحة فلسطين، ولكنها تخشى رفع الحصار بالفعل مقابل تهدئة، فيكون هذا إنجازا لحماس ولهذا تتهمها بالخيانة.
من ناحية أخرى تواجه هذا الاتفاق الافتراضي عقبات كثيرة، الوقت، أهمها معارضة ومزايدة داخل إسرائيل تشترط نزع سلاح حماس مقابل رفع الحصار، وهذا ما لن يحصل، وسيكون ذريعة لإسرائيل أمام العالم لمواصلة الحصار، ثم أن مصر (السيسي) لن يسعدها أن تسجل حماس إنجازا كهذا بالذات بوساطة تركية قطرية، مع أن اتفاقا كهذا يصب في مصلحتها، إلا أنها لن تتعاون ولن تكون وسيطا بأي اتفاق ما لم تكن سلطة رام الله راضية عنه. لا شك أن حماس حذرة في خطواتها، من مغبة نزع شرعيتها عنها بين أبناء شعبها تمهيدا لضربها، ولهذا أكد أكثر من قيادي في حماس بأن الحركة ترفض دولة على 2٪ من مساحة فلسطين.
من حقك أن تكره حماس كما تشاء، من حقك أن ترفض نهجها وطريقها اجتماعيا وسياسيا، ولكن ليس من حقك اتهامها بالخيانة، سواء حارَبَتْ أم فاوضت، وانظر إلى غابات الأمازون التي في عينيك ومنخريك قبل أن تنظر إلى عود الثقاب في عين غيرك.

1