أفرزت وزارة الخارجية العراقية بعد الغزو الامريكي للعراق حالات شاذة تتعارض كليا مع الأعراف الدبلوماسية المعمول بها، فالسفارات العراقية في الخارجية صارت واجهات دعائية للأحزاب السياسية، كل منها تمثل وجهة نظر الحزب الذي ينتمي إليه الوزير وليس العراق. ويمكن القول أن السفارات التي ينتمي سفرائها للأحزاب الكردية والشيعية لها السبق في هذا المجال. لذا كان من السهل على السفير الكردي أن يرفع خارطة العراق من واجهة السفارة ويضع خارطة كردستان بدلا عنها في أحدى الدول الأسكندنافية، وكان من السهل على السفراء الشيعة أن يحولوا السفارات الى حسينيات تنعي كالغربان طوال شهر عاشور بمقتل الحسين، وترتفع فيها الرايات السوداء والخضراء لتشد خناقها على العلم العراقي الذي لا يجد هواءا كافيا يتنفس فيه، وأن تتحول باحات وحدائق السفارات الى مطابخ للهريسة والقيمة.
مع إنتهاء عمل السفير الكردي هوشيار زيباري وتولي مفجر الحرب الأهلية لعام 2006 إبراهيم الجعفري وزارة الخارجية، إرتسم العجب على وجوه المطلعين على حال العراق، وأيضا المطلعين على حال الوزير شخصيا سيما في بريطانيا، حيث كان لاجئا، هذا الوزير مصاب بلوثة عقلية بإعتراف أطبائه الأنكليز، وأعفي من العمل ونال المساعدة الإجتماعية لهذا السبب، ولا نفهم كيف سيزور الجعفري بريطانيا مثلا ويلتقي بنظيره البريطاني؟ من خلال الإستماع بضعة دقائق ألى أحاديث الوزير الجعفري ستجزم على الفور بأن هذا الوزير مصاب بلوثة عقلية حتما.
في أول زلة جعل فيها فيها نظيره الإيراني محمد علي ظريف يترنح على حلبة الحيرة فاغر الشاه شار الذهن متعثر الإستيعاب، ذلك عندما بادره الجعفري بضربة قاضية خلال مؤتمر صحفي في بغداد بتأريخ 24/2/2015 بقوله" نحن ايضا ننفتح على داعش بكل اعضائها، وننفتح ايضا خارج داعش على اي دولة تقدم المساعدة للعراق كما قدمت الصين، وعندما كنتُ في أستراليا ونيوزلندا طلبتا الالتحاق والانضمام إلى داعش، ورحَّبنا بهما". لم يعلق الوزير الضيف! وعن ماذا يعلق؟ لقد ألجم الجعفري لسانه، واصاب فمه الشلل.
في الموقف من عاصفة الحزم التي تقودها السعودية ضد نظام الملالي وأعوانهم الحوثيين في اليمن كان الجعفري يمثل حزبه في طرح رؤياه وليس الحكومة العراقية، لأن نائب رئيس الجمهورية إسامة النجيفي وكتلته وأحزاب أخرى أيدت الحرب على الحوثيين، ورئيس الحكومة حيدر العبادي إلتزم الحذر والحيادية في موقف إعتبره الكثير من السياسيين متوازن نسبيا، على عكس الأحزاب الشيعية التي تلتزم بتوجيهات ولاية الفقيه حرفيا وإنجرت إلى موقف إيراني منحاز لميليشيا الحوثي. أعتبرت حكومة العبادي تصريح وزيرها الجعفري بإدانة موقف الدول العربية المؤيدة لعاصفة الحزم تعبير عن رؤيته الشخصية! من خلال قوله " استجلاب القوى من الخارج ليس صحيحاً"! بالطبع يقصد هذه الحالة فقط! لأن إستجلاب القوات الأمريكية لغزو العراق لا غبار عليه، واستجلاب الحرس الثوري الإيراني للعراق لا غبار عليه! وقوله أيضا" على القِمّة العربيّة أن تبذل جُهُوداً سياسيّة مُكثـَّفة لوضع الحلِّ الأمثل للقضيّة اليمنيّة بما يبتعد عن الحلِّ العسكريّ". نتساءل هل وضعتم حلولا سياسية ممكثفة لمعالجة القضية العراقية بالإبتعاد عن الحل العسكري؟ بلا أدنى شك أن تصريحات الجعفري المتعارضة مع موقف الحكومة والرئاسة تعتبر حالة شاذة في العلاقات الدولية، لأنه لا يوجد وزير خارجية في العالم يمثل نفسه أو حزبه إلا في العراق الجديد!
من عجائب إبراهيم جعفري إنه نسى نفسه، متصورا إنه ناطق بإسم الخارجية الإيرانية عبر قوله" إن إيران ترفض وجود التحالف الدولي على الأراضي العراقية، ومثلما للتحالف قلق من وجود إيران على الأرض، إيران ترفض وجود التحالف الدولي على الأرض العراقية وكذلك بقيّة الدول". حسنا! الا يوجد في إيران وزير خارجية وناطق بإسم الوزارة حتى توكل المهمة الى الجعفري؟ وكيف يسمح الوزير لنفسه أن ينتقص من سيادة العراق المزعومة بالقول ان ايران ترفض وجود التحالف في العراق؟ ما شأن إيران بسيادة العراق؟
من دلائل مرض وزير الخارجية إنه نسي بأن نهري دجلة والفرات ينبعان من تركيا، وليس من إيران كما صرح، نقول نسي بفعل المرض أو الزهايمر، لأن أي طالب في الصفوف الإبتدائية يعرف من أين ينبع الرافدان. وزاد الطين بلة إعتباره ان الحكومة الطائفية التي يمثلها هي حكومة ملائكية! قل أبالسة وشياطين ودجالين وفاسدين، لكن ليس ملائكية! إن كانت حكومتك حكومة ملائكة، فكيف تكون حكومة الشياطين يا ترى؟ ربما نسي الوزير أن أهم منجزات حكومته الملائكية إن" عدد النازحين بلغ ٣،٧ مليون نازح ومهجر، وخسائر العراق النفطية تجاوزت ٦٠ مليار دولار وخسائره في البنى التحتية تجاوزت ٤٠ مليار دولار"، هذا حسب تصريح هشام الهاشمي مستشار رئيس الوزراء. وأن العراق إحتل المركز 170 عالمياً من حيث الفساد السياسي والإداري، وهو بذلك ثالث أسوأ الدول العربية، حسب مؤشرات منظمة الشفافية العالمية. وأن العراق يتصدر الآن المركز الأول في مؤشرات الإرهاب العالمي، حسب تقرير معهد الاقتصاد والسلام. وذكر رفيق درب الجعفري في مسيرة العمالة احمد الجلبي ( رئيس اللجنة المالية البرلمانية) إن" نحو ثلث موازنة العراق 2014 تم صرفها دون اي وثائق! وإن مليار دولار تم توزيعها على شخصيات وكتل سياسية لضمان موقفهم في تقرير الولاية الثالثة للمالكي". وذكر مسعود حيدر عضو اللجنة المالية النيابية " كان الفائض المالي للعراق 150 مليار دولار منذ 2004 ولغاية 2012 والارصدة المدوّرة النقدية 95 مليار دولار، الا ان لدينا ارصدة مدّورة تبلغ ملياري دولار فقط ، اما الـ93 مليار دولار الأخرى فقد ذهبت أدراج الرياح". كما أعترف محافظ بغداد علي التميمي في 7/1/2015 " أن هناك تسعة آلاف مشروع وهمي في العراق قيمتها 226 ترليون دينار، أي نحو 200 مليار دولار، وأن هذا المبلغ هو الموازنة التشغيلية لأربع سنوات مضت". وكشف وزير المالية هوشيار زيباري عن" انقاق الحكومة اكثر من مليار دولار على المليشيات التي تقاتل مع الجيش الحكومي". كما كشفت منظمة ابن العراق بالتعاون مع منظمة التنمية الدولية في العراق ومكتب الأمم المتحدة، عن" وجود نحو مليونين ومئتي ألف يتيم في عموم مناطق البلاد". وصرح عادل عبد المهدي(وزير النفط حاليا) في مقابلة مع صحيفة فرنسية، " قامت حكومة المالكي بسرقة 200 مليار دولار من خلال 6000 مشروع وهمي، وتهريب 70 مليار دولار عن طريق غسيل الأموال والتهريب المباشر". وذكر المعهد الحكومي في مدينة بازل بسويسرا ان "العراق احتل المرتبة السادسة عالميا في الاعلى خطرا في مستوى غسيل الأموال". كما أفادت دراسة حديثة نشرها معهد جالوب لقياس الرأي العام بأن" دولة العراق هي الأتعس من بين كل دول العالم، وجاءت إيران في المرتبة الثانية". أي حذو النعل بالنعل! ناهيك عن إرتفاع مستوى الأمية الى (6) مليون، والأرامل الى أكثر من مليون ومستوى الفقر الى 45% ومستوى البطالة 35% وإنتفاء الكهرباء والماء الصالح للشرب وغيرها من الأزمات. إن كانت حكومة الجعفري ملائكية! فليحدثنا فيلسوف الشفافية عن حكومة الأبالسة لنفهم الفرق بينهما!
في آخر مهزلة في وزارة الخارجية، كانت موافقتها أولا على تعيين السفير السعودي الجديد في العراق (ثامر السبهان) كنوع من الإنفتاح على العرب، وهو إنفتاح محدود وبشروط إيرانية محددة سلفا. لكن المفاجأة الكبرى أن زعيم المجلس الأعلى للثورة الإيرانية / فرع العراق (عمار الحكيم) كان أول من رفض هذا التعيين! فقد دعت كتلة المواطن الحكومة العراقية" إلى عدم الموافقة على السفير السعودي الجديد في العراق وذلك لعدم كفاءته. وان السفير السعودي المعين في العراق شخصية غير مؤهلة ولا يتمتع بالمواصفات المطلوبة لشخصية السفير"، ودعا البيان إلى " استبداله بشخصية تكون مؤهلة للعمل كممثل للدبلوماسية السعودية في العراق، وعلى وزارة الخارجية عدم الموافقة على السفير السعودي، وعليها ان تطالب باستبداله". لاحظ مصدر الخبر الأصلي! ذكرت وكالة أنباء فارس الإيرانية في 6/6/2015 " أن مهمة السفير السعودي الجديد في بغداد هي مراقبة تحركات الجنرال قاسم سليماني، قائد الفيلق القدس الإيراني التابع للحرس الثوري، وترتيب أمور أهل السنة العسكرية والإشراف على جيش الأنبار ووقف المد الإيراني في العراق والحد من نفوذ الحشد الشعبي. إن تغيير السفير السعودي الجديد في العراق ثامر بن سبهان السبهان بات مسألة وقت لا أكثر، مع إثارة السيرة الذاتية للسفير حفيظة الساسة العراقيين، لكونه شخصية عسكرية لا دبلوماسية". مع هذا يقولون بلا حياء ان الأحزاب الشيعية في العراق غير خاضعة لنفوذ وتوجيهات ولاية الفقيه.
رفض الحزب للسفير حالة فريدة من نوعها في العلاقات الدولية، وهي تدل على جهل مطبق، وغباء دبلوماسي مميز! لأن الموافقة على الوزير حصلت من قبل رئيس الوزراء ووزارة الخارجية، وتم تبليغ الجانب السعودي بها، ولم يبقى سوى تقديم أوراق إعتماده. ولا يحق لأي حزب مهما كان تمثيله في الحكومة أن يرفض تعيين سفير أجنبي، لأن هذا الأمر ليس من إختصاصة! كما إن اتفاقية هافانا عام 1928 وفينا عام 1961 أوجبت على الدول أن تعمد الى استخراج بعضها البعض قبل الاقدام على تعيين رؤساء بعثاتها، فقد نصت المادة الرابعة من اتفاقية فينا عام 1961 على أن الاستمزاج هو شرط ضروري، يسبق التعيين النهائي لرئيس البعثة الدبولماسية يجب على الدولة المعتمدة أن تتأكد من قبول الدولة المعتمدة لديها للشخص المزمع اعتماده رئيساً للبعثة المنشأة فيها.
وجاء في المادة/4 من اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961 " يجب على الدولة المعتمدة أن تتأكد من الحصول على موافقة الدولة المعتمد لديها قبل أن تعتمد مرشحها رئيساً لبعثتها لدى الدولة الثانية". وهذا ما حصل بين الطرفين العراقي والسعودي. وجاء في المادة/9 " ليست الدولة المعتمد لديها مضطرة لأن تذكر للدولة المعتمد أسباب رفضها قبول الممثّل المقترح". بمعنى إن وزارة الخارجية العراقية كان بإمكانها أن ترفض تعيين السفير السعودي الجديد دون الحاجة إلى توضيح الأسباب، فقد أعطتها الإتفاقية هذا الحق. عندما رفضت الكويت تعيين السفير العراقي بحر العلوم، فإنها قامت بإجراءات أصولية، فقد رُفض الترشيح من قبل وزارة الخارجية (أي لم تصدر موافقة مسبقة)، وهو إجراء سليم، كما إنها تحفظت على بيان أسباب الرفض، حسب الإتفاقية الدولية.
لذا فأن إدعاء المجلس كتلة المواطن بعدم كفاءة السفير لا يجوز أن تصرح به، لأنه خارج نطاق عملها وعمل وزارة الخارجية نفسها. ثم كيف عرفت كتلة المواطن بأن السفير غير كفوء؟ هل تبعية لولاية الفقيه أم ماذا؟ وهل سفراء العراق بعد الفضائح التي سمعناها ورأيناها هم من الكفوئين؟ إن هذه المواقف المخزية تجعل العراق من جهة، ووزارة الخارجية العراقية مسخرة أمام العالم.
لو كانت كتلة المواطن تفهم العلاقات الدولية والإتفاقيات التي تحكمها، لأكرمت وزارة الخارجية بصمتها، من خلال إعطاء فرصة للسفير الجديد والتعرف على نشاطاته وجديته في الرقي بالعلاقات الثنائية، وبناء علاقات سليمة معه والإنفتاح على القطر الشقيق، وليس عن طريق الطيرة والضرب بالرمل من خلال الحكم عليه بعدم الكفاءة قبل أن يمارس عمله. وإذا تبين فعلا إن السفير غير مرغوب به لسبب أو آخر، يمكن لكتلة المواطن تخاطب اللجنة البرلمانية المعنية بالخارجية بأمره، وبعدها يمكن للحكومة العراقية أن توعز لوزارة الخارجية بأن يبلغ الجانب السعودي بضرورة إستبدال السفير بإعتباره شخص غير مرغوب به وفقا لإتفاقية جنيف (غالبا ما يكون السبب عندما تكون نشاطاته تجسسية أو يتدخل في الشأن الداخلي كالسفير الإيراني في العراق ـ دون الإشارة ألى الأسباب الداعية، لأن الحكومة العراقية غير مجبرة على بيانها، والحكومة السعودية لا يحق لها الإستفسارـ حتى لو إستفسرت مثلا ـ بإمكان الحكومة العراقية عدم الإجابة وفقا للأعراف الدبلوماسية المتفق علها ولا حرج. لقد حفظت الإتفاقية الدولية كرامة الدولة المضيفة للسفير من خلال التحفظ عن الأسباب.
كما أن هناك أعراف للياقة والمجاملة معمول بها بين الدول، لا تعرف عنها شيئا كتلة المواطن، إن القول بعدم كفاءة السفير فيه قلة أدب وتجريح للجانب الذي رشحه، والطعن بالحكومة السعودية بإعتبارها ترسل سفراء غير كفوئين يمثلوتها في الخارج. والسفير كما هو معروف يمثل الملك والرئيس لبلاده خلال عمله، ولا يجوز الطعن بكفائته حتى لوكان فعلا غير كفوء. لأن الطعن يشمل الزعامة التي أرسلته ليمثلها. أما الإدعاء بأن السفير ليس له خلفية دبلوماسية، فنسأل بدورنا هل سفراء العراق بعد الإحتلال جميعا لهم خلفية دبلوماسية؟ أم عينوا بموجب نظام المحاصصة الطائفية المبتذلة؟
وزير خارجية العراق أم حزب الدعوة؟
بقلم : علي الكاش ... 08.06.2015