في مقال سابق تحدثنا عن إزدواجية المعايير في سياسة وزارة الخارجية العراقية من خلال تعاملها مع الدول الأخرى ولاسيما الدول العربية، فهي في الوقت الذي تخرس أمام التصريحات الوقحة لأقطاب نظام الملالي في إيران ضد العراق وسيادته، فإنها تتعامل بكل صلف مع الأنظمة العربية عن إي إنتقاد يوجه للعملية السياسية التي لا ترواح في مكانها فحسب، وإنما تخطو للخلف بسرعة فائقة. ولو إستعرضنا الإساءة الرعناء التي تفوه بها مستشار الخامنئي علي يونسي بإعتبار العراق عاصمة الإمبراطورية الفارسية في الوقت الحاضر، لرأينا موقف الخارجية من التصريح موقف فتاة متوردة الخدين خُطبت للتو. ربما الموقف الشفاف للوزارة طبيعي لأن مصدره وزير الشفافية إبراهيم الجعفري، الذي لا يغادر فمه هذا المصطلح!
في الموقف الأخير لوزارة الخارجية جاء ما يثبت صحة كلامنا، والتأكيد على التخبط الدبلوماسي الذي تدور في فلكه وزارة الخارجية ولا تبارحه. فقد إستنكر شيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب في بيان له المجازر التي ترتكب ضد أهل السنة تحت مظلة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، ووصف الشيخ مرتكبي هذه المجازر بأنهم من الميليشيات الشيعية المتطرفة، وقال إن تلك التنظيمات ترتكب" جرائم بربرية نكراء في مناطق السُنة التي بدأت القوات العراقية بسط سيطرتها عليها، خاصة في تكريت والأنبار، وغيرها من المدن ذات الأغلبية السُّنية".
فجأة تحركت الديدان الساكنة في أمعاء الوزارة مسببة حكة شديدة، فإنتفضت الوزارة بقوة يوم 17/3/2015، وإستدعت في تصرف طائش وغير عقلاني أحمد درويش السفير المصري في بغداد وسلمته مذكرة احتجاج رسمية بخصوص التصريحات الأخيرة لشيخ الازهر التي وجه فيها اتهامات للميليشيات الشيعية الموالية للحكومة المعروفة باسم الحشد الشعبي". وطالبت الوزارة بيان موقف القاهرة الرسمي تجاه تصريحات شيخ الأزهر أحمد الطيب والتي وصفتها بأنها " تسيء إلى طبيعة العلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين الشقيقين، وأن أبطال الحشد الشعبي لبّوا نداء الوطن لتحرير أراضيه من دنس وسيطرة تنظيم عصابات خارجة عن قيم الدين والإنسانية".
ربما هذه أول مرة في تأريخ وزارات خارجية العالم أن تدافع وزارة خارجية عن ميليشيا مسلحة تعمل خارج الدستور، وترتكب الكثير من المجازر بإعتراف مسؤولين ونواب حكومين وبوثائق وأفلام متداولة متحة للجميع. ولو كانت الوزارة قد إتخذت نفس الإجراء مع مستشار الخامنئي وإستدعت السفير الإيراني وسلمته مذكرة إحتجاج، لربما غضضنا النظر عن تصرفها الحالي. لكن مع هذا سنناقش الموضوع من وجهة نظر عقلانية.
أولا. ان الحشد الشعبي تسمية غير صحيحة لأنه حشد طائفي وليس شعبي فهو يمثل طائفة واحدة، وجاء تلبية لدعوة المرجع السيستاني بما يسمى بالجهاد الكفائي، وهي محاولة بائسة للإلتفاف على فريضة الجهاد التي يرفضها المذهب الإثنى عشري لأن راية الجهاد لا تعلن قبل ظهور المهدي. ومن يدعي بأن الحشد يعمل وفقا للدستور، فيا حبذا لو يعطنا النص الدستوري الذي يدعم كلامه.
ثانيا. إن الحشد الطائفي لا يعترف به إلا أتباع السيستاني، فالسيد الصرخي مثلا رفضه رفضا تاما لأننه يرسخ فكرة التناحر والإنشقاق الطائفي، وقد دفع السيد الصرخي وأتباعه خسائر فادحة تدخل في مجال الإبادة البشرية وفقا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ومع الأسف الشديد أدار الرأي العام العالمي مؤخرته لهذه المجزرة. فموقف شيخ الأزهر إذن لا يختلف كثيرا عن موقف السيد الصرخي.
ثالثا. إعترفت مرجعية السيستاني بالإنتهاكات الصارخة التي قام بها عناصر من الحشد الطائفي في سامراء وتكريت والأنبار، وليس من المعقول أن يتعرض ممثل المرجع الإعلى في النجف الشيخ الثافي لهذه الإنتهامات ويحذر منها دون مبرر. كما إن السيد السيستاني أفتى موخرا بحرمة قتل الأبرياء وحرق البيوت والمزارع والممتلكات والمتاجر، ونهب المناطق التي يحررها الجيش والحشد الشعبي من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، مما يؤكد ما جاء في بيان الأزهر الشريف.
رابعا. كما ذكر مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 19/3/2015 " إن الجيش العراقي وعناصر الحشد الشعبي ربما ارتكبوا جرائم حرب خلال عملية استعادة الأراضي المحتلة من قبل ارهابيي داعش". وخلص بأن أفراد قوات الأمن العراقية والفصائل الشيعية، نفذت عمليات القتل خارج نطاق القضاء، والتعذيب والخطف والتهجير القسري لعدد كبير من الناس، وفي كثير من الأحيان مع الإفلات من العقاب". كما وثقت بعض المنظمات المحلية والعربية والدولية الإنتهاكات التي يقوم بها الجيش والحشد الشعبي ضد أهل السنة بصورة لا تقبل الشك، ومنها منظمة العفو الدولية، ومراقب حقوق الإنسان، والمنظمة العربية لحقوق الإنسان وغيرها، فقد ورد في تقرير لمنظمة العفو " نهبت ميليشيات شيعية موالية للحكومة، منازل السكان السنة ودمرت قرى بعد أن حققت نصرا على داعش في معارك دارت في العام الماضي. وإن روايات شهود العيان وصور الأقمار الصناعية أكدت أن الميليشيات أحرقت المنازل والشركات التي تخص المدنيين السنة الذين فروا من القتال في مختلف أنحاء بلدة آمرلي. فقد دمرت قريتين بالكامل بعد أن رفعت إلى جانب قوات عراقية وكوردية حصارا استمر ثلاثة أشهر على البلدة".
خامسا. حديث شيخ الأزهر يشير الى الميليشيات الشيعية المتطرفة فقط! في حين ان قطعات الجيش والشرطة تمارس نفس الإنتهاكات وربما أقسى منها، لكن شيخ الأزهر غض النظر عنها! فمجزرة الحويجة والفلوجة وآمرلي والهجوم على جماعة السيد الصرخي إرتكبتها قوات حكومية وليست ميليشيات شيعية.
سادسا. جحوش أهل السنة في البرلمان والحكومة طالبوا بوقف الإنتهاكات التي يقوم بها عناصر الحشد الشعبي، كما أن رئيس الجحوش في البرلمان سليم الجبوري إعترف بأن حقوق الإنسان في العراق أفلت بسبب الإنتهاكات الميليشياوية، فعلام النكران والإحتجاج على ما ذكره شيخ الأزهر طالمان ان النواب والمسؤولين الحكوميين ييحدثون عنها؟
سابعا. الكارثة الكبرى إن وزارة الخارجية لا تعرف بأن الأزهر الشريف هيئة مستقلة تعبر عن نفسها وليس عن الحكومة، كما جاء في الدستور المصري. فقد ورد النص التالي في دستور عام 2012 - المادة / 4(( الأزهر الشريف هيئة إسلامية مستقلة جامعة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، ويتولى نشر الدعوة الإسلامية وعلوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم. ويؤخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية. وتكفل الدولة الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، يحدد القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء. وكل ذلك على النحو الذى ينظمه القانون".وعدلت المادة عام 2013 على النحو التالي/المادة/7 ()الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، وهو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم . وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء".
إذن الأزهر الشريف وشيخه مستقلان، ولا يمثلان وجهة نظر رسمية، وهما يعبران عن رؤيتهما الخاصة في المواقف الشرعية وغير الشرعية، وليس من المنطق أن تستدعي وزارة الخارجية العراقية السفير المصري وتسلمه مذكرة إحتجاج عن تصريح الأزهر، ومن المؤسف أن السفير المصري لم يرفص تسلمها، ربما لعدم الرغبة بصب الزيت على النار.
ثامنا. شنت وكالة الأنباء الإيرانية فارس هجوما قويا على مؤسسة الأزهر بسبب إدانته للحشد الشعبي العراقي المدعوم من إيران، وبحسب مصدر استخباراتي رفيع المستوى، أدلى بتصريحات للوكالة، قال إن الأزهر دعما ماليا يقدر بثلاثة ملايين دولار أمريكي، مقابل إدانة مليشيات الحشد الشعبي. لكن الغريب ان المصدر لم يبين الجهة التي قدمت الرشوة ومن قبضها. وهل قبض الأزهر رشوة ممثلة من إيران عندما إدان داعش؟ وما قيمة (3) مليون دولار مقابل (200) مليون دولار رشوة إعترف بها رامسفيد لمرجعية النجف؟
تاسعا. يفترض ان يكون الرد على مرجعية الأزهر الشريف من قبل مرجعية النجف تحديدا، وليس وزارة الخارجية، فكلاهما مرجعيتان مستقلتان. العجيب في هذا الموضوع إن مرجعية النجف ردٌت على تصريح الرئيس السابق حسني مبارك بأن ولاء الشيعة لإيران وليس لأوطانهم، في حين لم ترد على الأزهر الشريف! في حين كان يفترض أن ترد وزارة الخارجية على الرئيس مبارك وليس مرجعية النجف. هل هو تبادل أدوار أم ماذا؟
لو عكسنا الموضوع لتقريب الرؤية فقط، وقامت مرجعية النجف بإصدار بيان ضد حكومة الرئيس السيسي، فهل تقوم وزارة الخارجية المصرية بإستدعاء السفير العراقي وتسلمه مذكرة إحتجاج؟ بالطبع لا! لأن المرجعية مستقلة وليست لسان الحكومة العراقية. ثم لمن توجه المذكرة؟ فالمراجع الأربعة غير عراقيين، والسيستاني إيراني الجنسية، فهل تستدعي السفير الإيراني في مصر وتسلمه مذكرة إحتجاج؟
عاشرا. مرجعية النجف ومقتدى الصدر وعمار الحكيم وغيرهم تدخلوا في شؤون البحرين وسوريا والقطيف ونصبوا أنفسم محامين على الرموز الشيعية في العالم العربي بل والعالم حسب تصريح الصدر. فلماذا يبخسوا حق شيخ الأزهر في الدفاع هعن أهل السنة. وأين وزارة الخارجية من هذه الفوضى؟ لماذا سكتت دهرا ونطقت كفرا؟
ليس دفاعا عن شيخ الأزهر ولكن عن الحقيقية!!
بقلم : علي الكاش ... 20.03.2015