غريب ما حدث ‘للإخوان’ في مصر والسعودية وبعض البلدان الخليجية وقبلهم في سوريا، شيطنتهم صارت صرعة ،تتم بسرعة عجيبة، كأنها عمليات عسكرية خاطفة.
النظام المصري شيطن الإخوان ومن لفّ لفّهم، و’لفّهم’هي حركة حماس فأعلنها منظمة إرهابية، ونسب لها أعمالا تخريبية، علمًا أن حماس محاصرة، و’تمشي الحيط الحيط وتقول يا رب السترة’، وإسرائيل تمنع حتى الصيادين من صيد الأسماك في بحر غزة إلا لمسافة محدودة، ويكاد أسطولها يُحدّد للغزيين حجم ونوع السمكة المسموح صيدها ،فالأسماك خطر على أمن إسرائيل، مثلها مثل الإسمنت والكهرباء ومواد التنظيف واللحوم والطحين وغيرها من حاجات إنسانية أصبحت متوفرة حتى لدى أكثر القبائل بدائية في عمق القارة السوداء، وذلك لضرب الحاضنة الشعبية لحركة حماس، ومعاقبة الناس، كي يغيّروا خيارهم وطريقة تفكيرهم. هكذا التقى الإنقلابيون في مصر مع المنتخبين ديمقراطيًا في إسرائيل في مواجهة عدو واحد مشترك هو الإخوان وأحد امتداداتهم المتمثل في حماس.
(الجمهورية السعودية الديمقراطية) الداعمة للإنقلابيين في مصر، أعلنت عن الإخوان المسلمين حركة إرهابية، وعلى طريقة جمع الفروض في حالة الخوف والذهول، جمعت بين الإخوان وداعش والنصرة وحزب الله السعودي وكل ما يمت للإسلام بصلة، ووضعتهم في قالب واحد، وكأن حكام السعودية من سلالة ملوك أسبانيا إبان طرد المسلمين من الأندلس.
هكذا ساوت السعودية بين من يقطّع الرؤوس، وبين من يخوض الانتخابات ويفوز عن طريق الصندوق، وكأنهم يقولون إن مجرّد التفكير في التغيير، وكل ما يعارض سياستنا ورؤيتنا هو إرهاب.
وكي يتم للأنظمة ما تشاء، كان لا بد من شيطنة الإعلام المعارض، إذًا كان لا بد من شيطنة’الجزيرة’ مباشر وغير مباشر، وحتى الجزيرة الرياضية، وفي العداء للجزيرة تلتقي روافد عدة من الأنظمة، من مصر إلى الجزائر إلى سوريا والسعودية وغيرها، فما هي الجريمة التي ارتكبتها الجزيرة بحقهم حتى تصبح عدوّهم الأول! ما هي العملية الإرهابية العظمى التي قامت بها ‘الجزيرة’ كي تتهم بالفاحشة والزنى وارتكاب المعاصي كلها، ويُحكم عليها بالجلد وقطع الرأس والصلب! كيف صارت الجزيرة من الضالين والمغضوب عليهم ويجب إقامة الحدّ عليها!
‘الجزيرة’ التي استشهد مراسلون لها في العراق وفلسطين وسوريا وأفغانستان، الجزيرة التي فضحت جرائم إسرائيل وخصوصًا في انتفاضة الأقصى، وكذلك أمريكا في العراق وأفغانستان ووصلت حتى غوانتنامو،الجزيرة التي تقدم التحقيقات والتقارير ذات المستويات غير المعروفة عربيًا من قبل، ما الذي أغضب الأنظمة العربية منها!
الذي تريده وتتمناه الأنظمة هو العودة إلى أيام الظل والظلام، العودة إلى أيام تمر فيه الحقيقة بألف مصفاة فلا يفلت منها إلا ما يرضى عنه النظام، ولا يصل الجمهور والعالم سوى الأخبار السارة والمنعشة والمدغدغة، كي يبقى السلطان جميلا محبوبًا شعبيًا، يحلف الجميع برأسه.
أحد شروط (الجمهورية السعودية الديمقراطية) للمصالحة مع قطر هو وقف بث الجزيرة، هذا ذكرني بمسرحية ساخرة للأطفال كنت قد شاهدتها قبل الربيع العربي ـ المذبوح- بسنين طويلة، المسرحية تتحدث عن ملك ينتظر ولادة ولي العهد بعد عمر طويل،وبعد محاولات كثيرة فاشلة تحمل الملكة وتنجب ولي العهد، إلا أن ولي العهد يولد بشعًا مخيف المنظر وكأنه مسخ، فيفكر الملك ووزيره بطريقة تحول دون رؤية ولي العهد لوجهه البشع،أو رؤية الناس له، الوزير يقترح فقأ عيون الشعب كله، ولكن الملك بعد تفكير (عميق) يرفض الفكرة الغبية التي تعني خراب المملكة، وعوضًا عن ذلك يأمر بجمع كل المرايا في المملكة، ودفنها بعيدًا في الصحراء، فلا يرى أحد نفسه بمن فيهم ولي العهد.
هكذا يبدأ الشعب بالكذب والنفاق للأمير وخصوصًا المثقفين والشعراء والكتاب الذين يتغزلون بجمال طلته البهية وحلاوة النظر إلى وجهه، ولكن المملكة تشرف على الانهيار بسبب غياب هذا الاختراع البسيط وهو المرآة، فيتململ الشعب ويطالب بتغيير الدستور الذي يحرّم استعمال المرآة.
ما تريده الأنظمة العفنة هو إخفاء الحقيقة، دفن المرايا في الصحراء، و’الجزيرة’ مرآة كبيرة ومهمة في الإعلام العربي والعالمي، ولعبت دورًا كبيرًا في رؤية الناس لوجوههم وجوانب كانوا يجهلونها، وكشفت لهم الكثير من الحقائق.
لا شك أن هناك ما يقال عن الجزيرة، فلا وجود لإعلام مطلق النزاهة، لا في بلاد العرب ولا في الغرب ولا في الشرق، ولكن مصداقية الإعلام نسبية، فهناك من يعرض الجزء الأكبر والأهم من حقيقة ما، وهناك من ينكر وجودها أصلا وفصلا، هناك مثل فلسطيني يقول’ قَطَع الحِلّة وأثرها’!وهذا يقال لمن ينكر وجود أمر ما من أصله.
شعوبنا العربية عانت الكثير من الإعلام الذي كان ‘يقطع الحلّة وأثرها’، فلا يعترف بوجود أي تحرك في البلاد إلا لمديح النظام، على طريقة الإعلام السوري الذي يبث الفيروزيات الصباحية والورود والحدائق الغناء بينما في الحي القريب من محطة البث تجري مجزرة تشيب لهولها الولدان، الإعلام الذي يتحدث عن صباح الحرية والأحرار بينما يموت الناس تحت التعذيب في أقبية التحقيق القريبة من استوديو الإذاعة، الإعلام الذي يتحدث عن الأخلاق العالية والكرامة والكبرياء الوطني والقومي بينما الفساد ينخر البلد من أصغر موظف إلى قمة هرم السلطة، الإعلام الذي يتحدث عن البناء والإعمار بينما يقوم هو نفسه بتدمير مدن وقرى بأكلمها.
طبعًا يوجد مآخذ على الجزيرة هنا وهناك، ولكن لا شك أن حضورها وبصمتها كبيرة جدًا، كانت وما زالت في صالح الشعوب العربية، وجودها فرض حتى على إعلام الأنظمة الشمولية العفنة محاولة التقليد، ومحاولة تقــــــديم الرأي الآخر ولو من باب حفظ ماء الوجه، أو من باب ورقة التين لتغطــية عورة إعلام يريد من الناس أن يسبّحوا ويشكروا ويحمدوا ويقولوا…هذا غيث وبركة..عندما يبصق السلطان على وجوههم، ولكن زمن ‘قطع الحِلِّة وأثرها’ ولى إلى الأبد، ليس فقط بسبب وجود فضائية مثل الجزيرة، بل كذلك بفضل التكنولوجيا المعاصرة، التي صار بوسع كل فرد من خلالها أن يكون قادرًا على فضح جرائم الأنظمة ووحشيتها وتفاهتها..
ما حدث في آخر الزمان للجزيرة والإخوان…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 13.03.2014