على مرأى ومسمع من أهالي قرية وادي الخليل مسلوبة الاعتراف والمهددة بالاقتلاع في منطقة النقب، جنوبي البلاد، سوّت آليات وجرافات السلطات الإسرائيلية مساكنهم بالأرض أمس، بعد هدمها بذريعة البناء دون ترخيص ولتوسعة شارع رقم 6 على أنقاضها.
وقف الأهالي ينظرون إلى القرية والجرافات والآليات تهدم مساكنهم خلال 8 ساعات متواصلة، ومشاعر الألم والحسرة تحاصرهم وتكوي قلوبهم.
عاش الأجداد والآباء والأطفال في وادي الخليل منذ عقود، حيث خرج أطفال القرية إلى دوامهم المدرسي أمس قبل بدء عمليات الهدم، وعندما عادوا إلى قريتهم لم يجدوها، بل شاهدوا أكواما من الركام وما تبقى من منازلهم، حيث منعت الشرطة والوحدات التابعة لها الأهالي من الاقتراب خلال تنفيذ الهدم والدمار، وأبقت نحو 500 نسمة من عائلة أبو عصا في العراء.
يواجه العرب في النقب منذ عقود ملاحقات متواصلة من قبل السلطات الإسرائيلية، تهدف لتهجيرهم فيتم هدم منازلهم وتغريمهم بمبالغ مالية باهظة بحجة البناء دون ترخيص، حيث شهد النقب، أمس، واحدة من أكبر عمليات الهدم تمثلت بهدم 47 منزلًا بالإضافة إلى حظائر المواشي، وأضحى قرابة 500 مواطن من وادي الخليل دون مأوى.
ولم يتخيل الشاب ناجي أبو عصا، صاحب منزل تم هدمه في وادي الخليل، أن يتم هدم قريته، وقال لـ"عرب 48" إنه "تلقينا أوامر الهدم قبل بدء الهدم بيوم أو يومين ليس أكثر، لم نكن نتوقع أن يتم تنفيذ القرار بهذا الشكل سريعا، لأن الحديث لا يدور على منزل أو منزلين إنما عشرات المنازل والعائلات، ونحن كبرنا وترعرعنا بهذه المنازل، وما حصل لم يحدث سابقا".
وأضاف أبو عصا أن "الهدم استمر لساعات طويلة وأمام أعين الأهالي، هذا المشهد سيئ وفظيع، تمنينا أن تنشق الأرض وتبتلعنا قبل أن نرى بيوتنا وهي تهدم".
وأكد أن "كل المحاولات التي يقومون بها لم ولن تكسرنا، على العكس تزيدنا قوة وإصرارا وثباتا على هذه الأرض التي لنا، وبإذن الله لن يتحقق مرادهم من خلال هذه الأعمال والهدم والدمار، باقون هنا ولن نترك أرضنا" أبدًا.
وأوضح أنه "نسكن في وادي الخليل قبل قيام هذه الدولة وقبل شق شارع رقم 6، أنا أبلغ من العمر 30 عامًا ولدت هنا، ووالدي ولد أيضا هنا وجدي كذلك، نحن هنا على هذه الأرض منذ عقود ولا يمكن اقتلاعنا منها، وحتى لو تم اقتلاع الأشجار والمنازل سنبقى نتشبث بالأرض ولن نتحرك من هنا مهما حصل، سنضع خياما ونعيش على أرضنا".
وختم أبو عصا حديثه بالقول إن "ما تسمى سلطة توطين البدو وكافة السلطات الإسرائيلية تعمل كل هذا بهدف تهجير العرب من النقب ونقلهم إلى مناطق أخرى".
عندما خرج الطفل محمد أبو عصا من منزل العائلة كانت الآليات قد بدأت باقتحام القرية، توجه إلى المدرسة وعندما عاد لم يجد منزل أسرته فقد تم هدمه وعشرات الساكن الأخرى، قال الطفل لـ"عرب 48" إنه "توجهت إلى المدرسة في الصباح لأنها بعيدة عن القرية، حينها كانت الجرافات تقتحم القرية ولكن والدتي أصرت أن أذهب فتوجهت إلى المدرسة، وعندما عدت لم أجد المنزل وحتى ألعابي وكتبي التي كانت في غرفتي، حزنت وبكيت ولكنني تذكرت أطفال غزة وهم يحملون كتبهم من بين الركام".
يبدي الطفل خوفه "لا أعرف أين سننام بعد هدم منزلنا، إذ أنني كنت أنام أنا وشقيقي في غرفة، نخاف من الليل، ولكننا سنبقى هنا لأننا نحب قريتنا التي كنا نلعب فيها أنا وأصدقائي".
ومن عنده، لم يتوقع الشاب حسام أبو كف، أن يتم هدم جميع المنازل لأقاربه وأصدقائه في وادي الخليل بهذا الشكل، وقال لـ"عرب 48" إنه "لم نكن نتوقع أبدا أن تتحول القرية إلى حطام وركام لفعل هذا الدمار الشامل، إذ أنها باتت مسطحة ولم يبق أي منزل كما كان، وما يحصل هو نتيجة السياسات المتبعة من هذه الحكومة التي تعمل كل شيء حتى تشبع رغبات وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير. لم تُنفذ في السابق جرائم هدم بهذا الشكل وبهذه الوحشية، وهذا ينذر بأن المرحلة المقبلة التي ستكون صعبة دون شك".
يفند أهالي وادي الخليل رواية السلطات الإسرائيلية بشأن هدم المنازل، ويقول الشاب حسام أبو كف لـ"عرب 48" إن "هدف الشرطة وسلطة توطين البدو والسلطات الإسرائيلية ليس فقط شق شارع رقم 6 عبر أرضنا، بل أيضا إحداث شرخ بين أهالي القرية والعائلة التي تسكن بهذه المنطقة، وهدم المنازل يهدف لتهجير الأهالي ونقلهم للعيش في مناطق أخرى وعلى أراض ليست لهم، وبالتالي هذا يفاقم أزمة العنف والجريمة ويشرذم الأهالي من خلال الجريمة. السلطات لم تقترح مكانا بديلا للأهالي، بل جاءت وهدمت ودمرت وخرجت دون إيجاد حل لأهالي القرية.
وأشار أبو كف إلى أن "الأهالي في حالة يرثى لها لأن المنازل التي هدمت كانت تسكنها عائلات كاملة ونساء وشباب وأطفال ورُضّع، والآن باتوا بدون مأوى. بعض هذه العائلات يريد العودة وينام تحت الأشجار وعلى ركام المنازل".
وختم أبو كف بالقول إن "ما يحصل هو تهجير بكل معنى الكلمة، إذ أن قوات الشرطة دخلت وأخرجت الناس وتم هدم المنازل، وهذه المنازل منذ عقود مبينة وليست جديدة، وهذا مخطط لتهجير الأهالي من هذه الأرض خصوصا ومن النقب بشكل عام".
وخلال مشاهدته الدمار الذي تقوم به آليات الهدم، قال الشاب عيسى أبو عصا لـ"عرب 48" إنه "خلال مشاهدتي هذا الدمار لم يخطر ببالي سوى الأطفال الذين خرجوا إلى مدارسهم من القرية، بين هذه القوات والآليات التي هدمت منازلهم، إذ أن الأطفال توجهوا إلى المدرسة وعندما عادوا من الدوام المدرسي لم يجدوا المنزل الذين ولدوا وترعرعوا به، ما حصل سيضر بالأطفال بشكل كبير، إذ أن الطفل الذي شاهد هذا الدمار ومن غير الممكن أن ينسى هذا المشهد أبدًا".
ويسكن الحاج أبو مهدي في قرية أم بطين المجاورة لقرية وادي الخليل منذ عقود، ولم يتخيل للحظة أن يستيقظ يومًا دون رؤية قرية وادي الخليل التي مُسحت بعد هدمها من قبل السلطات الإسرائيلية.
وقال أبو مهدي لـ"عرب 48" إن "هدم قرية وادي الخليل جريمة بحق الإنسانية والأطفال والمجتمع، إذ أنه تم مسح المساكن بالكامل عند خروج الأطفال إلى المدارس".
وأكد أن "ما يحصل هدفه واحد ووحيد وهو تهجير أهالي النقب من أرضهم، وهذا المخطط يقف من خلفه وزراء الحكومة الإسرائيلية وعلى رأسهم إيتمار بن غفير وألموغ كوهين، واليوم يتم تحقيق هذه المخططات التي تهدف إلى إفراغ النقب من أهله وأصحابه الأصلانيين، ولكن مهما حاولوا ومهما فعلوا سنبقى هنا في بيوتنا وعلى أرضنا".
المصدر : عرب 48
بئر السبع :هدم المنازل في النقب: أهالي وادي الخليل يتشبثون بأرضهم ويرفضون التهجير!!
بقلم : الديار ... 09.05.2024