أحدث الأخبار
الخميس 28 آذار/مارس 2024
حوار مع د. أبو ربيعة : المرأة الفلسطينية في النقب ضمن القانون خارج العدالة !!
بقلم : سليمان أبو ارشيد ... 13.11.2022

في كتابها "ضمن القانون وخارج العدالة - تعدد الزوجات والمواطنة الجندرية والكولونيالية في القانون الإسرائيلي"، الذي صدر مؤخرا باللغة العبرية، ترى د. راوية أبو ربيعة أن تقاطع النظام البطريركي الأبوي مع النظام الاستعماري الاستيطاني في فلسطين، تسبب في تفاقم مأزق النساء الفلسطينيات المسلمات، لأن احتكار الدين في إسرائيل لم يسمح بالسيطرة الجنسانية فقط بل هو يوظف في خدمة أهداف "قومية وقومجية" (صهيونية) أيضا، مما يجعل الأسئلة المتعلقة بتنظيم قوانين العائلة تبدو كقضية مركزية في إرساء العلاقة بين دولة إسرائيل وبين البدو الفلسطينيين ويجعل الأجوبة عليها محكومة باعتبارات تعكس النشاط الاستعماري الاستيطاني الشامل.
وتقول د. أبو ربيعة، إن كتابها يرى في "الاستعمار الاستيطاني" بمثابة إطار سياسي واجتماعي مركزي يندرج ضمن السياسة الحكومية الإسرائيلية وتطبيق القانون على المجتمع البدوي. وترى في نموذج الاستعمار الاستيطاني نموذجا لفحص الحالة السائدة لدى الشعوب الأصلانية الواقعة تحت حكم أنظمة استعمار استيطاني في أنحاء مختلفة من العالم، وبشكل خاص في أستراليا والولايات المتحدة وهو نموذج يقتفي أثر التجارب المشتركة لهذه الشعوب في بعدها التاريخي وبعدها الراهن.
ويتميز الاستعمار الاستيطاني عن الاستعمار التقليدي، كما تقول، بهدفه الرئيسي وهو الحصول على الأرض لتحويل المستعمرة الجديدة إلى بيت للمحتلين ويعتمد على عملية نقل السكان الأصليين من أرضهم بواسطة الطرد أو المحو الشامل ماديا ومعنويا.
وعليه فإن البدو كجزء من الأقلية العربية الفلسطينية الأصلانية كانوا عرضة لعمليات اقتلاع وتهجير ومحو ثقافي، وقعت واستمرت منذ قيام الدولة وحتى اليوم.
وتشير في كتابها إلى أن البدو جرى تعريفهم من قبل الاستعمار البريطاني، كـ"آخرين وبدائيين وغير متحضرين" لم يتغير نمط حياتهم منذ عهد النبي محمد، وهي نظرة استنسخت لاحقا من قبل موظفي دولة إسرائيل الذين استخدموها كجزء من المنطق الاستيطاني الشامل.
وتنجلي نظرة إسرائيل إلى البدو، من خلال تصريحات موظفي السلطة بوصفها نظرة فوقية كولولونيالية تعتمد على آراء مسبقة عنصرية، وترى أن ثقافتهم هي جزء من "هويتهم المتخلفة"، وأن البدو "مجرمين ومتخلفين" يتبعون لمجموعة سكانية "تعدد الزوجات" راسخة في ثقافتها.
ويسرد الكتاب كيف أقام الاستعمار البريطاني، "المحاكم العشائرية البدوية" للامتناع عن "المواجهات" والحفاظ على "الاستقرار الإقليمي"، بعد أن قام بتصنيف البدو كمجموعة ذات خصائص مميزة يجب حكمها بواسطة أجهزة قضائية وإدارية خاصة.
وترى أبو ربيعة أن إقامة "المحاكم العشائرية" وسن قوانين خاصة بالبدو، ساهمت في بلورة البدو كمجموعة قبلية كولونيالية مميزة لكي يتسنى للاستعمار البريطاني السيطرة عليها بنجاعة، كما أن التشريع الكولونيالي البريطاني الذي منع تعدد الزوجات لم يسر على البدو بصفتهم ينتمون للسكان المسلمين.
ويكشف الكتاب كيف أدت المصالح السياسية للمحتلين في فلسطين إلى توجهات متناقضة، فمن جهة سن الانتداب البريطاني قوانين إصلاحية ضد زواج القاصرات وتعدد الزوجات بينما قام من جهة أخرى بإعفاء المسلمين من عقوبة مخالفة هذه القوانين، بادعاء أن هذه العادات راسخة عميقا في ثقافة السكان الأصليين ومصدرها في تقاليد قديمة وفي الديانة الإسلامية.
ورغم تطبيق دولة إسرائيل لقانون منع تعدد الزوجات على المسلمين، بخلاف السلطات الاستعمارية البريطانية، إلا أن وضع قوانين الزواج والطلاق تحت مظلة القانون الديني الشرعي أبقى تعدد الزوجات ساريا في الواقع العملي، ناهيك عن أن اعتبار قضية الزواج والطلاق جزءا من الحيز الخاص وجعل الدولة حذرة في مسألة تحويلها إلى قضية جنائية.
كما أنه وفي أعقاب احتجاج المسلمين جرى إدخال تعديلات تدريجية على القانون وتوسيع دائرة الإعفاءات التي تجيز "تعدد الزوجات"، وهي الظاهرة التي ما زال المجتمع البدوي الفلسطيني في النقب يعاني منها حتى اليوم.
وبهذا الصدد، حاور "عرب 48" الباحثة والمحاضرة في القانون، د. راوية أبو ربيعة، لإلقاء مزيد من الضوء حول موضوعات الكتاب.
"عرب 48": عنوان الكتاب وقضية الربط أو التقاطع بين البطريركي والكولولونيالي مسألة مثيرة وجديرة بالاهتمام، كذلك الأمثلة التي أوردتها في الكتاب والتي يمكن إدراجها في سياق مقايضة الاجتماعي بالسياسي، أي عدم المس بالمبنى الاجتماعي من قبل المستعمر مقابل السيطرة السياسية أو لتسهيل السيطرة السياسية على سكان المستعمرة..
د. راوية أبو ربيعة
أبو ربيعة: الكتاب كما يقرأ من عنوانه "داخل القانون خارج العدالة"، هو محاولة لتناول قضية تعدد الزوجات في المجتمع البدوي الفلسطيني في النقب وعدم تطبيق القانون الجنائي في هذه القضية، كانعكاس للحالة الاستعمارية وسيطرة الاستعمار الاستيطاني في فلسطين.
وأنا أحاول أن أظهر كيف جرى توظيف عدم تطبيق القانون في هذه القضية كجزء من أجهزة السيطرة، وكيف يتم بسط هذه السيطرة من خلال تعزيز قضايا تخص الحيز العائلي والقانون العشائري، وقد بينت كيف أن حالات الزواج المتعدد الزوجات كانت تعرض على المحاكم الشرعية بعد حصول هذا الزواج بشكل عرفي وخارج القانون المؤسس للزواج.
لقد أثرت السلطات الاستعمارية البريطانية ثم الإسرائيلية لاحقا، الحفاظ على المبنى التقليدي الأبوي والعشائري وحتى تعزيزه، في بعض الحالات، بغرض توظيفه في تثبيت سيطرتها السياسية على السكان الأصليين.
وقد عمل الاستعمار البريطاني في الإبقاء على البدو كمجموعة قبلية بواسطة دمج "المحاكم العشائرية" في جهاز القضاء العام وبواسطة "قانون جنائي" فصل على مقاسهم صدر عام 1918، تبعه سن "أنظمة القانون العشائري" في 1935 ثم سن "أمر منع الجرائم" في 1937 وتشريع "قانون المحكمة العشائرية" وسن "أنظمة الرقابة على البدو" في 1942.
هذا النظام بقي معمولا به في قضايا الزواج والطلاق، بشكل أو بآخر، في سنوات الحكم العسكري حيث أقيمت المحكمة الشرعية في بئر السبع فقط في بداية السبعينيات.
"عرب 48": هم استخدموا سياسة فرق تسد الاستعمارية وعززوا عزل المجتمع البدوي عن محيطه الفلسطيني، عبر تعظيم الخصائص المشتركة والموحدة وتوظيفها كعوامل تفرقة بين أطياف هذا الشعب..
أبو ربيعة: هذا من جهة ومن جهة أخرى حاولوا مصادرة الهوية الجامعة وبلورة مفهوم أن البدو رجال صحراء "بدائيين" لا تربطهم صلة بالأرض أو بسائر المجتمع الفلسطيني، بسبب نمط حياتهم المتنقل، كما جرى إقصائهم والتمييز ضدهم وتصويرهم كعقبة أمام تطور الدولة، يجب إزالتها بواسطة مشاريع توطين من جديد، وهو ما قامت وما زالت تقوم به إسرائيل حتى اليوم بهدف السيطرة على الأرض والسكان أيضا.
هو نوع من القول لندعهم يعيشون حياتهم الاجتماعية في قضايا الأحوال الشخصية والتنظيم الداخلي كيفما يشاؤون، ونستثمر هذا التسامح في السيطرة السياسية الاستعمارية على المكان وهم بذلك كانوا يحولون القوى البطريركية إلى وكلاء لتثبيت سيطرتهم على السكان أيضا.
"عرب 48": يتضح أن إسرائيل سارت على هذا النهج الاستعماري البريطاني واستنسخت الكثير من أساليبه وقوانينه بهذا الخصوص، كما يتضح من الكتاب..
أبو ربيعة: صحيح، في قضايا الأحوال الشخصية بقي النظام العشائري والمشايخ هم المرجع حتى بداية السبعينيات حين أقيمت محكمة شرعية في بئر السبع، بمعنى أن العرف الاجتماعي كان هو السائد وليس العرف الديني.
وحتى بعد أن أقيمت المحكمة الشرعية، فمن مراجعتي لكثير من ملفات تلك الفترة لغرض البحث، تبين أن المحكمة كانت في الغالبية العظمى من الحالات تصادق على زواج حاصل أو طلاق حاصل، بمعنى أن إجراءات الزواج أو الطلاق كانت تجري خارجها.
"عرب 48": الغريب أن الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي عزز هذا التوجه رغم تناقضه مع "نظرية الديمغرافية" التي يتبناها وهاجس الخطر الديمغرافي من العرب الفلسطينيين الذي يؤرقها..
أبو ربيعة: الكتاب يبين أن الحالات الوحيدة التي تسعى إسرائيل فيها إلى تطبيق القانون في قضية تعدد الزوجات هي عندما تكون الزوجة من الضفة الغربية أو قطاع غزة، كما أن اللجنة الأولى التي أقامتها لبحث هذه الظاهرة تشكلت عام 1981 كانت برئاسة الحقوقية بيئا البيك التي اشتهرت بمرافقتها لإنشاء التشريعات القانونية للمستوطنات.
لقد أقاموا هذه اللجنة بعد أن تبين لهم تسجيل أطفال عرب من زيجات متعددة الزوجات من قبل نساء من الضفة الغربية وقطاع غزة، عندها فقط تحركوا بدعوى "الخطر الأمني الديمغرافي" وليس لحماية النساء العربيات البدويات والحفاظ على حقوقهن.
اللجنة الثانية هي "لجنة بلمور" التي أقامتها وزيرة القضاء السابقة، أييلت شكيد، عام 2017 لنفس الدواعي والأسباب أيضا، وسبقها إصدار إجراء قانوني جديد يتعلق بتطبيق عقوبات مخالفة لتعدد الزوجات.
في الحالتين كان المحرك هو ما يدعونه حول الخطر "الأمني الديمغرافي" أو ما يسمونه اعتباطا تطبيق حق العودة للفلسطينيين، بشكل غير مباشر، والذي تحت ستاره قاموا بسن "قانون المواطنة" الذي يعرف بقانون منع لم شمل الفلسطينيين.
"عرب 48": من الواضح كما يبدو أن المرأة الفلسطينية في النقب أو الجليل أو غيرها من المناطق لن تترجى الخلاص من إسرائيل، ولكن ما هو حجم الظاهرة اليوم؟
أبو ربيعة: هناك نسبة رسمية في أعقاب اللجنة الأخيرة، هي 18.5% ولكن النتائج التي حصلت عليها في بحثي بلغت 30% تقريبا، ومن الواضح أن الحالة الكولونيالية عززت هذه الظاهرة بسبب عدم تطبيق القانون وتعزيز المنظومة العشائرية ومحاولات فصل البدو عن شعبهم الفلسطيني في الداخل في إطار سياسة فرق تسد الاستعمارية.
ولكن بالمقابل يجب أن نقول ما علينا وأن ننتقد أنفسنا أيضا، ونعترف أن هذه الظاهرة هي جزء من النظام الذكوري في مجتمعنا، وأن هناك تسامح يصل إلى حد شرعنة هذه الظاهرة من قبل المجتمع.
*حاورها: سليمان أبو ارشيد
**تحرير: ربيع سواعد

***المصدر : عرب 48
1