تحلّ السّبت، الذكرى الثانية لإعدام السلطات الإسرائيليّة للمربّي يعقوب أبو القيعان، خلال اقتحامها لقريته، أم الحيران، حيث هدمت 12 منزلًا و8 منشآت زراعية.
زيارة أبناء الشهيد يعقوب أبو القيعان تَصعُب أكثر على من عايَش استشهاد والدهم. دروس الأرض والشهادة في سبيل حمايتها ظاهرة في أم الحيران، وهبة أهل النقب بعشرات الآلاف لاسترجاع جثمانه من أيدي قتلته ما تزال عالقة في الذاكرة، لم يفرّط أهل النقب بحق الشهيد، ولكنّ تطوراتٍ جديدةً وقصصًا من بيت الشهيد يعقوب أبو القيعان تُظهر جانبًا من المعاناة المستمرّة لأبناء الشهيد لم يظهر حتى اللحظة للعلن، لكن مسبّب المعاناة هذه المرة لم يكن السلطات الإسرائيليّة.
إلى جانب قضية سلْب السلطات الإسرائيليّة لحياة يعقوب أبو القيعان، كشفت شهادات عائلته لــ"عرب 48" تساؤلًا آخر: هل سلب ممثلو أم الحيران حقّ أبنائه اليتامى؟
عصفت الرّياح بشّدة في تلك الليلة، وأضافت جبال أم الحيران للجو برودةً قاسية. ليست هذه أم الحيران كما تركناها سابقًا، هي الآن أقلّ حياةً وأكثر كآبةً.
كان صعودُ التّلة التي يقع عليها منزل الشهيد يعقوب أبو القيعان، المهدوم على أيدي قوات الهدم الإسرائيلية، أصعب من المرّات السابقة. بسبب البرد وصعوبة المشهد، في المكان بيت نصفه من الصفيح والنصف الآخر خيمة واهية هي كل ما يحمي الأطفال من برد الشتاء وعصف رياحه التي يكاد هجومها أن يقتلع البيت من أساسه، يعيش في المنزل أبناء يعقوب وأرملته رابعة أبو القيعان.
في بيت الشهيد يعقوب أبو القيعان يعيش 7 أبناء و3 بنات، منهم الطبيب، المعلمة والطالب الجامعي، يعيشون حياتهم ويسطرون معاملاتهم وأحلامهم تبعًا للدروس التي تعلّموها على أيدي من لعب دور الأب والمربي والمعلم.
مثّل الشهيد يعقوب أبو القيعان العالم كله لأبنائه وبناته، كما يقولون، وعند زيارتهم والحديث معهم تفهم أن هذا ما فقدوه وأنهم تركوا وحدهم في وجه العالم.
يستقبل أبناء وعائلة الشهيد يعقوب أبو القيعان في أم الحيران ضيوفهم بحرارة، حميميّة وكرم ضيافة سبّاق. تتوسط الجّلسة مدفأة حطبٍ عليها وعاء لتسخين الماء المعدّ للاستحمام والاستخدام المنزلي. تلتفّ المقاعد البلاستيكية حول المدفأة هربا من البرد، انعدام مقوّمات الحياة الأساسيّة من البيت الذي تعيش فيه العائلة منذ عامين ظاهرة للعيان. بيتٌ يتسرّب البرد والمطر إليه من سقفه الواهن وجدران الصفيح الضعيفة".
غمرَ الحزنُ والقهرُ رابعة أبو القيعان عند استذكارها وسردها للقصة لـ"عرب 48"، ووصفت بحرقة المعاناة المستمرّة منذ سنتين لها ولأبنائها قائلةً"لم يبقَ لنا شيء. الزوج قُتل، والبيت هُدم والمال القليل انتهى والأغنام ماتت. خرجت من منزلي لا أملك غير عباءتي. نحن نعاني منذ عامين من البرد والحرّ ولم تتوقف المصائب منذ فراق يعقوب بل أتت تباعًا. خلال عامين من التشرد والوعود الفارغة التي التزم بها الكثيرون ولم يفِ بها أحد بقينا ننتظر أن نأخذ حقنا في السّكن واضعين الأمل في من مثّلوا قرية أم الحيران ووثق بهم الشهيد يعقوب أبو القيعان ولم يتركهم، ووضع أبناءه أمانةً في رقابهم ولكن الجميع تنكر لنا".
وأضافت"بنينا خيمتنا على ركام بيتنا المهدوم في انتظار الفرج. وفي حين بدأ العديد من أهالي أم الحيران ببناء بيوتهم في الحارة الجديدة داخل قرية حورة، بقينا نحن ننتظر أن نتلقى ما وعدنا به، وهو 15 قسيمة بناء تقسّم على كل أفراد عائلة الشهيد وأقربائه، وخلال انتظارنا، هاجمتنا الرياح وواجهنا البرد والحر القاتل في الخيمة التي لم نملك غيرها.لم نتوقع أنّ الذين أقسموا بحياة أبنائهم على تحصيل حق أبناء الشهيد من السلطات الإسرائيليّة، وإعطائهم الأولوية في السكن والتزموا ببناء البيت المهدوم على نفقتهم الخاصة إذا أخلفت الدولة وعودها، أن يتنصلوا ويتاجروا بدماء شهيد ضحى بحياته لأجل قضيتهم".
أكملت أبو القيعان "عانى أطفالي وبناتي من الأذى النفسيّ والجسديّ بعد صدمة مقتل والدهم أمامهم وفراقه لهم، ومرت علينا سنتان عجاف شغلنا فيهما البرد والمرض وألم الفراق. قضى لبني حسام فترة تعافيه من مرض الكلى بعد إجراء عملية جراحية في بيتنا، وأضرّت خيمتنا بوضعه الصحي بشكل كبير، ما أدى إلى تفاقم حالته الطبيّة. مثله وئام ابني الذي أجرى عملية في الأمعاء، بالإضافة إلى مرض معظم أطفالي بأشكال صعبة. اضطررت لإبقاء أطفالي يوسف ومحمد في المستشفى لأسابيع، كي لا تتضاعف حالتهم في بيت غير مناسب لبقاء مريض فيه".
لم تتمالك رابعة أبو القيعان نفسها في ثورة حزنها متسائلة عن المستقبل القادم"أين سنذهب؟ وماذا سنفعل؟ لا أملك سوى أبنائي. بيوتنا هُدّمت وأرضنا تم التنكر لحقنا فيها. في كل محاولة للتواصل مع المسؤولين، يبيعوننا الأكاذيب أو يحاولون سلبنا المزيد. لا أعلم متى سنغادر هذه الخيمة وإلى أي مصيروأخاف على صحة أطفالي وحياتهم كل يوم".
تحدّث الطبيب حسام أبو القيعان، نجل الشهيد يعقوب أبو القيعان، عن خيبة الأمل الكبيرة التي تعيشها العائلة منذ إعدام والده لـ"عرب 48" قائلًا "قُتل والدي متمسكًا بأرضه في أم الحيران، وكان موقفه دائمًا إن هدموا نعيد نحن البناء. كما رفض ترْك جماعته والانشقاق عن إجماع أهل أم الحيران رغم توجه أعمامي له بالرحيل قبل الهدم. في الليلة قبل استشهاد والدي تجمّع العديد من أهل أم الحيران وممثلي اللجنة المحلية في بيتنا وطالبوا والدي بالبقاء، كي لا يضر مفاوضاتهم وما وصلوا إليه، واستجاب والدي لدعوتهم وبقي حتى استشهد".
وقال حسام أبو القيعان"توفي جدي بعد 20 يومًا من استشهاد والدي وبقينا وحدنا وكان موقف ممثلي اللجنة المحلية والمسؤولين عن التواصل مع السلطة أن أبناء الشهيد لهم الأولوية ووجب إعطاؤهم حقهم كاملًا ولكن هذا الكلام لم يتحوّل إلى فعل، بل سُرق نصيبنا من قسائم البناء الذي لم نستجديه من أحد".
أكمل أبو القيعان"انتظرنا مع المجموعة حتى تمّ فتح حارة 12 في حورة للبناء في شهر 4 الماضي، وقمنا بشراء الحديد والصلب ومستلزمات البناء، ومن ثم صُدِمنا بأنّ القسم المخصص لنا تم البناء في 4 قطع منه على يد أفراد آخرين، على يد أفراد من المجموعة. وعند توجهنا للممثلين عن اللجنة المحلية للقرية والمسؤولين عن إعطائنا قسائم البناء الخاصة بنا، تنصلوا من حقنا وكانت إحدى الإجابات التي تلقيناها ممن طالبوا والدي بالبقاء في أم الحيران قبل استشهاده قوله’لماذا لم ترحلوا مع أعمامكم سابقًا’؟" .
وأضاف أبو القيعان "تلقّى شباب في جيلي قسائم لهم ولأبنائهم الأطفال لبناء بيوت الآن وبيوت مستقبلية، والبعض ترك أم الحيران قبل هدم بيوتنا واستشهاد والدي حتى، وقُسّمت لهم قسائم بناء عديدة، وحتى المجنّدون في الجيش الإسرائيلي حصلوا على قسائم بناء من الجيش الإسرائيلي وبنوا بيوتًا على القطع التي وعدنا بها، وبالرغم من كل محاولاتنا على مدار السنة الماضية وتدخل العديد من الشخصيات من كبار العائلة ومن الخارج تنصل الجميع من حق أبناء الشهيد وتركوا أطفاله في البرد، دون أي ملاذ أو مستقبل، وهم نفسهم من يحيون ذكراه في قرية حورة يوم السبت".
وأنهى حسام حديثه قائلًا "تاجرت اللجنة المحلية في أم الحيران بدماء الشهيد يعقوب أبو القيعان واستفردوا بذويه بعد أن أطلقوا وعود الأحرار وقدّم يعقوب أبو القيعان حياته ثمنًا لقضيتهم، يحيون اليوم ذكراه في الأرض التي سرقوها من أبنائه في محاولةٍ ليظهروا بمظهر المُهتم بالشهيد في حين أنهم أكثر من أذى ذكراه".
ودعا حسام أبو القيعان "من أراد إحياء ذكرى الشهيد يعقوب أبو القيعان عليه زيارة أطفاله في أم الحيران ورؤية حالهم وسماع قصتهم".
وعن إقامة نشاط إحياء ذكرى الشهيد يعقوب أبو القيعان في قرية حورة، قال ناجح أبو القيعان أحد الصامدين في قرية أم الحيران حتى اليوم إنه "لا قيمة لإحياء ذكرى الشهيد يعقوب في بلدة حورة. من سرق حق أبناء الشهيد يقوم بإحياء ذكراه اليوم، ومن أراد أحياء ذكرى يعقوب عليه الحضور إلى أم الحيران وزيارة أبنائه الموجودين في أصعب الأوضاع اليوم. أبناء وبنات يعقوب هم من يحفظ ذكراه وحقه، ومن يقول غير ذلك يمارس الكذب ويحركه الجشع والمصالح الشخصية. هنالك مجموعة منتفعة هي من تدير الصورة اليوم وهم نفسهم من سرقوا أرض وحق الأيتام وفرطوا في دم والدهم".
هذا حال أسرة الشهيد أبو القيعان... من سلب حقّ أبنائه؟ !
بقلم : رأفت أبو عايش ... 19.01.2019
المصدر : عرب 48