تعطي كلمة هداجِي لحاملها الكثير من الكبرياء والفخر عند ذكرها وسؤاله عن موطنه؛ يعرف أهل بلدة بير هداج في النقب بكرم ضيافتهم وعدل قضائهم، طيبة قلوبهم وعناد رؤوسهم.
لا يسلم من يخطئ في حق أهل بير هداج من الحساب، ويعاني من العناد على الحق والموقف، وإن كان دولة، وهذا ما عانته المؤسسة الإسرائيلية في بير هداج عند تهجيرهم إبان النكبة من قريتهم الحالية إلى داخل منطقة السياج.
سطرت عودة أهالي قرية بير هداج إلى أرضهم الأصلية درسا في الصمود، وهي التجربة الأكثر قربا لتحقيق عودة جزء من الشعب الفلسطيني إلى قريته الأصلية. هُجر أهالي بير هداج من بلدتهم التاريخية، في التهجير الأول عام 1949 على أيدي العصابات الصهيونية، ولم ينتظر أهالي البلدة كثيرا، حيث قرروا العودة إلى أرضهم في العام 1950، ليواجه الجيش الإسرائيلي عودة الأهالي إلى أرضهم بالتنكيل وتحميلهم في شاحنات وإعادتهم إلى داخل منطقة السياج، لكنهم لم يخضعوا لإرادة الجيش وعادوا مرة أخرى إلى أرضهم الأصلية في العام 1954.
تمت العودة الثالثة لأهل بير هداج الذين يفوق عددهم 6 آلاف نسمة اليوم، خلال تسعينيات القرن الماضي، بقرار الرحيل من منطقة المصانع الكيماوية بجانب وادي النعم (رمات حوفاف بالتسمية الصهيونية) الواقعة داخل حيز قرية وادي النعم مسلوبة الاعتراف، والعودة إلى القرية، وذلك قرب أماكن سكناهم التاريخية.
تجند العشرات من أهالي قرية بير هداج في النقب غير المعترف بها إسرائيليا، للتظاهر الخميس الماضي ضد مخطط هدم وتهجير 40 مسكنا في القرية، والذي تدفع باتجاه تنفيذه ما تسمى سلطة تطوير النقب. يدور الحديث عن 40 من أصل 70 مسكنا مهددا بالهدم في القرية، وتقطنها عائلات لها علاقة تاريخية في البيوت والأرض، وليس لديها بدائل أخرى للعيش، ولم تقدم السلطة عند قرارها بهدم المساكن أي بدائل للسكان.
تعتبر بير هداج إحدى البلدات العربية القليلة التي ما زالت تحافظ على الطابع الزراعي لها رغم تضييقات المؤسسة الإسرائيلية، ومحاولة فرض الأمر الواقع على الأهالي، لإجبارهم على قبول صفقات التنازل عن أرضهم بشروط "سلطة تطوير وتوطين البدو"، وفرض طابع معيشي وسكني جديد على أهالي القرية وسلبها الطابع الزراعي.
وافقت المحكمة الإسرائيلية على إصدار أمر إخلاء وتهجير لأربعين مسكنا في بير هداج، بمبادرة "سلطة تطوير النقب" ويدير أهلها معركة قضائية ضده القرار هذه الأيام.
وحسب شهادات أهالي القرية، فإن التهديد هو للمئات من الأهالي وحتى لمن لم يتلق أمر هدم.
تعتبر المؤسسة الاسرائيلية أهل بير هداج شوكة في الحلق على الكثير من الأصعدة، حيث ترى وزارة الزراعة التي يظهر حسب ممارساتها في النقب أنها غير معنية بحصول عرب النقب على قرى زراعية، ملكية "عرب هداج" على أرضهم السكنية والزراعية تحديًا جديًا، وتقوم أذرعها بالتضييق على رعاية الإبل ومصادرة أغنام العرب وحراثة المحاصيل وغيرها من الممارسات بشكل دوري. أما سلطات التنظيم والبناء، فيغيظها وجود قريتي بير هداج وعبدة وبقاء أهلهما فيهما، وهما الوحيدتان الموجودتان خارج منطقة السياج المعدة منذ الحكم العسكري لحصار عرب النقب. وحاولت السلطات بشكل متكرر تسويق صفقات عديدة للسيطرة على شكل الحياة والبناء في هداج.
يُعتبر الحضور الأمني في محيط بير هداج تحديًا ومعركة لم يفشل فيها الأهالي. قتل عدة أشخاص من بير هداج على الحدود المصرية بنيران الجيش الاسرائيلي، وقامت الشرطة باعتقالات وتنكيل بالمواطنين، بالإضافة إلى تدريبات الجيش الاسرائيلي بالرصاص الحي المستمرة في المنطقة والمخلفات العسكرية.
يستمر أهالي بير هداج بالنضال ضد مخططات التهجير رافضين قبول الصفقات المشبوهة والتنازل عن ملكية أرضهم، ولا يُذعن الأهالي لتهديدات وتنكيل المؤسسة الإسرائيلية. إذ أغلق أهالي بير هداج يوم الخميس الماضي شارع 40 الرئيسي وقاموا بشل حركة السير فيه، لكن الظاهر من التوجه المعلن للسلطة هو الاستمرار في قرارها بهدم البيوت لتفريغ حقدها الدفين على أهل بير هداج الذين أصروا العودة إلى قريتهم.
يزرع نضال القرية الأمل في نفوس أهل قرى الصمود في النقب، وبقدرة الرد الشعبي على مواجهة السياسات العنصرية، ويقابل نضالهم بالتقدير من شتى أرجاء النقب. ومسؤوليتنا جميعا أن نرد لهم النضال بالنضال حتى تثبيت بقاء الأهالي على أرضهم.
بير هداج: الصمود وسيلة للبقاء !!
بقلم : رأفت أبو عايش ... 24.12.2018
المصدر : عرب 48