«العراقيب» قرية بدوية صغيرة جدا داخل أراضي 48 يسكنها بضع عشرات، يعتاشون بتواضع على الرعاية والزراعة، لكنها باتت رمزا للمعركة الكبيرة على النقب، ملكيته، وهويته ومجمل هويته. وقد هدمتها السلطات أمس للمرة 110 زاعمة أنها «غير قانونية وأهلها غزاة».
وفجر أمس أقدمت آليات وجرافات السلطات الإسرائيلية بحماية قوات من الشرطة على هدم منازل قرية العراقيب مسلوبة الاعتراف في النقب، للمرة الـ110 على التوالي. وكانت آليات إسرائيلية قد هدمت قرية العراقيب آخر مرة في الثامن من الشهر الماضي وتركت الأهالي دون مأوى قرب مقبرة القرية. والمفارقة أن المقبرة شاهد صادق على هوية المكان حيث يقدم الموتى بشواهد أضرحتهم شهادة ملموسة تكاد تنطق على أن العراقيب أكبر من إسرائيل وسبقت قيامها حيث يقيم أصحابها فيها منذ الفترة العثمانية. وتطالب إسرائيل أهالي القرية بدفع مبلغ 500 ألف دولار كنفقات هدمها منذ الهدم الأول في27 يوليو/ تموز2010 وحتى الهدم الثامن.
وتواصل السلطات منذ سنوات محاولات تحريش ما تبقى من أراضي العراقيب التي تقدر مساحتها بنحو 1300 دونم في محيط القرية شمال مدينة بئر السبع، رغم أن هذه الأراضي تخضع لإجراءات تسجيل الملكية ومسألة ملكيتها لم تُحسم بعد.
والشيخ صياح مديغم الطوري ( أبو عزيز) هو رمز الصمود والبقاء في وجه جرافات الاقتلاع والتطهير العرقي وهو يقيم داخل براكية مجاورة لمقبرة القرية العراقيب تستخدم عادة بيتا للعزاء.
ولم تنل الشيخ الطوري (66 عاما) المأساة المتكررة من عزيمته ولا من روح الفكاهة عنده، فيدعو لنشر صور الأحياء الذين يقيمون بجوار مقبرة نتيجة ممارسات إسرائيل. ويتابع بما يشبه النكتة المرّة «()’الحمد لله … هنا يكفل الأموات الأحياء ويساعدونهم على البقاء وهذه مقبرة تاريخية تحتضن رفات أجدادنا منذ العهد العثماني وقبل أن تولد الصهيونية». ويتابع جازما «لا أعول كثيرا على المسار القضائي الإسرائيلي لأننا فاقدون الثقة بالعدل وهذه الدولة حتى لو لم تحكم بالعدل لدينا أمل بالله بأن ينسفها على من فيها».
خلف كانون فيه كومة جمرات يحتضن أواني القهوة العربية التقليدية، يستذكر أبو عزمي أن إسرائيل شنت حملتها الأولى على العراقيب وهو طفل عام 1953 لكنها كثفت حملات التهجير بعد 1967. ويؤكد أن في حوزته أكثر من دليل على ملكيته الأرض منها الكواشين (وثائق التسجيل) وعقود شراء تاريخية. ويشدد على رفضه مساومته على أرضه بتعويضه ماليا أو تبديلها بأرض في مكان آخر. ويضيف بلهجة قاطعة «لن أرحل ولو عرضوا علي عشرة دونمات عن كل دونم فهي ليست منطقة عسكرية وغير مخصصة للصالح العام وأنا أحق بها فكيف أترك أرضي وأقيم في أرض الغريب؟».
*الحياة لمن يصمد
وللتدليل على تشبثه وأقاربه بالعراقيب بكل ثمن توجه لأحفاده الصغار المتحلقين من حوله، سعيد ومحمد وربيع فأجابوا على سؤال بالتأكيد القاطع أنهم يرفضون الانتقال لمدينة رهط وغيرها فيردف حازما: «والله لو فرشوها ذهبا وفضة ما سكنا في المدينة». وعن سر صموده في أرضه رغم اقتلاع الزيتون وهدم منزله 110 مرة يقول إنه وأقاربه اعتادوا على سياسات التعذيب والممارسات الوحشية الإسرائيلية. ويضيف «مصممون على البقاء، فالحياة لمن يصمد حتى لو واجهوا التتر الجدد».
يشار إلى أن جرافات الهدم الإسرائيلية اقتلعت 4500 شجرة زيتون تملكها عائلة أبو عزيز كان بدأ بقطف ثمارها عام 1999 بعدما رباها بـ «دموع العين» كما يقول واستجلب الماء من مناطق نائية لريّها. ويشير بصوت غاضب الى أن العراقيب أقدم من إسرائيل وبخلافها هي لم تغز أحدا. ويتابع «هؤلاء الذين يتخذون قرارا بهدم منازل على رؤوس أهلها بالقيظ والقرّ هم مرضى نفسيون وغير أسوياء وربما مصابون بداء الكلب». وأضاف «مرة أخرى داهمونا بعد صلاة الفجر فهدموا الخيام والمنازل الإسمنتية دون منحنا فرصة لإنقاذ أثاثها، بل هدموا قن الدجاج والحمام واقتلعوا الشجر لكننا منزرعون هنا».
النائب أيمن عودة رئيس القائمة المشتركة، الذي سبق وأقام في العراقيب نحو الشهرين قبل دخوله الكنيست واعتقل عدة مرات، يؤكد أن الشيخ الطوري هو عزيز النقب ويستحق منحه جائزة دولية لدوره في إحياء القفار والصحارى بدلا من اقتلاعه وأهله.
يشار الى أنّ إسرائيل لا تعترف بنحو 45 قرية عربيّة في النقب، وتستهدفها بشكل مستمرّ بالهدم وتشريد أهلها وتحرمها من الماء وحبة الدواء، بينما تشرع بشكل مستمرّ ببناء تجمّعات استيطانيّة لصالح اليهود في النقب.
*أم الحيران
ويواصل وزير الأمن الداخلي غلعاد اردان التحريض على النائب عودة في موضوع النقب وقرية أم الحيران التي تتعرض للاقتلاع وبناء مستوطنة يهودية ترث اسمها وأرضها. وقال له: «في دولة دستورية كنت ستجلس منذ زمن وراء القضبان. لجنة التحقيق الوحيدة التي ستقوم هي تلك التي ستحقق بالضرر الذي تسببونه لقطاعكم».
وكان اردان يرد في الكنيست على الاقتراح الذي قدمه عودة لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية في أحداث قرية أم الحيران. وهاجم عودة سلوك الشرطة في معالجة الأحداث في القرية البدوية التي قتل خلالها شرطي ومعلم من القرية الشهيد يعقوب أبو القيعان خلال إخلاء بيوت بنيت بدون ترخيص. ووجه عودة أصابع الاتهام الى القائد العام للشرطة روني الشيخ والوزير اردان، داعيا لتقديم استقالتهما على خلفية الاعتداءات والانتهاكات وتصريحات التحريض ومحاولات الكذب.
ورد عودة قائلا إن «الوزير اردان الذي لا يستطيع ان ينطق بالحقيقة، قرر أنه في الوقت الذي يتراجع فيه عن اتهاماته القاسية، مواصلة الكذب والتحريض ضدي بشكل شخصي وضد الجمهور العربي عامة». وأسقط الائتلاف اقتراح عودة بغالبية 36 نائبا مقابل 19 نائبا أيدوا عودة من المعارضة.
الشيخ الفلسطيني في مواجهة «التتر»… أبو عزيز باق في العراقيب رغم هدمها 110مرة!!
بقلم : وديع عواودة ... 10.03.2017
المصدر : القدس العربي