نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تقريرا أعده كل من ديفيد هالبفينغر وأدم راسغون بخصوص الخطة الفلسطينية لوقف عملية ضم أجزاء من الضفة الغربية. ويذكر الكاتبان أن المسؤولين في الضفة الغربية سيتركون السلطة الفلسطينية تنهار إذا فرضت إسرائيل سيادتها على الأراضي المحتلة.
وأضافوا نقلا عن السلطة الفلسطينية أنها ستقطع رواتب عشرات الآلاف من موظفيها وضباط الشرطة. كما ستوقف الدعم الحيوي لقطاع غزة الفقير. وأنها ستحاكم أي معتقل من مواطني إسرائيل أو المواطنين العرب في القدس في المحاكم الفلسطينية في الضفة الغربية عوضا عن تسليمهم لإسرائيل.
ويصف الكاتبان “أن الفلسطينيين الذي يريدون بيأس ردع إسرائيل عن ضم الأراضي المحتلة، يحاولون اتخاذ عدد من الخطوات الاستفزازية لقطع التعاون مع إسرائيل وإجبارها على تحمل كامل المسؤولية كمحتل عسكري عن حياة أكثر من مليوني فلسطيني في الضفة الغربية”.
ويكتبان أنه “في الوقت الذي تعتبر هذه الخطوات هزيمة ذاتية، ترى القيادة الفلسطينية أنها قوية، إلا أنها قد تتراجع عنها حالة تعاملت معها إسرائيل والمجتمع الدولي بجدية وقبل فوات الأوان”.
وقال حسين الشيخ المسؤول الفلسطيني عن العلاقات مع إسرائيل وواحد من اثنين مقربين لرئيس السلطة محمود عباس بهذا الخصوص: “نحن لسنا عدميين أو حمقى ولا نريد فوضى”. كما وأضاف “نحن براغماتيون” و”لا نريد للأمور أن تصل إلى نقطة اللا عودة. الضم يعني لا عودة للعلاقات مع اسرائيل”.
ويقوم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالضغط على موضوع الضم بالتزامن مع خطة إدارة ترامب للسلام، والتي على الأقل تحمل فكرة كيان فلسطيني مستقل كجزء مما تسميه “حل دولتين واقعي”. وتعهد نتنياهو بضم أكثر من 30 بالمئة من الضفة الغربية، وقد ينفذ هذا الوعد في بداية الشهر القادم على الأقل.
ويقول الصحافيان إن الضم بالنسبة للفلسطينيين يعتبر خرقا للحظر المفروض على الاستيلاء على الأراضي من جانب واحد المتفق عليه في اتفاقيات أوسلو في التسعينات من القرن الماضي، الامر الذي سيؤدي إلى سرقة الكثير من الأراضي التي عولوا عليها لتقوم عليها دولتهم. ولهذا السبب، يقول الجانب الفلسطيني أن خطة الضم ستقتل الامل في حل الدولتين للصراع.
وفي رده على خطط الضم، أعلن الرئيس عباس التنصل من التزام الجانب الفلسطيني باتفاقية أوسلو الشهر الماضي، بما في ذلك التعاون الأمني مع إسرائيل.
وتقول الصحيفة إن الاستراتيجية التي قدمها الشيخ، والتي بنيت على اعلان الضم، ما هي إلا لتذكير الإسرائيليين بالأعباء التي سيتحملونها في حال تفكك السلطة الفلسطينية، بالإضافة الى اثبات استعدادهم للسماح للسلطة بالانهيار حال نفذت عملية الضم.
وقال الشيخ في مقابلة مع الصحيفة: “إما أن يتراجعوا عن الضم وتعود الأمور الى ما كانت عليه، أو ان يواصلوا عملية الضم ويعودون كسلطة محتلة على كامل الضفة الغربية”.
وأضاف أنه إذا تراجعت إمكانية إقامة دولة، فإن وظائف السلطة الفلسطينية ستقتصر على الأمور المدنية كإدارة المدارس والمستشفيات ومراكز الشرطة، مما يجعلها وكيلا للاحتلال الإسرائيلي.
وقال الشيخ أيضا بهذا الخصوص “لن أقبل ان يكون دوري مقدم خدمة” و”أنا لست بلدية أو جمعية خيرية”.
ورفضت كل من الحكومة الإسرائيلية والمسؤولين العسكريين الرد على الاستراتيجية الفلسطينية عندما طلبت منهم نيويورك تايمز التعليق.
وتضيف الصحيفة أن الفلسطينيين بدأوا بالفعل الحد من التعاون الأمني، كما قاموا بأخذ خطوة مالية جديدة الأسبوع الماضي وأشاروا الى أخرى قادمة مما قد يقود في كلا الأمر إلى أزمة اقتصادية واضطراب.
وأعلن الشيخ يوم الأربعاء أن السلطة لن تقبل بمئات ملايين الدولارات كتحويلة شهرية من إسرائيل والتي بالأصل تكاد تمول نصف ميزانيتها: وهي أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل بالنيابة عن السلطة.
وقال الشيخ أنها “بالتأكيد أموالنا”، “لكنني كنت استلمها على أساس الاتفاقيات بيني وبينهم”.
وقال إن رفض السلطة للأموال سيؤدي الى انهيار مالي، متمثل في فرض قطع للرواتب، تسريح للعمالة، اندماج وكالات أو حتى اغلاق للحكومة.
وقال جهاد حرب المحلل السياسي الفلسطيني أن التخلي عن التحويلات الضريبية قد يساهم في الاضطراب من خلال الاضرار بحياة الناس مع تقلص سيطرة السلطة على موظفيها.
وأضاف حرب أن “الناس يتعاملون مع الحكومة كشيء نافع لهم” فـ “هي توفر الرواتب، التعليم، الـتأمين الصحي والرفاهية. وإذا لم تعد تقدر على القيام بهذه الأمور، ستخسر شرعيتها وسيتوقف الناس عن الاهتمام بها”.
وبشكل منفصل، قال الشيخ إن السلطة ستقطع 105 مليون دولار كانت ترسلها لقطاع غزة كل شهر كرواتب ولتغطية مصاريف الخدمات والنفقات الطبية. وأي قطع سيؤدي لتآكل الاستقرار في قطاع غزة، الذي تعتبر فيه حركة حماس هي حكومة الامر الواقع.
وأضاف حرب أننا لو أخذنا التاريخ بعين الاعتبار، فان مثل هذه الخطوات ستخلق مشاكل لإسرائيل. وقال إن “وقف تسليم الأموال الى غزة سيضغط على حماس، التي سترد على الأرجح بمواجهة اسرائيل”.
وتقوم السلطة الفلسطينية بجعل قطع الاتصالات مكلفا من نواحي أخرى مهمة تشمل رفضها تغطية تكاليف العلاج للعشرات من الفلسطينيين الذين يبحثون عن العلاج في المستشفيات الإسرائيلية.
وقال فوزي عقارة الذي يعيش خارج مدينة رام الله في الضفة الغربية، إن ابنته مياس البالغة من العمر 12 عاما، غير قادرة على العودة الى مستشفى هداسا في القدس لتلقي علاج سرطان العظام. وقال “انني بحاجة إلى بديل”، لكن لا بديل آخر موجودا.
كما قامت السلطة بوقف التعامل مع تصاريح الفلسطينيين دخول إسرائيل، لكنها لم تمنعهم من استخراجها مباشرة مع الإدارة الإسرائيلية.
وقامت هذه السياسة بخلق مشهد فوضوي تكشف الأسبوع الماضي في مدينة الخليل في الضفة الغربية عندما نزل الاف الفلسطينيين الراغبين بالحصول على تصاريح للعمل في إسرائيل الى مكتب عسكري. وهو ما يؤكد وجهة نظر الفلسطينيين.
وقال الشيخ بهذا الشأن “في كل يوم سأتنصل من مسؤولياتي” و “أقولها للإسرائيليين، إذا استمر الوضع كما هو فعليكم ان تتحملوا المسؤولية الكاملة كقوة احتلال. وقد يعود الوضع الى ما كان عليه قبل اوسلو”.
وتعلق الصحيفة أن لا يوجد في الاستراتيجية الفلسطينية ما هو اكثر حذرا من موضوع التعاون الأمني. فمنذ الشهر الماضي قام الـ 30000 شرطي مسلح وعناصر المخابرات الذين يحمون عباس من خصومه السياسيين، بوقف التواصل مع نظرائهم الإسرائيليين والأمريكيين. وقد أثارت هذه الازمة التكهنات حول إذا كانت هذه النتيجة إطلاق العنان او السماح بموجة جديدة من العنف.وأكد الشيخ أن الأجهزة الامينة ستحافظ على القانون والانضباط ومحاربة الإرهاب، لكن بطريقتها الخاصة. كما قال “سنمنع العنف والفوضى” و”لن نسمح بإراقة الدماء. هذا قرار استراتيجي لكن التنسيق الأمني مع إسرائيل وسيلة لتحقيق الأغراض السياسة”. وأضاف “أريد السلام ودولتين” و “لكنني لست عميلا مع اسرائيل”.
صحافة : نيويورك تايمز: رد السلطة الفلسطينية على خطة الضم الإسرائيلية هو تفكيك نفسها!!
10.06.2020