تساءلت مجلة “بوليتيكو” إن كان “جزار سوريا” سينقذ روسيا من هزيمة أخرى. وقالت إن الجنرال سيرغي سوروفكين ليس غريبا على الوحشية، ولكنه قد لا يكون كافيا لأن يهزم أوكرانيا.
وقال جيمس ديتمير، معد التقرير، إن سورفكين معروف بنشر الرعب والقتل. ففي الشيشان، هدد الضابط الأصلع ببنية المصارع، بـ”بقتل ثلاثة من المقاتلين الشيشان مقابل كل قتيل روسي”. وعندما يذكر اسمه في شمال سوريا، يتذكره الناس بمرارة؛ لأنه دمر معظم مدينة حلب وسوّاها بالتراب. وأشرف ضابط سلاح الجو هذا، على تدمير العيادات والمستشفيات والبنى التحتية المدنية في إدلب عام 2019، في محاولة لكسر معنويات المعارضين السوريين، ودفع السكان في موجات هجرة إلى أوروبا وتركيا.
وعلقت منظمة هيومان رايتس ووتش، أن الحملة كشفت عن ازدراء واضح لحياة حوالي 3 ملايين شخص يعيشون بالمنطقة. والآن يكرر ما فعله في سوريا بأوكرانيا، بعد تعيين فلاديمير بوتين له قائدا لما أطلق عليه “العملية العسكرية الخاصة” مما أفرح صقور موسكو والزعيم الشيشاني رمضان قديروف الذي مدح سوروفكين، ووصفه “بالجنرال والمحارب الحقيقي” و”سيحسن الوضع”، كما كتب على قناته في منصات التواصل الاجتماعي.
ولكن تحقيق سلسلة من الانتصارات الأوكرانية المدهشة وحرف مسار الحرب قد يحتاج إلى شيء أبعد من قسوة سوروفكين. ذلك أن الأوكرانيين أظهروا طول الحرب ثباتا وعدم خوف، وتحملوا القصف والقنابل قبل وصول الجنرال عديم الضمير. إلا أن المسؤولين الغربيين شاهدوا تماسكا تكتيكيا في ظل الجنرال أكثر من الوضع تحت قيادة الجنرال السابق ألكسندر دوفرونيكوف.
وعلق جنرال استخبارات بريطاني بارز بالقول: “القواعد التي يطبقها تنتهك قوانين الحرب، ولسوء الحظ له، فلم تكن فعالة في سوريا، مهما كانت شراستها”.
ولكن سوروفكين وغيره المسؤولين، يشيرون إلى استهداف البنى التحتية والموجات الضخمة من الهجمات في الأسبوع الماضي، وأدت الغارات لقطع التيار الكهربائي في معظم أنحاء البلاد، تاركة حوالي مليون أوكراني بدون كهرباء.
ووصف الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي الغارات بالشريرة، واستهدفت أهدافا حيوية، مضيفا: “يمكن للعالم ويجب عليه وقف هذا الإرهاب”. وقال زيلينسكي إن “جغرافية هذه الغارات واسعة جدا”، وأضاف أن الأوكرانيين ليست لديهم القدرة لإسقاط 100% من الصواريخ والمسيرات الروسية، و”لكنني متأكد أننا سنحقق هذا تدريجيا وبمساعدة شركائنا”. ولكن عمليات اعتراض الصواريخ التي يطلقها جيش سوروفكين ليست كافية لوقف إرهابه، فالدمار الذي حصل بسببها في محطات الطاقة تجاوز الدمار الذي تسببت به الغارات التي شنها الروس في الموجة الأولى في 10 تشرين الأول/ أكتوبر على محطات توليد الكهرباء. وتقول السلطات الأوكرانية إن ثلث محطات الطاقة دُمرت منذ بداية الغارات.
وبالنسبة لكلفة الغارات هذه على روسيا، فهي ليست كبيرة لأنها تعتمد على المسيرات المصنعة في إيران أو “المسيرات الانتحارية”، وتحوم المسيرات التي لديها قدرة على التحليق لمدى 2500 كيلومتر حول الهدف حتى توجه للضرب. ومن الصعب رصد تلك المسيرات، على الرادار نظرا لأن جناحها لا يتعدى طوله 2.5 متر. كما أن كلفة تصنيعها لا تتجاوز 20 ألف دولار مقارنة مع صواريخ كروز التي يكلف الواحد منها مليوني دولار.
وقال البيت الأبيض في الأسبوع الماضي، إن إيران أرسلت خبراء ومدربين ودعما فنيا إلى شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014، وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي: “أصبحت طهران مشاركة مباشرة من الميدان من خلال الأسلحة التي تؤثر على المدنيين والبنى التحتية المدنية” في أوكرانيا. وقال مستشار بارز للبنتاغون، إن طلب موسكو المساعدة من إيران هو دليل ضعف، وأن الروس لم يعد لديهم ما يكفي من الصواريخ: “لا أعتقد أن قدراتهم جيدة كما يدعون.. طالما اعتقدتُ أن الروس هم قوة جوفاء، وليس لديهم العمق والتنوع في القدرات ولا يستطيعون استخدام أسلحتهم بطريقة فعالة. وحقيقة أنهم استعانوا بالإيرانيين وتكنولوجيا المسيرات، وضع محزن حول صناعة عسكرية معقدة من العهد السوفييتي طالما تباهوا بها”.
ورغم اعتماد الروس على المسيرات إلا أنها تشكل عقبة أمامهم. فهي بحمولتها من المتفجرات ليست فعالة في تفجير محطات توليد الطاقة الكبرى، ولهذا تستهدف المحطات الصغيرة، وفي النهاية، سيعثر الخبراء الأوكرانيون والغربيون على طرق للتشويش على نظام “جي بي أس” الذي تعتمد عليه المسيرات، ولهذا فقد تكون مدة حياتها قصيرة كما يقول المسؤولون الغربيون.
وغياب العمق الإستراتيجي في الآلة العسكرية ليس المشكلة الوحيدة التي تواجه روسيا، بل أيضا غياب الوحدات الصغيرة والقيادة والإشراف. فمنذ عام 2014، تدرب الأوكرانيون من خلال العقيدة العسكرية الأمريكية وتنظيم الألوية والعرفاء والرقباء، وتدربوا على فهم الصورة الأوسع، ومُنحوا تفويضا في اتخاذ القرارات بالميدان وهم يقودون وحداتهم، حسب جون برانكو، المحلل في المجلس الأطلنطي، والذي أشرف على عمليات المارينز الأولى بأفغانستان بعد 9/11 وعمل في العراق.
وفشل الروس ببناء هذه الكوادر رافقهم طوال العمليات في أوكرانيا، وهو عجز ليس لدى الجنرال سوروفكين الوقت الكافي لتصحيحه. وفي الحقيقة، قد يزداد الوضع سوءا مع نقل الكرملين أعدادا من المجندين الذين لم يتلقوا تدريبات كافية. وبعد تدريب لأيام، يرسل بالمجندين لكي يموتوا، كما يتم إرسالهم إلى المناطق الحيوية للحرب، مثل مدينة خيرسون، حيث طلبت السلطات الروسية من المدنيين الإجلاء.
مدينة خيرسون هي العاصمة الإقليمية الوحيدة التي استطاع الروس السيطرة عليها منذ بداية الغزو. وتم الحفاظ عليها كونها جسرا بين القرم وأوكرانيا. إلا أن الهجوم المضاد الذي بدأه الأوكرانيون في الصيف بات يؤثر على خيرسون. وأصبح الوضع التكتيكي للروس معرضا للخطر، حيث تمركزت قوات المظليين على الضفة الغربية من نهر دنبير، وهم في وضع غير آمن.
وقال جاك وولتينغ، الخبير في الحروب البرية بالمعهد الملكي للدراسات المتحدة: “من وجهة نظر هندسة الحرب، فهذا وضع رهيب لأن تكون فيه بالنسبة للروس”. وقال وولتينغ الذي كان يحلل العمليات مع قيادة الأركان الأوكرانية، إن القوات الروسية على الضفة الغربية للنهر من أكفأ الجنود في الجيش، لكن لا يمكن توفير الإمدادات لهم بسرعة ولا يستطيعون القيام بهجوم مضاد. ولدى الأوكرانيين المبادرة وهم من يملي الحرب. ومن الأفضل لو انسحب الروس من مدينة خيرسون وركزوا دفاعاتهم على النهر من الضفة الشرقية ونشر قواتهم في محور زاباروجيا.
وباختصار، أجبر سورفكين على حرف مسار أصعب مناورة عسكرية والانسحاب المنظم وإعادة نشر القوات، بما فيها المجندين ممن لديهم تدريب قليل وبدون تماسك. وعندما حاولت القوات الروسية فعل الأمر نفسه في خاركيف، تعرضت لهزيمة. ومن هنا، فالتنمر لن ينقذ المجندين الروس من الجنود الأوكرانيين النشطين والمندفعين، حتى لو استطاع سوروفكين القيام بانسحاب تكتيكي، وهو ما ينتظر فعله ويعول عليه.
صحافة : بوليتكو: هل سينقذ “جزار سوريا” بوتين من هزيمة محتومة في أوكرانيا؟!
26.10.2022