أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41058
نيويورك تايمز: تراس المرأة التي طالبت بإلغاء الملكية في شبابها تحصل على موافقة الملكة لقيادة حكومة بريطانيا!!
07.09.2022

تنقلت إليزابيث (ليز) تراس البالغة من العمر 47 عاما، اليوم الثلاثاء، إلى قلعة بالمورال في اسكتلندا، حيث تقيم الملكة إليزابيث الثانية وأصبحت رئيسة وزراء بريطانيا الـ 56، والمرأة الثالثة التي تتولى الحكم منذ مارغريت تاتشر وتيريزا مي.
وعلق مارك لاندلر في تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” على رحلة ليز تراس المتناقضة لتصبح زعيمة تقليدية لحزب المحافظين وميالة لمعسكر اليمين فيه، بالإشارة إلى أنها عندما كانت في التاسعة عشرة من عمرها في جامعة أكسفورد عام 1994، دعت تراس إلى إجراء استفتاء لإلغاء الملكية البريطانية، وقالت لجمهور من زملائها الديمقراطيين الليبراليين، “نحن لا نعتقد أن الناس يجب أن يولدوا ليحكموا”. وبعد ثلاثة عقود، حصلت على موافقة من الملكة إليزابيث الثانية لتصبح رئيسة وزراء جديدة لبريطانيا، لتكمل رحلة سياسية من جمهورية تحرض الحشود ضد الملكية إلى زعيمة تلبس العباءة التقليدية لحزب المحافظين.
فقد تحولت تراس منذ فترة طويلة إلى تبني النظام الملكي باعتباره أمرا جيدا للديمقراطية البريطانية، تماما كما تخلت منذ فترة طويلة عن الديمقراطيين الليبراليين لصالح المحافظين. وفي الآونة الأخيرة، غيرت موقفها بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث عارضت حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قبل استفتاء عام 2016، ثم عكست مسارها لتصبح واحدة من أكثر المبشرين وبحماسة به.
ويقول الكاتب إن ما ساعدها للوصول إلى أعلى منصب سياسي في البلاد هو براعتها الأيديولوجية – التي يسميها النقاد انتهازية.
عندما كانت في التاسعة عشرة من عمرها في جامعة أكسفورد عام 1994، دعت تراس إلى إجراء استفتاء لإلغاء الملكية البريطانية، وقالت لجمهور من زملائها الديمقراطيين الليبراليين، “نحن لا نعتقد أن الناس يجب أن يولدوا ليحكموا”
ويظل السؤال قائما حول مدى استعدادها للمنصب ومتطلباته القاسية، بالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية الرهيبة التي تحيط بالبلاد، وحزب المحافظين الذي يبدو ممزقا بين الرغبة في بداية جديدة والندم على التخلص من سلفها بوريس جونسون.
وباعتراف شخصي منها قالت تراس إن لديها القليل من كاريزما جونسون. لكنها تقدمت في صفوف الحزب بما يصفه زملاؤها بالجرأة والقيادة والشهية للسياسة المشاغبة. عندما وقع جونسون في المتاعب، قامت بموضعة نفسها ببراعة، ولم تنفصل عنه علانية أبدا بينما بقيت في دائرة الضوء بصفتها وزيرة خارجية متشددة. ويعلق مارك ستيرز، أستاذ العلوم السياسية الذي درس تراس عندما كانت في أكسفورد: “لديها ثقة كبيرة في مواهبها.. إنها على استعداد لتحمل المخاطر وقول الأشياء التي لا يرغب الآخرون في قولها. في بعض الأحيان، هذا يعمل لصالحها؛ في أوقات أخرى، يؤذيها”.
وستحتاج تراس إلى كل مواهبها وخفة حركتها للعمل في الوظيفة التي ترثها من جونسون.
بعد طرده من منصبه من قبل نواب حزبه بعد سلسلة من الفضائح، ترك وراءه كومة مروعة من المشاكل، لا تختلف عن تلك التي واجهت مارغريت تاتشر عندما أصبحت أول رئيسة للوزراء في بريطانيا في عام 1979 خلال فترة سابقة من الصعوبات الاقتصادية.
ولا ريب أن تراس شكلت نفسها على غرار ثاتشر، حيث ظهرت على دبابة كما فعلت بطلتها ذات مرة في ألمانيا الغربية وتحب لبس القمصان المخملية، والتي شكلت جزءا أساسيا من خزانة ملابس تاتشر.
لكن سياساتها تشبه إلى حد بعيد سياسات بطل آخر من اليمين، رونالد ريغان: دعوة واضحة لضرائب أقل وحكومة أصغر، إلى جانب تمجيد بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي باعتبارها “أمة طموحة”.
وقد لاقت هذه الرسالة إعجاب 160 ألفا أو نحو ذلك من أعضاء حزب المحافظين من البيض ومعظمهم من كبار السن، الذين اختاروها بدون الإلتفات للواقع الصعب الذي رسمه خصمها، ريشي سوناك، وزير الخزانة السابق. والآن، سيتعين عليها التحول مرة أخرى، لقيادة دولة متنوعة ومنقسمة تواجه أسوأ أوضاعها الاقتصادية منذ جيل.
وقالت جيل روتر، الباحثة في المملكة المتحدة في معهد أبحاث (أوروبا المتغيرة) في لندن: “أحد الأشياء التي أفادت ليز تراس أنها قبلية.. إنها مستعدة تماما لاحتضان كل شيء عن الفريق. مشكلة كونها لاعبة في الفريق هي أنها تحتاج الآن إلى تحديد أجندة الفريق”.
وقد ولدت تراس عام 1975، قبل أربع سنوات من تولي تاتشر السلطة، ونشأت في أسرة يسارية مع والدها، الذي كان عالم رياضيات وأم كانت معلمة وممرضة. وتحدثت كثيرا عن دراستها مدرسة ثانوية عمومية في مدينة ليدز التي تعاني من ضائقة شديدة، والتي قالت إنها “خذلت” طلابها بتوقعات منخفضة وفرص قليلة ومجلس محلي عالق في قبضة التصحيح السياسي.
ويشكك بعض معاصريها في روايتها لأيام دراستها. فقد لاحظوا أنها نشأت في منطقة مريحة من المدينة، صوتت منذ فترة طويلة لصالح حزب المحافظين. كما يتهمونها بإهانة معلميها، الذين ساعدوها في الحصول على القبول – بعد عام من العيش في كندا مع أسرتها – في كلية ميرتون، وهي واحدة من أكثر كليات أكسفورد صرامة من الناحية الأكاديمية.
وفي أكسفورد، درست تراس الفلسفة والسياسة والاقتصاد (P.P.E. )، وهو برنامج للحصول على شهادة خرجت عددا من السياسيين البارزين، بما في ذلك رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون. انتقد البعض البرنامج لأنه يركز على التحدث بسلاسة والدراسة سريعة. لكن ستيرز قال إن تراس لا تتوافق مع كليشيهات طالب برنامج P.P.E. ، وأكد: أإنها تستمع بإثارة الجدل واستفزاز الناس”.
وقد اجتذبتها السياسة في وقت مبكر، وأصبحت تراس رئيسة حزب الديمقراطيين الأحرار في جامعة أكسفورد، حيث قامت بحملة لتقنين الماريجوانا. وبعد فترة وجيزة من تخرجها في عام 1996، تحولت إلى حزب المحافظين، وهو حزب كان يعيش بدون وجهة بعد خسارته الإنتخابات للعمال. عملت في القطاع الخاص، في شركة شل العملاقة للطاقة وشركة كيبل أند ويرلس، ومؤهلة كمحاسبة قانونية.
في عام 2000، تزوجت تراس من هيو أوليري، وهو محاسب التقت به في مؤتمر حزبي وأنجبت منه الآن ابنتين. وقد اهتزت حياتها الشخصية لفترة وجيزة حياتها المهنية في عام 2005، بعد أن أقامت علاقة خارج نطاق الزواج مع عضو البرلمان المتزوج، مارك فيلد، الذي عينه الحزب مرشدا سياسيا لها. وقد تحطم زواج فيلد ولكن زواج تراس نجا.
انتخبت لعضوية البرلمان في عام 2010 كعضوة عن دائرة جنوب غرب نورفولك، ومضت تراس لشغل ستة مناصب وزارية في ظل ثلاثة رؤساء وزراء من المحافظين. وكان سجلها الحافل، كما قال الأشخاص الذين يعرفونها، مختلطا، وكان لديها صعوبة في الخطابة.
أثناء عملها كوزيرة للبيئة في عام 2014، تعرضت للسخرية على نطاق واسع بسبب خطاب أشارت فيه باستخفاف إلى أن بريطانيا استوردت ثلثي جبنها، ثم عبست مضيفة: “هذا وصمة عار”.
كانت أكثر إقناعا في حملتها ضد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقالت تراس في حديثها إلى مجموعة صناعة الأغذية والمشروبات: “أعتقد أن الشعب البريطاني فيه أناس عاقلون. إنهم يفهمون بشكل أساسي أنه من الناحية الاقتصادية، سيكون من الأفضل لبريطانيا البقاء في الاتحاد الأوروبي بعد إصلاحه”.
بعد تصويت عام 2016، عكست تراس مسارها لتصبح مشجعة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقالت مؤخرا: “كنت مخطئة، وأنا على استعداد للاعتراف بأنني كنت مخطئة”، معتبرة أن التحذيرات بشأن الآثار الكارثية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مبالغ فيها، وأنه في الواقع، أطلق العنان للفوائد.
في حين أن القليل من الناس يلومون تراس على تحولها في شبابها من الحزب الديمقراطي الليبرالي إلى حزب المحافظين، إلا أن الكثيرين ينتقدون تأييدها بأثر رجعي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقالت روتر من جمعية (المملكة المتحدة في أوروبا متغيرة): “هذه ليست إجابة جادة.. تتزايد الأدلة على أنه إذا جعلت التجارة مع أكبر شريك تجاري لك أكثر صعوبة، فإنها تضر باقتصادك”.
في حين أن القليل من الناس يلومون تراس على تحولها في شبابها من الحزب الديمقراطي الليبرالي إلى حزب المحافظين، إلا أن الكثيرين ينتقدون تأييدها بأثر رجعي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
ولم يعق تحول موقفها مسيرتها المهنية، فقد شغلت تراس عدة وظائف في وزارة العدل ووزارة الخزانة قبل أن يعينها جونسون وزيرة التجارة الدولية في عام 2019. وقد جابت العالم، ووقعت اتفاقيات التجارة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مع اليابان وأستراليا ودول أخرى. أشار المحللون إلى أن تلك الاتفاقيات صيغت إلى حد كبير من صفقات الاتحاد الأوروبي، لكنها حصدت الدعاية.
وقال روبرت إي لايتايزر، الذي افتتح محادثات حول صفقة عبر الأطلسي مع تراس بصفته الممثل التجاري للرئيس دونالد ترامب: “في وقت مبكر جدا، بدا لي أنها كانت مرشحة محتملة لرئاسة الوزراء”.
وفي طريقها، عبرت تراس عن افتتانها بالقوى التخريبية، مثل خدمة “أوبر” لطلب سيارات الأجرة وديلفارو لتوصيل الطعام واير بي ان بي لتأجير العقارات حيث نشرة تغريدة قالت فيها إن الشباب البريطانيين يستخدمون خدمات هذه الشركات التي وصفتها بالمقاتلة لأجل الحرية.
وقال برونوين مادوكس، مدير تشاتام هاوس، مؤسسة الأبحاث بلندن: “لقد كانت حريصة جدا على تعريف نفسها على أنها مصدر اضطراب وأن تربط من ذلك بمنهج سياسي من شأنه أن يفيد البلاد.. هناك شيء منعش بخصوص ذلك، فضلا عن وجود خطر واضح”.
ويقول الكاتب إنه مثل ثاتشر، فإنها تقدم نفسها أيضا على أنها مدافعة شرسة عن الديمقراطية الغربية. وتم ترقيتها إلى منصب وزيرة الخارجية في عام 2021، وتجاوزت تراس حتى جونسون في موقفها المتشدد ضد روسيا. وأعلنت في آذار/ مارس الماضي خلال زيارة لليتوانيا أن “بوتين يجب أن يخسر في أوكرانيا”. عقدت اجتماعا شهيرا عشية الحرب مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي في لافروف.
وبحسبه يقول زملاؤها إن تراس ستستمتع باحتمال مواجهة بوتين. لكن البعض يتوقع أن خصمها الأكبر سيكون جونسون. فهو طموح ولا يزال يحظى بشعبية مع القاعدة الشعبية لحزب المحافظين، ومن المرجح أن يظل عنصرا أساسيا في صناعة الأخبار، فهو شخص يمكن أن يسخر من تراس من مقاعد البرلمان أو في عمود في إحدى الصحف، وفقا لما ذكره غافين بارويل، الذي شغل منصب رئيس ديوان حكومة سلف جونسون، تيريزا ماي.
وقال بارويل: “سيكون مثل شبح بانكو”، في إشارة إلى الظهور الذي عذب ماكبث في رواية شكسبير. “في اللحظة التي تواجه فيها صعوبة سياسية، ستكون هناك حركة لإعادة بوريس”.