أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41058
صحافة : نيويورك تايمز: جدال أردني حول المنسف على “السدر” و”الكاسة”.. بين احترام التراث والسخرية منه!!
28.06.2022

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً لمراسليها في بيروت بن هبارد وأسماء العمر، قالا فيه إن جدلاً في الأردن يجري حول طريقة تحضير وتقديم الأكلة الشعبية “المنسف”. وقالا إن صاحب مطعم قرر تقديمه “بالكاسة”، مما أثار جدلاً. وأشارا إلى أن الفكرة جاءت إلى صاحبها مثل الصاعقة عندما سكب الطعام على بدلته وهو يتناوله في سيارته. وتساءل، ماذا لو قدمنا أكلة المنسف بكأس ورقي للأكل السريع، مع أن الوجبة يتم يتناولها على “سدر” وباليد.
وأشارت الصحيفة إلى أن صاحب الفكرة محمد طاهر فتح أول محلاته من سلسلة “منسفنا على كاسة” وباعه بسعر 1.40 ديناراً، ولقيت الفكرة قبولاً وشعبية دفعه إلى افتتاح ثلاثة فروع أخرى. وقال طاهر (52 عاماً) “دهش الناس بالبداية”، ولكن الطعم كان هو السر وأخذ الناس يقولون له “بارك الله فيك تقدم لنا طعاما نشتهيه منذ وقت طويل”، لكن الفكرة الجديدة لم تلق قبولا من الجميع، حيث ترتبط أكلة المنسف في المملكة المحافظة بالهوية الوطنية. وفي الوقت نفسه ظهرت مطاعم جديدة التقطت الفكرة وبدأت تؤثر على تجارة طاهر، الذي اتهمه التقليديون بتشويه الصحن الوطني بل وتقويض الأسس الثقافية للأمة نفسها. وكتب عبد الهادي المجالي، المعلق الصحافي الذي لم تعجبه فكرة “منسفنا في كاسة”، أن “التدمير يبدأ من التفاصيل الصغيرة”. وأضاف “ما حدث ليس مسألة طعام، ولكن سخرية من تراث الشعب”، و”عندما تسخر من تراث الأمة بهذه الطريقة فهي مقدمة لتقليل المهم وتمييع وإذابة الهوية”.
وترى الصحيفة أن الجدل بشأن عاصفة المنسف وطريقة بيعه مستمرة منذ عامين، حيث وضعت التقليديين ضد المبتدعين، ومن يحبون تناولها باليد ضد من يفضلون أكلها بالسيارات، مما أثار أسئلة حول المدى الذي يمكن فيه تغيير تقاليد الطعام قبل أن تتخلى عن جذورها. وبالنسبة لمحمد الطراونة، طباخ المنسف في مدينة الكرك، جنوب الأردن فالرسالة واضحة: منسفنا في كاسة بدعة “لقد نزعوا الكرامة عن المنسف”.
والتقت الصحيفة مع الطراونة وهو منشغل مع 15 شخصاً في مطبخه، حيث يوفرون فيه المناسف للأعراس والجنازات والمناسبات الأخرى الخاصة. وكان يحضّر لمناسبة عرس من ألف شخص، ولهذا بدأ التحضير قبل يوم بذبح 73 شاة للحصول على طن ونصف من لحم الضأن. ويتم طبخ اللحم في قدور حديدية ضخمة، ثم يذيب الطباخون كرات بيضاء كبيرة من اللبن الجاف المعروف بالجميد في طناجر ضخمة للحصول على الشراب اللبني المالح. وعندما ينضج اللحم جزئيا يصفي الطباخ الماء ويضع السائل اللبني مع اللحم ويتركه يغلي حتى ينضج. ويرتب اللحم على “سدور” حديدية مغطاة بخبز “الشراك” توضع كميات من الأرز الذي طبخ بالسمن البلدي و يزين بالمكسرات المحمصة. وكان عدد السدور التي تم تحضيرها في ذلك اليوم 200، حيث غطي واحد منها بورق السوليفان، وحملت في أسطول من الشاحنات التي نقلت الوجبة الشهية إلى مكان العرس. وحضر أكثر من ألف مدعو اجتمعوا في ساحة كبيرة نصبت فيها الخيام صفت في داخلها الطاولات. وعندما حان موعد الغذاء وزعت “السدور” على الطاولات، فيما أطلق أحد الحضور المتحمسين النار من مسدسه في الهواء، وهو تقليد حاولت الحكومة الأردنية الحد منه بفرض غرامات عالية.
وقال المحامي محمد الطراونة من الكرك (لا علاقة له بالطباخ) إن هناك أصولا شديدة لتناول المنسف، و”المنسف هنا له موقعه وشعائره وطقوسه”. وقام برفع ورق السوليفان عن الصحن وسكب اللبن. وعادة ما يتم تناول المنسف واقفا، حيث يقول الخبراء إنه يسمح لك بتناول المزيد منه. وباستخدام اليد اليمنى يقوم المدعوون بسحب اللحم من العظم وضغطه على شكل كرات مع الأرز ولقمها.
ونظراً لتشارك عدد في المنسف، يتناول كل شخص من الطرف أمامه، ويعد التعدي على الطرف الآخر قلة أدب. وعادة ما يوضع رأس الشاة في وسط المنسف، ويعتبر الدماغ والفك من الجوائز المهمة التي يتسابق عليها الناس. ولم يعبر إلا قلة عن حماسهم لفكرة المنسف في الكاسة “ما في مجال”، قال المحامي الطراونة “نحترم المنسف”. وقال محمد الجعفري، مدير المدرسة المتقاعد إنه لم يتناول إلا إفطاراً خفيفا حتى يترك مجالا للمنسف، ولم يرتح لفكرة المنسف في كاسة، وقال “الطعام تحصل فيه البركة عندما يجتمع الناس بدلا من تناوله وحيدا”.
لكن منسفاً بالكاسة وجد جذوره في شوارع عمان وسط أصوات السيارات والموسيقى الشعبية والبضائع المعروضة على جوانب الطرق. وهنا فتح طاهر أول محل من محلات “منسفنا في كاسة”، حيث اشتهر بين الناس الذين كانوا يريدون تجربة الفكرة. وعندما قلّد آخرون فكرته وانتشرت محلات مشابهة له في عمان ومدن أخرى أغلق طاهر تجارته. إلا أن محلات منسف الكاسة تبيعه بلحم بقري، وهو إهانة للتقاليد، والسبب هو أن لحم البقر أرخص من لحم الضان. ويرى صاحب محل أن الفكرة سهلة ويمكن تناول ما في الكاسة بسرعة، ولمن لا يتناولون اللحم طلبه فقط باللبن. ويرى محمد البطوش، 29 عاما، من الكرك، أنه ليس مع المعارضين للفكرة، رغم أنه لم يخبر عائلته في الكرك أنه يبيع المنسف بالكاسة “فكرة بيع المنسف في الكاسة بدلا من الصحن لا تريحهم.