خصصت مجلة “إيكونوميست” افتتاحية عددها الجديد للأزمة التونسية، تحدثت فيها عن المخرج الصحيح، وهو “حوار وطني جديد لإصلاح النظام المحطم”.
وقالت إن منارة الديمقراطية في العالم العربي بحاجة إلى تصحيح. وأضافت: “لم تكن هناك سوى قصة نجاح أثمرها الربيع العربي، فمن بين الدول التي أطاحت بالديكتاتوريين، ظهرت تونس كديمقراطية كاملة، فانتخاباتها الحرة والنزيهة التي يشارك فيها الإسلاميون والعلمانيون ودعاة السوق الحرة والشيوعيين هي علامة في منطقة ينتشر فيها الطغاة. ويعتبرها الليبراليون منارة أمل، فإذا ازدهرت الديمقراطية في تونس، لم لا تزدهر في بقية العالم العربي”.
في المقابل، لا يتعامل التونسيون مع فكرة أن بلدهم هو النموذج، فعشر حكومات في عشرة أعوام فشلت في منع الفساد وتحسين الخدمات وخلق فرص العمل. وكانت آخر الحكومات تلك التي قادها هشام المشيشي وكافحت لمواجهة أسوأ موجة كوفيد-19 في كل القارة الأفريقية. وفي 25 تموز/ يوليو خرج المتظاهرون رغم الحر وقيود الإغلاق للاحتجاج ضد الحكومة، وفي تلك الليلة علّق الرئيس قيس سعيد عمل البرلمان وسيطر على السلطة.
وعلقت المجلة: “يا له من عار أن تصل الأمور إلى هذا الحد، فقد انتُخب قيس سعيد قبل عامين كتوبيخ للطبقة السياسية. وحصل على شعبية في قطاعات واسعة من السكان نظرا لعدم خبرته السياسية. واحتفل الكثير من التونسيين بسيطرته على السلطة على أمل تحسين الأمور”. و”لكن الديمقراطية هي أمر هش ويتعامل معها سعيد بقسوة”. و”زعمه بأنه تصرف بناء على القانون كلام فارغ”، ورفض قطاع كبير من البرلمان تحركات الرئيس ووصفها بعضهم بالتنقلاب، وما قام به زاد من متاعب تونس، فهي تعاني من أزمة اقتصادية وصحية، وها هي اليوم تعاني من أزمة دستورية.
وهذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها الديمقراطية الناشئة أزمة دفعتها نحو الهاوية، فقد واجه العلمانيون والإسلاميون بعضهم البعض بعد عمليتي اغتيال سياسي. وقام اتحادات الشغل ومنظمات المجتمع المدني بالتدخل وحققت تسوية أدت لإنقاذ النظام. ومنذ ذلك الوقت ظلت معدلات البطالة عالية والفساد مستشر. ومثل بقية الدول، فقد أضاف فيروس كورونا متاعب جديدة. ويحنّ عدد من التونسيين لأيام الديكتاتور زين العابدين بن علي عندما كان هناك مظهر من الاستقرار. لكن بن علي ترك التونسيين غاضبين ويائسين، حتى بعدما عذّب المعارضين ونهب البلد.
وتقول المجلة إن استبدال النظام الحالي بنظام الحاكم القوي ليس الجواب على مشكلة تونس. وتساءلت: “هل يطمح سعيد بأن يصبح واحدا؟”. ويبدو أستاذ القانون السابق للكثيرين على أنه شخص لا يمكن إفساده، لكنه عنيد أيضا. وبناء على الدستور، يمكنه تعليق البرلمان لمدة أقصاها 30 يوما، لكنه يقول إنه قد “ينتظر حتى تستقر الأمور”. وداهمت الشرطة مكتب قناة الجزيرة القطرية المتعاطفة مع حركة النهضة، أكبر حزب بالبرلمان، وكل هذه التحركات لا تبشر بخير للديمقراطية التونسية.
ولم يخفِ سعيد طموحاته في إحداث تغييرات راديكالية ومنح الرئيس سلطات أوسع والتخلص من الأحزاب وبعض الانتخابات. وفي الحالة الكئيبة التي تمر بها تونس، علينا عدم استبعاد أية فكرة، ولكن سعيد سيواجه مشكلة في تنفيذ الحلول وحده، حتى لو كان يملكها. ولن يدعمه أنصار حركة النهضة الذين يطلقون على أنفسهم “الديمقراطيون المسلمون” ولا الأحزاب الأخرى التي همشها الرئيس الذي خاض الانتخابات كمستقل.
وقالت المجلة إن الكثير من التونسيين يلومون النهضة على مشاكل البلاد، لكن راشد الغنوشي، زعيم الحركة ورئيس البرلمان ساعد تونس في أثناء أزمة 2013- 2014 عندما وافق على الدخول في حوار وطني مع المنافس في ذلك الوقت، الباجي قايد السبسي.
ويحسب للغنوشي مرة ثانية براغماتيته، فقد دعت النهضة أنصارها لترك الشارع واقترحت حوارا وطنيا، ويجب على سعيد الموافقة على هذا. وعلى الديمقراطيات الغربية تقديم الدعم، فعلى مدى العقد الماضي لم تفعل دول مثل أمريكا أو فرنسا، المستعمر السابق الكثير للحفاظ على الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي.
ودعم أكبر يمكن أن يساعد، لكن على الغرب أن يتفوق على السعودية والإمارات اللتين تعارضان الربيع العربي، لكن في ردّ أمريكا على تحركات سعيد عبّرت فقط عن قلقها. وفي النهاية فمسؤولية حل مشاكل تونس تقع على كاهل قادتها. وهناك حاجة لإصلاحات مؤلمة لتخفيض العجز وجلب الاستثمارات. وضيّع الساسة عقدا من الزمان عندما اتخذوا إجراءات منقوصة. ومن حق التونسيين الغضب، لكن عليهم ألا يتخلوا عن الديمقراطية، وعندما يفشل قادتهم عليهم إخراجهم عبر صندوق الاقتراع.
صحافة : إيكونوميست: تونس بحاجة لحوار وطني.. وسعيّد أضاف أزمة دستورية إلى الاقتصادية والصحية!!
29.07.2021