نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا عن وضع الإسلام في فرنسا، وقالت نومي بيرسيب إن فرض قواعد علمانية واسعة في المجتمع الفرنسي جعلت المسلمين مستهدفين، وأشارت إلى أن وجباب الطعام في المدارس أصبحت ساحة المعركة الأخيرة حول موقع الإسلام في فرنسا.
وجاء في المقال الذي أعدته الكاتبة من بلدة بيزيز، جنوبي فرنسا، أن رياض البارودي (10 أعوام) يواجه معضلة كلما جلس لتناول الغداء في كافيتريا مدرسته. فهو لا يستطيع تناول لحم الخنزير حسب الشريعة الإسلامية، لكن السلطات المحلية وحّدت وجبات الطعام في كل المدارس الحكومية بالبلدة الواقعة على تلة في الجنوب الفرنسي، واللحم المتوفر عادة ما يكون الخنزير.
ويرى رشيد البارودي والد رياض أن “هذا يعد استفزازا”. وتقول الصحيفة إن المدارس في كل أنحاء فرنسا أصبحت ساحة معركة بين قطاعات من المسلمين ودعاة اللائكية. وتقول الكثير من العائلات المسلمة، إن السلطات وسّعت من تفسيرها للائكية أو العلمانية وطبقتها على كل شيء مما يجب تناوله من طعام في المدرسة إلى السماح للمرأة المسلمة المحجبة بمرافقة الأطفال في الرحلات الميدانية، بطرق تستهدف معتقدات المسلمين.
ويقول المدرسون والإداريون والمسؤولون الحكوميون إنهم يقاومون التحولات الثقافية التي تجري منذ عقود، حيث تتعرض المدارس لضغوط من أجل استيعاب المعتقدات الدينية للمسلمين الفرنسيين، صغيرة كانت أو كبيرة. ويقولون إن الضغط يضعف جمهورية قامت على مبدأ اللائكية وكذا المساواة والحرية والإخوة. وبحسب المدرسين يستند الطلاب على معتقداتهم الدينية برفضهم حضور حصص البيولوجيا، التاريخ أو دروس الموسيقى. ويمنع الآباء البنات من المشاركة في حصص السباحة أو الذهاب في الرحلات الميدانية.
وفي استطلاع أخير أجرته المؤسسة التي تتخذ من باريس مقرا لها “إفيوب” وجد أن نسبة 53% من المدرسين وبعض الطلاب في المدارس المتوسطة والثانوية يستندون على معتقداتهم الدينية في رفض الدروس أو المشاركة. مقارنة مع نسبة 46% من المدرسين في استطلاع عام 2018. ووصل التوتر ذروته بقتل مدرس التاريخ صامويل باتي على يد لاجئ من الشيشان عمره 18 عاما احتجاجا على استخدام المدرس صورة مشينة للرسول محمد نشرتها مجلة “شارلي إيبدو”. وبعد مقتله رفض مئات الطلاب الوقوف دقيقة صمت في ذكرى المدرس، حسبما قالت وزارة التعليم الفرنسية.
ونقلت الصحيفة عن المدرّسة فاتحة عجاج بوجلاط (41 عاما): “المدارس العامة تتعرض لهجوم”. وقالت المدرسة في مدرسة ثانوية بتولوز، ونشأت في عائلة مسلمة جاءت من الجزائر، إن جيلها لم يكن متشددا مثل الجيل الجديد. وأعلنت وزارة التعليم في حزيران/ يونيو عن برنامج مدته أربعة أعوام ويهدف لتدريب المدرّسين في مبادئ اللائكية، وذلك بعدما رصدت الوزارة حوادث أثناء الحصص التي توفر عبر الإنترنت بسبب كوفيد-19 هتافات دينية وفيديوهات قتل.
واقترحت حكومة إيمانويل ماكرون قانونا يجرّم أي شخص يحاول الضغط على المدرّسين وعمال الخدمة المدنية باسم الدين. وفي خطاب ألقاه ماكرون في الخريف الماضي، قال: “ستقاوم الجمهورية عبر المدارس من يريدون قتالها أو تقسيمها”، ويفرض القانون أيضا قيودا على المساجد والمنظمات الإسلامية.
ولا يزال القانون أمام مجلس الشيوخ الفرنسي، حيث أضيف إليه بند يحظر على مرافقي الرحلات المدرسية ارتداء الرموز الدينية الواضحة. وتقول منظمات حقوق الإنسان إن تلاميذ المدرسة والآباء الذين يرفضون الانصياع لقواعد المدارس يمثلون أقلية صغيرة من المسلمين في فرنسا.
ولكن بعض الآباء يتهمون المدارس بخلط سلوك التلاميذ، سواء كان سوء تصرفا في الملعب أو تمردا، بالتطرف الديني.
بعض الآباء يتهمون المدارس بخلط سلوك التلاميذ، سواء كان سوء تصرفا في الملعب أو تمردا، بالتطرف الديني
وفي نيس، إلى جانب الريفيرا الفرنسية، قالت حياة عاشوري إن مدير مدرسة ابنها استدعاها قبل فترة، بعدما سمع موظف ابنها وهو يتحدث مع زملائه في الكافيتريا بأنه “إسلامي”. ولا يعرف السبب الذي دفع المدرسة للاحتجاج على استخدام الكلمة، ولم ترد على طلب التعليق من الصحيفة.
وقالت عاشوري إن المدير حذّرها وطلب منها أن تراقب ما تقوله أمام ابنها. وقالت عاشوري إنها اكتشفت لاحقا سياق استخدام ابنها للكلمة حيث كان يتحدث مع زملائه حول الهدايا التي يأملون بالحصول عليها في الكريسماس. وأخبرهم أن عائلته تحتفل به رغم أنها مسلمة. وقال ابنها: “ماما هل تلفظت بكلمة سيئة؟”.
وتقول الصحيفة إن القتال حول طعام المدارس يحيط به سوء الفهم والتوتر. ففي خطابه الذي ألقاه في الخريف، انتقد ماكرون المسؤولين المحليين الذين “يتعرضون للضغط من الجماعات والمجتمعات وتفكيرهم بتقديم وجبات معدة حسب التعاليم الدينية في كافيتريا المدارس”. ولا تقدم المدارس الحكومية الطعام الحلال أو الكوشير أو حسب مطالب دينية أخرى. والاستثناء الوحيد هي منطقة الألزاس- موسيل التي كانت وقت فرض العلمانية في عام 1905 تحت الحكم البروسي. ورفض مكتب ماكرون الحديث عن المسؤولين المحليين الذين أشار إليهم الرئيس في خطابه.
وغيرت موجات الهجرة من المستعمرات الفرنسية في شمال أفريقيا الطبيعة السكانية للبلدات الفرنسية وكذا أعرافها. وبدأت بعض المدارس مثل مدرسة رياض باردوي بتقديم ما عرف بالوجبات البديلة، التي يقدم فيها لحم البقر أو الدجاج عندما تكون الوجبة المقدمة من لحم الخنزير، مما يسمح للتلاميذ المسلمين واليهود بتناول الطعام.
وفي السنوات الأخيرة رد الناخبون المعارضون للهجرة بانتخاب محافظين أو من أحزاب اليمين المتطرف في السلطات المحلية. وأمر هؤلاء المدارس بوقف الوجبات البديلة باسم اللائكية.
وحكمت أعلى محكمة إدارية في فرنسا في كانون الأول/ ديسمبر أن مبدأ اللائكية لا يمنع المدارس من تقديم وجبات لا تحتوي على لحم الخنزير استجابة للمعتقدات الدينية، لكنها ليست مجبرة على عمل هذا.
وجاء الحكم بناء على شكوى تقدمت بها جمعية إسلامية في شالون سور سون، وهي بلدة في شرق فرنسا توقفت فيها المدارس عن تقديم الوجبات البديلة في عام 1905.
وقال مدير مجلس المؤسسات اليهودية في فرنسا فرانسيس كاليفات إن وقف الوجبات البديلة يخلق مشاكل لا داعي لها و”يتم استبعاد عدد من الأطفال من الحياة المدرسية”، مضيفا أن قلة من التلاميذ اليهود سيعانون من المشكلة لأن معظم أبناء العائلات اليهودية المتدينة يذهبون لمدارس دينية خاصة والتي لا تخضع مثل معظم المدارس الدينية لقوانين اللائكية.
ولم تخض الكنيسة الكاثوليكية في النقاش حول الوجبات البديلة، ودعمت مبادئ اللائكية في المدارس الحكومية وعملت مع الحكومة للدفاع عن قيم الجمهورية. وتطلب معظم المدارس الكاثوليكية من العائلات التوقيع على ميثاق الجمهورية.
وتم انتخاب عمدة بيزي روبرت مينار في 2014 بدعم من زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، وقام بإلغاء الوجبات البديلة هذا العام. وبناء على النظام الجديد، يمكن للتلاميذ الإختيار بين وجبات الخنزير أو تناول الوجبات النباتية. وقال في مقابلة “هؤلاء الأطفال ليست لديهم حساسية من الخنزير لأسباب طبية”، في إشارة للتلاميذ المسلمين “لا يريدون تناول الخنزير؟ فليتناولو إذن الوجبات النباتية”. ورحبت سميرة إقبالي بالتغير، وبعد أن قرر عمدة المدينة تغيير النظام سجلت أبناءها للوجبات النباتية. وكانت دائما تذكر أبناءها بعدم تناول الطعام غير الحلال من الكافيتريا، مضيفة أن النظام الجديد سهّل المهمة عليها “هذه الطريقة أسهل”.
وبالنسبة لرياض، فإن الأطفال المسلمين في المدرسة توقفوا عن الذهاب إلى الكافتيريا، “كنت أحب الذهاب للكافيتريا لكي أكون مع أصدقائي، أما الآن فأحب تناول الطعام في بيت جدتي”.
صحافة : وول ستريت جورنال: الوجبات المدرسية ساحة جديدة في معركة فرض العلمانية في فرنسا والمسلمون هدفها!!
16.07.2021