نشرت صحيفة “إندبندنت”تقريرا أعده سايمون سبيكمان كوردال تحت عنوان “تصعيد واضح في القمع الحكومي في الوقت الذي تتجه فيه الجزائر إلى الانتخابات بعد فترة من الاحتجاجات”. وقال فيه إن الجزائريين تظاهروا في الأعوام الماضية، ولا أحد إلا قلة تعتقد أن الانتخابات في 12 حزيران/ يونيو ستغير الكثير.
وأضاف الكاتب أن الحكومة الجزائرية متهمة بتصعيد حملة الاستفزاز ضد المحتجين المطالبين بالديمقراطية قبل الانتخابات. وانتقد الناشطون في الجزائر ومنظمات حقوق الإنسان في الغرب القمع “غير المسبوق”، وقال متحدث باسم “هيومان رايتس ووتش” في تصريحات للصحيفة، إن عمليات القمع والاعتقال تعبر عن “تصعيد واضح” في القمع الحكومي.
ومع كل هذا، خرج المتظاهرون يوم الجمعة وإن بعدد قليل من المشاركين، وعبّروا في يافطاتهم عن رفضهم من تأثير الدوائر المتمترسة حول الرئاسة، ورفضوا الانتخابات المقبلة على أنها صفقة بين “عصابات المافيا”.
تتجنب السلطات المطلب الرئيسي للحراك وهو إنهاء النظام الغامض للضباط العسكريين وأصحاب الأعمال الذين يتسمكون بالسلطة على حساب تقدم البلاد.
ومنذ عودة المتظاهرين بعد فترة انقطاع بسبب وباء فيروس كورونا، واجهوا وضعا يتناقض مع الوضع المتسامح الذي عاشوه قبل انتشار فيروس كورونا الذي أجبرهم على ترك الشارع.
وفي الوقت الذي تحاول فيه السلطات رسم خط واضح تحت الموجة “المقدسة” من “الحراك” إلا أنها راغبة بتقديم الانتخابات المقبلة على أنها جزء من عملية إصلاح مدارة ومستقلة سيتم البدء بها بناء على مطالب الحراك.
وفي الوقت نفسه، تتجنب السلطات المطلب الرئيسي للحراك وهو إنهاء النظام الغامض للضباط العسكريين وأصحاب الأعمال أو ما يطلق عليه بالفرنسية “لوبوفوار” المحيطة بالرئاسة والذين يعتقدون أنهم قايضوا نجاتهم وحفاظهم على السلطة على حساب تقدم البلاد.
وفي الوقت الذي اتسمت فيه التظاهرات بالسلمية، إلا أن “الرد الوحشي” أصبح مظهرا عاما منذ عودة الحراك في شباط/ فبراير الماضي.
وبات العنف والاعتقال التعسفي الحالة العامة، حيث تم اعتقال 15 صحافيا وتعرض بعضهم للضرب أثناء مظاهرة في أيار/ مايو. وتقدر منظمات حقوق الإنسان عدد الناشطين الذين اعتقلوا في نهاية أيار/ مايو بحوالي 175 ناشطا تم رميهم في سجون الجزائر. وحسب بعض التقديرات، فقد دخل حوالي 3000 شخص من أبواب السجون المكتظة منذ عودة الحراك في شباط/ فبراير هذا العام. ويقول أحمد بن شمسي، مدير الاتصالات في قسم شمال أفريقيا بمنظمة هيومان رايتس ووتش: “منذ تجدد الاحتجاجات شاهدنا اتهامات بالهجمات العنيفة في زنازين الشرطة واغتصاب.. بلا شك فإننا نشاهد تصعيدا واضحا في قمع الحكومة الجزائرية”.
وتصف “ألجا سامية صغير” حس الملاحقة وعدم الشعور بالأمان بقولها: “الناس خائفون حتى من الذهاب إلى التسوق. وفي كل جمعة، نقوم بعقد خلايا طوارئ ونقضي وقتا في النهار بل وفي الليل ونحن نبحث عن الرفاق في مراكز الشرطة“. ولن تصوت “ألجا” أو أي من الأحزاب اليسارية في انتخابات حزيران/ يونيو، والتي لا تعرف نتائجها رغم المشاركة الضعيفة المتوقعة فيها.
ومنذ شباط/ فبراير 2019 حقق الحراك انتصارات غير مسبوقة داخل الجزائر. فقد استطاع أن يطيح بالرئيس المقعد عبد العزيز بوتفليقة والذي أشعلت خطة ترشحه لولاية خامسة شرارة الحراك وأدت لولادتها. وقادت دعواتها لإنهاء الفساد إلى اعتقال عدد ممن هم حول الرئيس السابق.
وتزعم السلطة أن الحراك كان سببا في الانتخابات التي أدت لانتخاب الرئيس عبد المجيد تبون في كانون الأول/ ديسمبر 2019، والاستفتاء على الدستور بعد عام. غير أن الحراك قاطع في معظمه الحدثيْن.
ومع ذلك، لم يتم الاعتراف بالمطلب الرئيسي للحراك وهو إصلاح النظام السياسي الذي تعزز بعد استقلال الجزائر عام 1962، وتعرض لامتحان أثناء الحرب الأهلية في حقبة التسعينات من القرن الماضي. لكن الأعداد القليلة من المشاركين في التظاهرات الحالية أعطت فرصة لمن يأملون بإسكات الحراك قبل انتخابات حزيران/ يونيو.
مكاسب الحراك لا يمكن الجدال فيها، لكن السؤال يظل حول السلطة، التي يقودها مسنون يضيق مجال المناورة أمامهم ، في بلد سكانه شباب
ويعلق المحلل السياسي زين العابدين غبولي قائلا: “قبل عامين، وفي 8 آذار/ مارس خرج 10 ملايين للاحتجاج كجزء من الحراك” أما “هذا العام فقد شاهدنا حوالي عشرين ألفاً”. ويقول غبولي إن انخفاض عدد المحتجين سمح بحدثيْن، فقد فتح المجال للإسلاميين، وحركة رشاد على الأقل المرتبطة بجبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة، فهتافهم ضد قوات الأمن والتي أعادت التذكير “بالعقد الأسود” الذي بدأ بعد إلغاء انتخابات عام 1990 التي فازت بها جبهة الإنقاذ”. مضيفا: “هذه الفكرة كونك ضد أجهزة الأمن والدولة تجد آذانا صاغية بين يساريي الحراك” الذي تعرض معظمهم للقمع على يد الدولة، و”لكنها تدعم فكرة الحكومة أن الحراك قد اختطف”.
ويرفض حراكيون ومحللون هذا الطرح، الذي تروج له دعاية السلطة، وتنقل الصحيفة عن المحلل بن شمسي قوله إن محاولة التفريق بين الحراك القديم والحالي عبثية مهما كانت مكوناته. وهي تشير إلى عقلية لم تتغير بتغير الوقت أو الأحداث الأخيرة: “لم يتغير شيء، ولا تزال السلطة هنا”. وما يجمع بين عناصر “السلطة” هي العلاقة الشخصية التي تعود إلى حرب الاستقلال مما يعني أن معظم أعضائها في عمر السبعين الآن، و”هم منفصمون عن الواقع”.
وتشير “الإندبندنت” إلى أن لا أحد يجادل في تنظيم الانتخابات المقبلة، ومهما كان الأمر، فمكاسب الحراك لا يمكن الجدال بها، لكن السؤال يظل حول الحكومة الجزائرية التي يقودها كبار في السن. وهم يواجهون وضعا لم يعد فيه النفط أداة إرضاء المواطنين، فتصديره في تراجع مستمر، مما يعني أن مجال المناورة يقصر أمامهم. وفي بلد سكانه شباب ويعتمدون على دعم الدولة السخي، فالتحدي أمام النخبة المسنة الحاكمة كبير.
صحافة : إندبندنت: تصعيد قمعي ضد الحراك الذي يريد الديمقراطية في الجزائر!!
07.06.2021