قالت أنشال فوهرا في تقرير بمجلة “فوررين بوليسي” إن الأحداث الأخيرة تظهر مشاكل في الحكم وسوء الإدارة أكثر من “مؤامرة” انقلابية وإن الملك عبد الله الثاني هو الملام. وتقول إن الشريف حسين كان لديه قبل قرن أحلام كبيرة بعائلة هاشمية عندما كان ملكا على الحجاز وأميرا على مكة والمدينة.
لكن ومنذ أيام لورنس العرب عندما كان الهاشميون حلفاء البريطانيين الوحيدون بالمنطقة وأعلنوا الثورة العربية ضد الحكم العثماني أثناء الحرب العالمية الأولى، والعائلة في تراجع، وبالخلاف الأخير المستمر بين أحفاد الحسين في الأردن، فقد وصلت العائلة أدنى مستوياتها.
وواجهت العائلة الهاشمية عددا من التحديات الخارجية والداخلية، وعادة ما تم التخلي عن الإخوة الذين ينتظرون العرش من أجل الأبناء لكن لم يحدث أن نشرت العائلة غسيلها الوسخ وتحولت إلى مصدر للقيل والقال بين السكان.
وقالت إن الحكومة لم تقدم وبعد عشرة أيام من إعلانها عن مؤامرة للانقلاب على الملك وزعزعة استقرار البلد أي دليل، كما ولم تقدم معلومات عن الجهات الخارجية التي قالت إن المعتقلين كانوا يتعاونون معها ومع أخ الملك الأمير حمزة بن حسين، مما يعني أن الحكاية لا معنى لها. وكل ما شاهدناه هي قصة قديمة في العالم: معركة على الخلافة بين أخوين، فقد وضع الملك عبد الله الثاني أخيه ولي العهد السابق تحت الإقامة الجبرية إلى جانب 18 شخصا من المتآمرين المزعومين. وبدلا من الكشف عن أمير قاد عصيانا أظهرت كل الحادثة ملكا يميل بشكل متزايد للاستبداد ويشعر بعدم الأمان.
وتضيف أن العشائر الأردنية بايعت الهاشميين، لنسبهم الديني إلى عائلة النبي محمد الذي ينحدر من بني هاشم. ويعتبر دعمها مهما للعائلة الحاكمة، لكنها تشعر وبشكل متزايد بالتهميش وعدم الرضى.
ورغم الدعم الرسمي الأمريكي للملك إلا أن الإدارة أجبرت على ملاحظة القمع المتزايد في ظل قيادة الملك عبد الله. وتقول إن الملك قدم نفسه للغرب كزعيم مؤيد للديمقراطية، لكنه عزز قبضته في القصر وكمم الإعلام واعتقل المتظاهرين وتردد في الإصلاح بما في ذلك تفويض جزء من سلطاته إلى المشرعين في البرلمان.
وأصبح الهاشميون الذين كان ينظر إليهم كعائلة حديثة وغربية النظرة مثل أي عائلة تحكم دولة مستبدة. وبحسب منظمة “مراسلون بلا حدود” فمرتبة الأردن في حرية الصحافة تأتي في الـ 128 من بين 180 دولة وبعد أفغانستان. وخفضت مؤسسة “فريدوم هاوس” في العام الماضي وضع الأردن من “حر بشكل جزئي” إلى بلد “ليس حرا”. ويظل أردن الملك عبد الله ليس سوريا أو حتى السعودية لكن من يخاطر فيه بالتعبير عن رأيه سيجد المخابرات تطرق باب بيته. ولا أحد يعتقد أن الملك عبد الله عازم على إصلاحات سياسية، ولم تنتج إصلاحاته الاقتصادية إلا مزيدا من اتهامات الفساد وليس نتائج إيجابية. وفتح الملك الباب أمام إجراءات التقشف من أجل الحصول على القروض الدولية ومضى في عمليات الخصخصة التي رحب بها المراقبون الدوليون، لكن هذه الإجراءات جاءت على حساب دعم العشائر.
وقال طارق التل، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في بيروت والخبير في الشؤون الأردنية، إن العشائر الأردنية كانت ناقدة للإصلاحات الاقتصادية النيوليبرالية التي علمت حكم الملك. وقال إن “شبكة العشائر الشرق أردنية في تراجع منذ بداية عمليات الخصخصة” و”لم يحصل أبناؤها على نفس الوظائف والمنافع”. ومع تراجع حصتها من كعكة الدولة في الوظائف والمنافع وزيادة سخطها رأى الأمير حمزة فرصة للتقرب من هذه القاعدة التقليدية. وبدأ بالتواصل مع قادة العشائر وظهر في حفلات الزفاف والجنازات.
ولا يعرف الكثير عن أيديولوجية الأمير السياسية والاقتصادية وإن كانت تختلف عن مدخل الملك عبد الله للحكم. فقد عبر حمزة عن صوت الجماهير لكنه لم يقدم بعد أي حلول حول كيفية إنقاذ البلد الذي تنقصه المصادر وتدفق عليه اللاجئون. ولعل رصيده الأهم هو ملامح الشبهة بينه ووالده الملك الراحل، من ناحية الصوت والصورة، وزادت شعبيته بعد اعتقاله. وهو طموح وقيل إنه كان المفضل لوالده الراحل لكن تعيينه كخلف له واجه مشاكل دستورية لكونه صغيرا وغير مجرب. وعينه بدلا من ذلك وليا للعهد والذي احتفظ به حتى 2004 عندما قرر الملك عبد الله تعيين ابنه حسين بن عبد الله بدلا منه. وربما جرحه هذا العمل إلا أنه لا يكفي لدفعه على التآمر على أخيه. وبحسب التل فلا أحد صدق أن هناك انقلابا تم التحضير له لأن “المعلومات القادمة من القصر متناقضة جدا”. وأضاف أن “الأحداث الأخيرة يبدو أنها مرتبطة بالخلافة والتي تعود إلى وقت إعفاء حمزة من ولاية العهد، ويبدو أن الملك كان يريد إنهاؤه”. ويقول عدنان هياجنة، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الهاشمية إن مزاعم القصر جعلته مندهشا “من منظور علم السياسة لا أستطيع فهم كيفية تدخل الجهات الخارجية” و”التلميح بتدخل إسرائيل لا معنى له لأنها على علاقة جيدة مع الأردن. ولماذا يريدون زعزعة استقرار الأردن؟ وحتى لو كان السعوديون والإماراتيون الذين همشوا الأردن في الفترة الأخيرة، راغبين فهم لا يريدون زعزعة استقرار الأردن”.
وكان من بين المعتقلين باسم عوض الله، رجل الأعمال والمسؤول السابق المرتبط بالسعودية، إلا أن الخبراء يقولون إن هذه العلاقات ليست مرتبطة بالأمير. وترى بسمة مومني، الأستاذة في جامعة واترلو في أونتاريو أن اعتقال عوض الله كان تكتيكا لأن “العشائر تكره عوض الله وتراه مرادفا للفساد والنخبوية” و”لكنه لم يكن مرتبطا بالأمير، واعتقال عوض الله كان لحرف النظر”.
وتقول فوهرا إن تلميح القصر بأن إسرائيل والسعودية تريدان أن يصبح الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين في الضفة الغربية وكجزء من صفقة واسعة تستبدل وصاية الهاشميين على القدس بوصاية سعودية، ولأن الملك عبد الله لا يريد أن يمشي في خططهم، ولهذا أرادوا من حمزة القيام بانقلاب عبر انتفاضة شعبية. ويرفض المراقبون هذا التحليل ويرونه نوعا من التكهنات. ويعلق توبياس بورك، الزميل في المعهد الملكي للدراسات المتحدة في لندن “تم تعويم الفكرة هذه على مدى نصف القرن الماضي أو أكثر ولم تؤخذ بجدية وبالتأكيد من الحكومات العربية”. و”عادة ما يتم الحديث عن تعامل السعودية أو الإمارات على أنهما الخيار السياسي المجدي، ولكنني لا أعتقد بهذا ولم أسمع أبدا أي سياسي سعودي أو إماراتي يتعامل مع الفكرة بجدية”.
وفي قلب شعور الملك بعدم الأمن هي حركة الاحتجاج التي يطلق عليها بالحراك الأردني. ففي 2011 الذي غمرت فيه ثورات الربيع العربي المنطقة، خرج الإسلاميون من جماعة الإخوان المسلمين وأبناء العشائر إلى الشوارع للاحتجاج. ويرى التل أن أساس الحراك “بدأ عام 2010 عندما أصدر المتقاعدون من الجيش بيانا لم يتحدثوا فيه بشكل واضح عن استبدال الملك بحمزة لكن خيارهم كان واضحا”. وتسيطر على مؤسسات الجيش والأمن عناصر من أبناء العشائر. ورغم تعيين الملك هذه القيادات إلا أن خوفه الدائم من انقلاب أحدهم عليه لصالح حمزة. ولكن محللين آخرين يرون في الحديث عن مخاوف الملك أمرا مبالغا فيه “فرغم وجود خطوط صدع أيديولوجية وإثنية عديدة في السياسة الأردنية، من دعاة الإصلاح وتظاهرات دعاة الديمقراطية -من يسار ووطنيين وإسلاميين وحركات غير حزبية- وتظاهرت واحتجت ضد الفساد وطالبت بالإصلاح كل جمعة منذ أكثر من عام” كما يقول كيرتيس رايان من جامعة ولاية أبالا تشيان “إلا أن هذا لا يعني ثورة قادمة أو حربا أهلية. وبالتأكيد لا يزال معظم الأردنيين يدعمون الملكية ويريدون منها قيادة الإصلاح”.
وتختم بالقول إن الملك يبدو عدوا لنفسه وليس حمزة أو أي من المعارضين المعروفين. والتاريخ حافل بالملوك الذين يشعرون بعدم الأمان ويدمرون أنفسهم. وبدلا من الاعتقالات أو الحديث عن نظريات غير مؤكدة فمن الأفضل لو ركز الملك على إصلاح سياسي وفوض السلطة إلى البرلمان، فقيادة دراجة “هارلي” النارية لا تجعلك ملكا حديثا ولكن مؤسسة ملكية دستورية، يلعب فيها الملك رمزا للدولة وليس أكثر من هذا.
صحافة : فورين بوليسي: لم يحدث انقلاب في الأردن.. لكن الملك يشعر بعدم الأمان!!
14.04.2021