تفقد السيارة الجديدة قيمتها بعد لحظات من خروجها من الوكالة، في معظم الأماكن، ولكن ليس في الجزائر، على حد تعبير مجلة ” إيكونوميست”، التي بدأت في تقريرها حول أزمة المركبات في الجزائر بالإشارة إلى قصة المواطن حسن حويشة، الذي رفض بيع سيارته ” فولكس فاغن” ، على الرغم من تلقيه عروضاً لشراء المركبة بنفس المبلغ الذي دفعه في عام 2013، حيث قال:” ماذا لو لم أجد سيارة أخرى؟”.
الجزائر لديها مشكلة، كما يضيف تقرير ” إيكونوميست” وهي أنها لا تنتج سيارات، ولا تسمح باستيراد المركبات منذ عام 2016 في محاولة للحفاظ على العملة الصعبة.
وذكرت المجلة أن الأمر لم يكن مفاجئاً لأحد، وقالت إن هذه السياسات الرديئة هي نموذج لكيفية تعامل الحكومة مع العجز في الحساب الجاري، وما ينتج عنه من أزمة في العملات الصعبة، كما تزيد أفعالها المتقلبة من التقلبات في بلد أطاح بحكمه الأوتوقراطي في انتفاضة قبل عامين.
وأشارت المجلة إلى أن الاقتصاد الجزائري قد تقلص بنسبة 5.5 في المئة في عام 2020، وأفادت أن أكثر من 90 في المئة من عائدات الجزائر تأتي من صادرات النفط والغاز، ولكن الإيرادات انت في مسار تنازلي لسنوات، ولم يساعد الركود في الطلب على الطاقة بسبب الوباء، وفي غضون ذلك، وعلى مدى العقد الماضي، أنفقت الجزائر أكثر من 28 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي كل عام على الواردات، ونتيجة لذلك، انخفضت احتياطياتها الأجنبية من حوالي 200 مليار في عام 2014 إلى أقل من 50 مليار اليوم، وتوقع اقتصاديون نفاذها في غضون عامين.
وتناول التقرير خطوات الدولة نحو إنفاق نقود أقل، وخفض فاتورة الواردات بشكل كبير في عام 2020، وأشار الكاتب إلى أن الحكومة طلبت من شركة الطاقة “سوناطراك”، التي تمارس أعمالها بالعملة الأجنبية، خفض الإنفاق لهذا العام بمقدار النصف، كما فرضت الحكومة تعريفات تصل إلى 200 في المئة على كل شيء تقريباً من الشوكولاتة إلى الهواتف المحمولة، وفي كانون الثاني، تم تعليق استيراد اللحوم الحمراء، وقبل ذلك بأسبوعين، أقال الرئيس عبد المجيد تبون وزير النقل ورئيس الخطوط الجوية الجزائرية لاستخدامه العملة الصعبة لشراء إمدادات تموين.
وشددت “إيكونوميست” على أن مسألة حظر السيارات الأجنبية أكثر إثارة للجدل، وأشارت إلى تصريحات وزير الصناعة فرحات آيت علي في العام الماضي على أنها “ليست أولوية”، ولكنه لاحظت أن الغضب الشعبي المتزايد من نقص المركبات قد يؤدي إلى تغيير المسار، وفي كانون الثاني الماضي، أعلن آيت أنه سيتم تخصيص ملياري دولار لواردات السيارات من قبل الوكلاء الذين تم فحصهم.
وقال المحلل زين غبولي للمنصة الإعلامية إن الحكومة تحاول تجنب انتفاضة أخرى، ولكن عند نقطة معينة، سيدرك الناس أن ملياري دولار ليست كافية، مشيراً إلى أن فاتورة استيراد السيارات في عام 2013 كانت ستة مليارات دولار، عندما لم تكن هناك أي قيود.
يشكو الجزائريون من بقاء النخبة القديمة في السلطة، ولا يزال الناس في حاجة إلى السيارات ومازالت العملة الصعبة تنفد
وأشارت المجلة إلى أن الجزائر حاولت التنويع، بعيداً عن الطاقة، وتقليل الواردات، حيث أقامت شراكات بين المنتجين الأجانب ورجال الأعمال الجزائريين، بعد حظر استيراد السيارات، بهدف تجميع المركبات محلياً، إذ كانت الحكومة تأمل في إنشاء صناعة سيارات مثل المغرب، جارة الجزائر، التي تشحن السيارات إلى أوروبا وعبر أفريقيا.
وقد جذبت خطة الجزائر شركاء أجانب مثل رينو وفولكس فاجن وهيونداي وكيا، وتم منح الشركات أرضاً مجانية وعدماً للطاقة لمصانعهم، وخفض الضرائب والرسوم الجمركية مقابل زيادة استخدام الموارد المحلية بشكل تدريجي، ولكن بناء سلسلة إمدادات محلية كان أمراً صعباً في بلد ليس له تاريخ في صناعة السيارات، وقال النقاد إن المصانع الجديدة استخدمت قطع غيار اجنبية أكثر مما كان المفترض أن تستخدم، كما أن تكلفة السيارات المنتجة محلياً أصبحت أكثر من المستوردة، بينما لا تزال تلتهم العملة الصعبة.
ورأى الجزائريون في ذلك مثالاً آخر على ” اهتمام رجال النظام بجيوبهم على حساب الجمهور” وهي سمة مميزة لحكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وأشارت المجلة إلى أن المحكمة أيدت أحكاماً بالسجن بحق رئيسين سابقين للوزراء أدينا بمنح عقود لأصدقائهم وشركائهم، كما تم الحكم على وزيرين سابقين للصناعة والعديد من رجال الأعمال بالسجن.
وأكد التقرير أن الجزائريين يشكون من بقاء النخبة القديمة في السلطة، ولا يزال الناس في حاجة إلى السيارات، وقد تم إلغاء تراخيص الاستيراد الخاصة بمصانع التجميع وإغلاقها، وقالت الحكومة إنها تسعى إلى إقامة شراكات جديدة بين الشركات الأجنبية ورجال الأعمال المحليين، وأنها ستضمن هذه المرة زيادة الإنتاج محلياً، ولكن لم يتم الإعلان عن أي صفقات جديدة، ولا تزال العملة الصعبة تنفد.
صحافة : إيكونوميست: بلد معطل.. ماذا تقول أزمة نقص السيارات عن الجزائر؟
07.02.2021