قال المعلق في صحيفة “أبزيرفر” سايمون تيسدال إن فرض عقوبات على “دول منبوذة” في زمن كوفيد-19 لن تؤدي إلا إلى نشر البؤس.
وأضاف أن منظر الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ- أون وهو يشهق بالبكاء ولا يلوح بيده كالعادة في أثناء عرض عسكري بالعاصمة بيونغ يانغ شوش على الخطاب الغربي المعروف عن كوريا الشمالية.
وكان السؤال: هل كان كيم يذرف دموع الندم لخذلانه شعبه المضطهد أم كان يشعر بالحزن الشديد حقا وحقيقة؟
وهل كان يعني أن النظام يفقد السيطرة رغم كشفه عن أطول صاروخ؟ أو ربما كان كيم هو الذي فقد السيطرة؟
ولا يمكن الدهشة لشعور كيم بالضغط خاصة أن العقوبات الأمريكية وتلك التي فرضتها الأمم المتحدة تركت مفعولها بالإضافة لتراجع التجارة الدولية بسبب كوفيد-19.
ومع ذلك فالمعاداة الدولية تعني أن انهيارا مفاجئا لنظام كيم سيكون خطيرا وفوضويا ومزعزعا للإستقرار في المنطقة وإن على المدى القصير.
ويعكس اللغز الكوري المخاطر الإستراتيجية والسياسية والأخلاقية- الواضحة في عمليات السحق القاسي وعزل ما يطلق عليها الدول المنبوذة، وعادة بترتيب أمريكي.
وكما قال وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول إن على الساسة الحذر فيما يريدونه لأنه قد يتحقق. فالقادة الذين يريدون تعذيب الآخرين مهما كانت الأسباب وتركعيهم ينتهون بتعذيب أنفسهم.
فالمعاناة الرهيبة للشعب الإيراني هي حالة أخرى. والطريقة التي تتحدث فيها إدارة ترامب هي إن الإيرانيين هم ضحايا نظامهم. ولكنهم ضحايا واشنطن أيضا، فهي التي حجزت صندوق النقد الدولي ومنعته من تقديم قرض بـ5 مليارات دولار لمساعدة إيران مواجهة تداعيات فيروس كورونا. وهم ضحايا لعقوبات أمريكية أخرى، ففي هذا الشهر أصدرت واشنطن حظرا على 18 مصرفا إيرانيا معظمها يقدم القروض للسكان.
وتعرض العقوبات الأمريكية الإضافية عمليات استيراد الطعام والدواء للخطر، فالأطفال والكبار في العمر والبازاريين أو التجار لا رأي لهم في نشاطات نظامهم النووية. ولكنهم الأكثر تضررا من العقوبات والفيروس. ويضع تقدير الضحايا من الفيروس في إيران التي تعتبر الأشد تضررا بين دول الشرق الأوسط وبنهاية 20121 بحوالي 300.000 وفاة.
ووصفت صحيفة “نيويورك تايمز” في افتتاحية لها الأسبوع الماضي إن “تطبيق العقوبات الواسع يصل إلى حد العقاب الجماعي لعشرات الملايين من الإيرانيين”. وقالت “في ظل ترامب أن تكون إيرانيا هي جريمة كافية”.
والأشد قسوة في هذا السياق هو المدى الذي ذهبت فيه دول الغرب لعزل فنزويلا التي اعتبرت ثورتها البوليفارية التي يقودها الآن نيكولاس مادورو ومنذ البداية تحد لا يطاق للتأثير الأمريكي في القارة اللاتينية. ويعيش هذا البلد عامه السادس من الأزمة الإقتصادية التي تسببت عن سوء الإدارة والفساد والتضخم العالي وانتهاكات حقوق الإنسان وهروب حوالي 5 ملايين شخص.
وبعد أكثر من عشرة أعوام من العقوبات على المصرف المركزي وشركة النفط المملوكة من الدولة فشلت واشنطن بالهدف الرئيسي وهو الإطاحة بمادرو وتنصيب شخص موال لها.
وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي اتهم مادرو غير النادم “الأفكار الإمبريالية” الأمريكية. وقال إن الرئيس ترامب أصبح المنبوذ الأكبر لأنه هاجم منظمة الصحة العالمية وعرقل جهودها لمكافحة وباء كورونا.
وأصبحت العقوبات شائعة في السنوات الأخيرة وذلك بهدف تحقيق أهداف أيديولوجية وسياسات، مثل العقوبات الأمريكية التجارية على وروسيا والإتحاد الأوروبي لكنها فشلت في خدمة المصالح الأمريكية.
وفي دراسة مسحية لمجلة “فورين أفيرز” (2019) وافق معظم الخبراء على أن العقوبات “تجلب الضرر أكثر من النفع” إلا أن دعوة الأمم المتحدة لوقف العقوبات على الدول الضعيفة تم تجاهلها.
وتكشف تجربة كوريا الشمالية وفنزويلا وإيران أن محاولات تغيير الدينامية السياسية أو عكسها في هذه البلدان تؤدي إلى أسوأ التصرفات. وربما بدا كيم باكيا ولكنه يشعر بالضغط ولهذا ضغط على سكان بلاده. والواقع الذي يمثله الصاروخ الباليستي الجديد العابر للقارات أنه قادر على الوصول إلى أي مدينة أمريكية لو زود برؤوس نووية. وعندما خرب ترامب فرصة المحادثات زاد كيم من الرهان. وبالمقابل لم توقف استراتيجية “أقصى ضغط” النظام الإيراني عن التدخل في سوريا والعراق ولا عن بناء الصواريخ الباليستية أو دعم الجماعات المعادية لإسرائيل. كما ودفع تراجع ترامب عن اتفاقية 2015 النووية طهران باتجاه تطوير قدراتها النووية. في وقت تحاول فيه السعودية متابعتها.
وشجعت سياسات العقوبات الأمريكية التيار المتشدد في إيران الذي لم يحب أبدا الشيطان الأكبر ويشعر أن مواقف صدقت اليوم. وأدى حس العزلة ومواجهة عمليات تخريبية إلى زيادة انتهاكات النظام لحقوق الإنسان كما بدا في حالة نسرين ستودة والضحايا الأبرياء مثل نازنين زغاري- راتكليف. والنظام الإيراني مخطئ ولكنه مثل بقية الأنظمة يعيش في ظل شرور ترامب.
ولم تؤد السياسات العقابية على فنزويلا مثل محاولات تغيير نظام مادورو واستبداله برئيس الجمعية الوطنية خوان غوايدو. ولكن سكان فنزويلا أصبحوا أكثر فقرا. وبحث رجال النظام في كراكاس عن أي فرصة للنجاة.
ويرى الكاتب أن فرض العقوبات على دول ذات سيادة يعتبر تصرفها تهديدا يظل أحسن من شن الحرب. ولكنها تؤدي وسط الوباء إلى الإضرار بالناس العاديين والأبرياء. وبالنسبة لترامب ومن يقلدونه فتقريع وضرب الدول الأضعف يعتبر لعبة تفرحهم ولكنها ليست ناجعة. والبديل عنها هو بناء الثقة والحوار التي يطلق عليها الدبلوماسية التي لا يتبعها أحد اليوم وللأسف.
صحافة :أبزيرفر: العقوبات على الدول في زمن الوباء تضر فقط بالأبرياء ولا تحقق نتائجها
18.10.2020