أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41057
صحافة :فورين بوليسي: المصريون والإثيوبيون يخوضون حربا إلكترونية حول سد النهضة!!
24.09.2020

نشر موقع “فورين بوليسي” مقالا للصحافية أينات ميريسي، المقيمة في نيروبي، قالت فيه إن النزاع المصري- الإثيوبي حول سد النهضة العظيم بدأ ولكن على العالم الافتراضي “سايبرسبيس”.وقالت الصحافية إن التخطيط لهجوم اقتضى أسابيع وأخرى للتخلي عنه.
مجموعة “حورس” المصرية قامت في بداية حزيران/يونيو بمهاجمة مواقع تابعة للحكومة الإثيوبية التي استبدلت صفحاتها بصورة هيكل عظمي فرعوني يحمل في يد منجلا وفي الأخرى سيفا معقوفا.
وأضافت أن مجموعة تطلق على نفسها “حورس” قامت في بداية حزيران/يونيو بمهاجمة مواقع تابعة للحكومة الإثيوبية التي استبدلت صفحاتها بصورة هيكل عظمي فرعوني يحمل في يد منجلا وفي الأخرى سيفا معقوفا وبعبارات “لو هبط منسوب النهر سيهرع جنود الفرعون” و”جهزوا الشعب الإثيوبي لغضب الفراعنة”.
ونقلت الصحافية عن أحد الذين شاركوا في عملية القرصنة: “هناك شيء أكبر من قوة السلاح”.
وبعد عدة أسابيع ومن على بعد آلاف الأميال استخدمت شابة إثيوبية اسمها ليز أحمر الشفاه وارتدت قميصا أسود وبنطال جينز وجلست خلف مكتبها وبدأت حملة التأثير على الإنترنت: فيديو على تيك توك. ظهرت فيه وهي ترقص على أنغام موسيقى مصرية وبتعليق “حرف نظر المصريين ونحن نملأ السد”. وقالت: “لا يمكن لدولة أن توقفنا”. وأضافت ليز التي حققت شعبية على التطبيق وأصبح لها 70.000 معجب: “هذا هو حقنا”.
وتعلق الصحافية أنه لم سبق أن أثار بناء الانتباه مثل سد النهضة العظيم الذي سيصبح أضخم سد في إفريقيا عندما يبدأ تشغيله. فهو ليس مجرد بناء ولكنه نقطة حشد قومية للإثيوبيين والمصريين، البلدين اللذين يحاولان تعريف الهوية الوطنية بعد سنوات من الاضطرابات.
ويشارك الكثير من المصريين والإثيوبيين بالطرق المتاحة لهم وتحريك المشاعر في أول حرب إلكترونية في إفريقيا، حرب ستترك تداعيات بعيدة المدى.
وتعود فكرة السد إلى سنوات الستينات من القرن الماضي ولكن لم يبدأ الحفر فيه إلا عام 2011 وبعد أسابيع من الإطاحة بنظام حسني مبارك. وكان التوتر حاضرا بين المصريين والإثيوبيين وفي كل تعليق على أي مقال تحدث عن السد ثم انتقل النزاع إلى عالم المراجعات، اليوم هناك عدد من المواد المفتاحية لـ GERD أي سد النهضة الإثيوبي العظيم ومعظمها تحمل تقييما ما بين 3-4 نجمات وهناك 5 نجمات مثل “معمار عظيم لواحد من أكبر سدود العالم” ورد آخر بتقييم نجمة واحد: “سنموت عطشا بسببكم”.
وزاد التوتر هذا العام بعدما فشلت المبادرة الأمريكية لحل الأزمة بين إثيوبيا ومصر ثم تبعتها محاولة أخرى برعاية الاتحاد الإفريقي. وساد موضوعان النقاش وهما: ماذا سيحدث في وقت الجفاف ثم ماذا سيحدث وقت الخلاف؟ وفي المسألة الأولى كانت مصر تؤكد على ربط ملء خزان السد بموسم الأمطار وتوقفه زمن الجفاف. أما إثيوبيا فقد ناقشت أن ضمانات كهذه غير مقبولة لها. وفي موضوع حل النزاعات تطالب مصر ومعها السودان بآلية ملزمة لحل النزاعات وهو ما لا تريده إثيوبيا.
وانتهت عمليات بناء السد في تموز/يوليو وبدأ ملء السد بعد ذلك مباشرة وسط هطول كثيف للأمطار، وقبل أن يتم التوصل لاتفاق بين الدول الثلاث. وقالت الولايات المتحدة التي تعتبر المصدر الرئيسي للمساعدات لكل من إثيوبيا ومصر في آب/أغسطس إنها ستؤجل بعض المساعدات لإثيوبيا بسبب قراراها البدء بملء الخزان.
وفي بداية العام فوجئ وزير المياه الإثيوبي عندما سئل عن الجهة التي ستتحكم بالسد قبل أن يرد بطريقة فظة: “هذا سدي”. واستخدم الناشطون على منصات التواصل بمن فيهم ليز رد الوزير كشعار في هاشتاغ يدعو حكومتهم للتقدم بالمشروع. وذهب بعضهم أبعد ودعا لملء السد بدون أخذ اعتبار لدول المصب. وكتب أحدهم تغريدة على تويتر: “لا حاجة للتفاوض مع مصر المخادعة”. ورد المصريون بهاشتاغ النيل للجميع وبتهديدات مثل: “سأتطوع مع الجيش المصري لتدمير إثيوبيا وسدها” مستخدما هاشتاغ النيل حق مصر. وعادة ما يتصادم مستخدمو منصات التواصل الاجتماعي وبشكل مستمر على الإنترنت لكنهم يتصادمون أكثر على صفحة عادل العدوي على التويتر. فهو كعضو في عائلة سياسية معروفة وأستاذ بالجامعة الأمريكية في القاهرة ومن أكثر الناشرين لمنظور مصر حول السد بالإنكليزية فقد جمع عددا كبيرا من المعجبين، ووضع صورة له وهو يصافح الرئيس عبد الفتاح السيسي وكتب منشورات حول النيل والشؤون الإثيوبية خاصة عندما تصبح الأمور أكثر تعقيدا. ففي حزيران/يونيو قتل المغني الشعبي هاشالو هانديسا من إثنية الارومو التي تعرضت للتهميش مما أدخل البلاد في حالة من الاضطرابات وقتل عدد كبير من المحتجين. ونشر العدوي في هذه الفترة عدة تغريدات تحدث فيها عن تشظي المجتمع الإثيوبي، بل وأضاف عليها منشورات تهدف لإثارة الخوف، مثل دعوة عدد من الإثيوبيين، وإن بشكل خاص، مصر للإطاحة بالنظام السياسي في بلادهم. وبعد ذلك تدفقت عليه دعوات الصداقة على فيسبوك، ما بين 500- 600 دعوة. و”تلقيت إهانات وأرسل لي البعض روابط معينة وبالطبع لم أفتحها”. ومعظم الحسابات كانت فارغة لا تحتوي إلا على معلومات قليلة و”الحصول على 600 دعوة في مدى ساعة ليس أمرا عاديا”.
وحتى على “تويتر” يبدو أن بعض المنشورات التي تتواصل مع العدوى تأتي من حسابات مشبوهة، فهي بدون معجبين أو فتحت قبل فترة أو أنها تنشر عن السد. ولا يعرف مستوى التنسيق في هذه الحملة أو من يقوم بالتنسيق. ومن السهل التفكير أن هذه الحملة قادمة من إثيوبيين يهتمون ببلدهم إما في الداخل أو الخارج. وبالتأكيد فهي ليست بتوجيهات رسمية. وقال إندالكاتشو تشالا، أستاذ الاتصالات بجامعة هاملين بمينوستا: “لدي أصدقاء انضموا إلى تويتر لهذا الغرض، وهو موضوع عاطفي حار وقومي”. وبحسب تقرير لمعهد أوكسفورد للإنترنت نشره عام 2019 فالحكومة الإثيوبية لا تشارك عادة في حملات دعائية عبر الكمبيوتر. لكن المؤسسات تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لنشر دعاية الحكومة ومهاجمة المعارضة والحسابات المخربة. وينسحب نفس الأمر على الحكومة المصرية. ورغم عدم وجود أدلة عن دور للحكومة المصرية أو الإثيوبية في الهجمات الإلكترونية أو هجوم مجموعة حورس إلا أن الحرب الإلكترونية حول السد تمثل حجر أساس. وهي أول مرة يستخدم فيها سكان دولة إفريقية أدوات رقمية للهجوم على سكان دولة أخرى في القارة كما يقول غيلبرت نياديجي، المدير التنفيذي للمنبر الإفريقي للدفاع السايبري، و”هذا يعني شيئا واحدا، وهو أن علينا توقع حدوثه مرة بعد الأخرى”. وتعلق الصحافية أن في جوهر الهجمات وعمليات القرصنة والتخريب قوة واحدة وهي القومية. ففي مصر منذ سقوط مبارك عام 2011 وإثيوبيا منذ وفاة ميليس زيناوي عام 2012 فالهوية القومية في تقدم. فمصر السيسي تقوم على تأكيد الهوية القومية كمصدر للشرعية وبناء المشاريع الضخمة مثل توسيع قناة السويس وبناء عاصمة إدارية جديدة. ويعتبر النيل مصدر الهوية المصرية. ومن هنا فتعزيز الهوية القومية يعني الدفاع عن النيل. وشجع المسؤولون المصريون هذا التوجه، ففي شريط فيديو معد بشكل جيد ووزعته وزارة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج حذر: “هناك أكثر من 40 مليون مصري يواجهون خطر العطش. وسبب شح المياه هو بناء إثيوبيا سدا أكبر من حاجتها بخمس مرات”. وأظهر الشريط ملمح ضعف لدى دولة عربية قوية ولكنه أسهم في حشد التعاطف الدولي معها، حتى مع نظرة إثيوبيا لمزاعم مصر في النيل على أنها نتاج للترتيبات الاستعمارية والتي مثل فيها المستعمر البريطاني مصالح مصر.
وفي الوقت نفسه لم يكن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قادرا على التعامل مع المشاعر الإثنية المتنافسة والتي تتزايد بين الجماعات الإثنية في البلاد. ووصل أحمد إلى السلطة عام 2018 نتيجة لموجات من الاحتجاجات التي بدأت بين شباب الأورومو. وبعد سنوات من الحكم الشمولي وسيطرة إثنية التيغري على البلاد وعد أحمد بمد جسور تتجاوز خطوط الصدع الإثنية وتنشئة هوية قومية واحدة. وحتى هذا العام فلم يحدث تقدم كبير وهناك انتقاد لسياساته من الأرومو الذين يقول إنه يدافع عنهم. ومع ذلك قدم السد نقطة الحش التي يتجمع حولها كل الإثيوبيين. وكما يقول تشالا: “لدينا الكثير من الانقسامات الأيديولوجية والإثنية والدينية” و”رغم وجود هذه الانقسامات المرة دعم الإثيوبيون وبقوة سد النهضة خاصة عبر منصات التواصل الاجتماعي”. وحتى نقاد أحمد الأشداء مثل الناشط الأروموي جوار أحمد فقد نشر بشكل مستمر على منصات التواصل حول حق بلاده بملء خزان النهضة. وكتب في حزيران/يونيو تغريدة قال فيها إن على مصر وداعميها معرفة أن إثيوبيا ستبدأ بملء سد النهضة العظيم في تموز/يوليو باتفاق أو بدون اتفاق”. وتغير كل شيء بعد مقتل هانديسا واعتقال محمد بتهمة التحريض على التوتر العرقي. وفي الوقت الذي عبر فيه الناشطون من الأرومو عن دعمهم للسد مثل محمد لكنهم طالبوا بعدم الخلط بينه وقضيتهم وفيما يرونه فشل آبي أحمد. وفي الوقت نفسه يواصل المسؤولون الإثيوبيون تشجيعهم للمواطنين باستخدام منصات التواصل وحتى هاشتاغ هذا سدي. وهم بهذه الطريقة يحشدون الإثيوبيين في الشتات للمشاركة بدون الخوف من انقطاع الإنترنت المتواصل والذي يحد من قدرة دعم السد على الإنترنت. لكن القومية تخلق مشاكل، فهناك آلاف من المهاجرين واللاجئين الإثيوبيين الذين يعيشون في مصر باتوا عرضة للتحرش والضغوط من المواطنين والمسؤولين على حد سواء. وفي إثيوبيا يتم التعامل مع أي نقد للسد ولأسباب تتعلق بالبيئة والتنوعات البيئية يتم إسكاته ومقابلة ما يقوله بالسخط.
وتعرقل التعبئة القومية جهود المسؤولين في البلدين للاتفاق أو التسوية التي قد يقبلها مواطنو بلديهما. وفي الحقيقة اتفقت مصر وإثيوبيا على معظم القضايا وما بقي متعلق بالجفاف وتسوية النزاع والمشاريع المستقبلية لدول المصب. ومع ذلك فالحرب الإلكترونية تتسم بالمطالب القصوى وترفض حتى حق إثيوبيا ببناء سد وبأي شكل من الأشكال. مما يعني أن هذه الحرب لن تخفت قريبا. وبالنسبة لمجموعة حورس فهي تخطط لهجوم إلكتروني جديد على إثيوبيا. وعندما سئل أحد المشاركين إن كانت المجموعة ستعيد التفكير بهجومها حالة توصل البلدين لاتفاق، اكتفى بالقول: “ربما”.