أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41057
صحافة : نيويورك تايمز: درس بيروت لأمريكا نحن متشابهون ورئيسكم لا يختلف عن زعيم ميليشيا عندنا!!
11.08.2020

ما هي رسالة التحذير التي يحملها انفجار بيروت لأمريكا؟ يجيب الكاتب في صحيفة “نيويورك تايمز” توماس فريدمان أن كل تحول في أمريكا كما في لبنان تحول إلى سياسة. ويقول إنه عندما استمع للأخبار عن الانفجار الفظيع في بيروت والتكهنات المتعددة عمن يكون ارتكبه عاد في ذهنه إلى لوراء 40 عاما وحفلة عشاء أقامها رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت مالكوم كير، ففي تلك الحفلة دار الحديث حول عواصف بردية غير عادية ضربت بيروت في الليلتين قبل الحفلة. وشارك كل واحد بتقديم تفسيره لهذه الحادثة المناخية قبل أن يسأل كير بسخرية الحاضرين إن كان لسوريا يد في هذه العواصف غير العادية. ويقول فريدمان إن مالكوم كير، كان رجلا يملك جاذبية وباحثا ذكيا قتل بعد أشهر على يد قاتل لم يتم تحديد هويته. وكان في سؤاله يسخر من اللبنانيين الذين يفسرون كل شيء من خلال المؤامرة، خاصة المؤامرة السورية. ولهذا ضحك الجميع على تعليقه. ولكنه كان يقول شيئا عميقا عن المجتمع اللبناني، وهو ما ينسحب وللأسف على أمريكا- وهي حقيقة أن لبنان في حينه وحتى اليوم يفسر فيه كل شيء من خلال السياسة. ونظرا للطبيعة الطائفية للمجتمع اللبناني حيث تم تقسيم سلطات الحكم وغنائم الدولة دستوريا وبطريقة غير رسمية بين الطوائف المسيحية والمسلمة المختلفة، وبهذه المثابة تحول كل شيء إلى سياسة. وأصبح كل تعيين في الحكومة وكل تحقيق في مخالفة وكل قرار حكومي يتعلق بهذا الأمر أو ذاك صورة عن منفعة لهذه الطائفة وحرمانا للأخرى. وكان نظام أدى لاستقرار مجتمع متنوع، تخللته فترات من الحرب الأهلية، ولكن الثمن كان غياب المحاسبة والفساد وسوء الحكم وعدم الثقة. ولهذا السبب لم يسأل اللبنانيون بعد الانفجار الأخير عما حدث ولكن من الذي نفذه ولمصلحة من؟.
لبنان يُفسر فيه كل شيء من خلال السياسة. ونظرا للطبيعة الطائفية للمجتمع اللبناني حيث تم تقسيم سلطات الحكم وغنائم الدولة دستوريا وبطريقة غير رسمية بين الطوائف المسيحية والمسلمة المختلفة، وبهذه المثابة تحول كل شيء إلى سياسة
ويقول فريدمان إن الولايات المتحدة أصبحت مثل لبنان وبقية دول الشرق الأوسط ومن ناحيتين. الأولى، لقد أصبحت خلافاتنا السياسية عميقة بدرجة بات فيها الحزبان الرئيسان يشبهان طائفتين دينيتين في لعبة صفرية للتنافس على السلطة. وهم يطلقون على طوائفهم، موارنة وسنة وشيعة أو فلسطين- إسرائيل ونطلق على طوائفنا بالجمهويين والديمقراطيين، والفرق أن الطائفتين الأمريكيتين تتصرفان مثل قبيلتين متنافستين في لعبة حياة أو موت. الثاني، كما في الشرق الأوسط ففي أمريكا أصبح كل شيء سياسي من المناخ إلى الطاقة وحتى الأقنعة الواقية في زمن الوباء. ويعلق فريدمان “بالتأكيد أصبحنا مثل دولة شرق أوسطية، ففي الوقت الذي كان يتحدث فيه اللبنانيون عن حادث، تحدث الرئيس دونالد ترامب مثل زعيم ميليشيا لبناني معلنا أن الحادث هو نتاج مؤامرة “كان هجوما” و”كانت قنبلة من نوع ما””.
ويقول فريدمان إن المجتمعات وبالتأكيد الديمقراطية تموت عندما يصبح كل شيء سياسة. ويتم خنق الحكم بسببها. وبالتأكيد كان الانفجار بسبب فشل المحاكم اللبنانية الفاسدة وممارسة دورها كحامية للصالح العام ولم تصدر قرارا بإخراج كميات من المتفجرات من المرفأ، حسبما طلبت سلطات المرفأ ولسنوات عدة، وهو ما عبد الطريق للانفجار. ونقل ما قاله الفيلسوف الديني بالجامعة العبرية، موشيه هالبيرتال، “حتى تنتعش السياسة فهي بحاجة إلى نقاط مرجعية خارج نفسها- نقاط مرجعية عن الحقيقة ومفهوم الصالح العام” و”عندما يصبح كل شيء سياسيا فعندها تنتهي السياسة”. وبعبارة أخرى، عندما يصبح كل شيء سياسة يصبح كل شيء عن السلطة. فلا يوجد هناك مركز بل أطراف، ولا توجد حقيقة بل نسخ عنها ولا حقائق ولكن منافسة على المواريث. ولو آمنت أن التهديد المناخي حقيقي، فهذا لأن أحدا مول بحثا لك. ولو آمنت أن الرئيس ارتكب فعلا يدعو لمحاكمته بعدما حاول الحصول على مساعدة الرئيس الأوكراني للبحث عن معلومات تضعف المرشح الديمقراطي، جوزيف بايدن، فهذا لأنك تريد السلطة لحزبك. ويرى أن الحكام اللا ليبراليين والشعوبيين مثل دونالد ترامب والرئيس البرازيلي جائير بولسونارو والهنغاري فيكتور أوربان والتركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين يقومون وعن قصد بإضعاف حراس الحقيقة والصالح العام. ورسالتهم لشعوبهم: “لا تصدقوا المحاكم ولا عمال الخدمة المدنية المستقلين ولا وسائل الإعلام المزيفة- فقد ثقوا بي وبكلامي وبقراراتي، فهناك غابة. ونقادي هم قتلة (وهو ما وصف به ترامب اعضاء السلك الإعلامي ويوم الجمعة)، وأنا وحدي القادر على حماية قبيلتنا من قبيلتهم، فإما أن نحكم أو نموت”. ويقول إن هذه الموجة لا تسبب الأذى لنا فقط بل تقوم بقتلنا.
والسبب في فشل ترامب المطلق بالتعامل مع وباء كوفيد-19 هو أنه لم يستطع تشويه المرض أو حرف ضرره من خلال تحويله لموضوع سياسي. فأمنا الطبيعة محصنة من السياسة لأنها تتكون من كيمياء وبيولوجيا وفيزياء، وما تفعله في كل الحالات وتمليه هو نشر فيروس كورونا سواء أكده ترامب أم لا. وأكد قادة ألمانيا والسويد وجنوب كوريا العكس وقالوا: “لا، هناك حقائق علمية مستقلة عن السياسة وهناك الصالح العام وسننحني للحقائق ونخدم الصالح العام من خلال استراتيجية صحية عامة”. وفي ذلك اليوم أخبر ترامب أعضاء الحزب الجمهوري في كليفلاند أنه لو فاز بايدن “فسيؤذي الإنجيل والرب، فهو ضد الرب وضد البنادق وضد الطاقة، الطاقة التي نريدها”.
وكما هو الحال فقد اكتشفنا أن هناك طاقة جمهورية- نفط وفحم حجري مقارنة بطاقة ديمقراطية- هواء، طاقة شمسية ومائية. فلو كنت تؤمن بالنفط والغاز الطبيعي والفحم الحجري فأنت معارض للإجهاض وارتداء الأقنعة. ولو كنت تؤمن بالطاقة المائية والشمسية والهواء فمن المفترض أنك معك الإجهاض ومع ارتداء قناع الوجه. ويرى أن هذا التفكير المتطرف دمر لبنان وسوريا والعراق وليبيا واليمن ويأكل بشكل متزايد إسرائيل. ولكنك لو استمعت لهتافات المتظاهرين في لبنان لاكتشفت جوع اللبنانيين إلى حكومة تمثل الصالح العام. ونفس الأمر في أمريكا. وينقل عن هالبرتال تعريفه للقادة الذين نحترمهم ونحن إليهم حتى لو اختلفنا معهم. فهم كما يقول “القادة الذين يؤمنون بوجود عالم من المقدس- الصالح العام- يقع خارج السياسة ويتخذون القرارات الكبرى بناء على فهمهم الجيد للصالح العام وليس مصالح القوة العارية”. ويقول إن الناس لا يزالون يحترمون قادتهم العسكريون وينزعجون عندما يجرهم ترامب إلى حلبة السياسة. وانظر إلى نزاهة آل غور الذي قبل بحكم المحكمة العليا الذي منح انتخابات عام 2000 لجورج دبليو بوش، حيث وضع نصب عينيه الصالح العام أولا، وتلقى الرصاصة من أجل أمريكا. وكان ترامب سيمزق أمريكا حول موضوع مشابه. ولو خسر الانتخابات في تشرين الثاني/ نوفمبر فلا مجال لأن يضع الصالح العام أمام مصلحته ويمضي بهدوء.