في افتتاحية صحيفة “التايمز” عن الطريقة التي يجب أن ترد فيها بيروت بعد انفجار المرفأ، قالت: إعادة بناء لبنان. وقالت إن لبنان في مرحلة انهيار، وفي بيروت غضب عارم على النخبة السياسية لفسادها وعجزها وإهمالها الإجرامي، وهو ما قاد إلى أعمال شغب وهجمات على وزارة الخارجية ويأس ودعوات لثورة تطيح بنظام الحكم العفن في البلد المحاصر.
وقالت إن بطريرك الموارنة دعا الحكومة بكاملها للاستقالة. فيما استقالت وزيرة الإعلام على خلفية انفجار بيروت الأسبوع الماضي وفشل الحكومة على مدى خمسة أعوام القيام بإصلاحات يحتاجها البلد، كما استقال خمسة من أعضاء البرلمان الباهت. وقام آلاف المتظاهرين بالهجوم على وزارات الحكومة وطالبوهم بالرحيل.
وأضافت أن هناك قلة تتوقع بقاء حكومة حسان دياب التي شكلت في كانون الثاني/يناير لإنقاذ الاقتصاد المنهار ووقف التضخم المتزايد ومعدلات البطالة المتصاعدة. وقالت إن على الرئيس ميشيل عون، 85 عاما، الاستقالة أيضا. فهو رجل جاء إلى السلطة من خلال العنف الفصائلي القاسي والمسؤولية عن قتل الكثيرين في أثناء الحرب الأهلية، التي دفعته إلى منفى طويل في فرنسا. ولم يقدم شيئا للسياسة اللبنانية سوى تقديمه مثالا حيا عن الشلل والفساد المؤسساتي الناتج عن المحاصصة الطائفية وتقسيم السلطة بين الطوائف الدينية في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية.
وعلقت الصحيفة أن التخلص من الحكومة قد يكون خطوة تخفف من الغضب العام لفترة. ولكن هذا لن يعيد بناء البلد المحطم أو يجنبه الإفلاس الوشيك. ويحتاج لبنان إلى 5 مليارات دولار لإعادة إصلاح الضرر الذي نجم عن الانفجار الكارثي. ويحتاج إلى تثبيت عملته وإصلاح البيروقراطية المتجمدة والعودة قد الإمكان إلى الاقتصاد الحديث.
وتقول الصحيفة إن معظم دول الخليج سارعت ووعدت بتقديم المساعدات الطارئة، إلا أن معظم الدول العربية ليس لديها المال الكافي أو الإرادة السياسية ولا الخبرة للتأكد من إنفاق المساعدات بطريقة حكيمة أو أنها لن تنتهي في جيوب الفاسدين. وهناك حاجة لجهود دولية لإنعاش بلد كان مرة قلب المنطقة الاقتصادي والفكري، أو سويسرا الشرق الأوسط.
وتعتبر فرنسا، الدولة الأوروبية الأقرب للبنان الذي استعمرته في السابق وقام رئيسها إيمانويل ماكرون بزيارة مهمة إلى بيروت، حيث أثار حضوره دعوات هستيرية للمساعدة من الخارج واتهامات للطبقة الحاكمة. وقام بتنظيم مؤتمر عبر الفيديو لمناقشة تنسيق جهود عملية الإنقاذ الدولي. ورأت الصحيفة أن عملية إقناع الحكومات لكي تفتح قلوبها وجيوبها ستكون مهمة صعبة، خاصة في وقت تكافح فيه كل دولة ضد الوباء وما خلفه من ثمن اقتصادي باهظ. وماذا سينجم عن تفويض دولي من الأمم المتحدة، بقيادة فرنسا، لإعادة بناء لبنان وإصلاحه. ولن يأت المال بدون تعيين حكومة من التكنوقراط. وسيتم عبر هذا محو الإقطاعيات الطائفية التي حكمت البلد. وسيرحب معظم اللبنانيين بهذا، بشرط أن يتحللوا من قبضة حزب الله الخبيثة عليهم. وسيكونون بحسهم التجاري وصلابتهم ومرونتهم قادرين على إعادة بناء بلدهم من جديد.
وفي تعليق كتبه مراسل الصحيفة في الشرق الأوسط، ريتشارد سبنسر، قال فيه إن لبنان بلد ديمقراطي لكن الصور التي علقت مشانقها في نهاية الأسبوع تتطابق مع النمطية المعروفة عن جيرانها الديكتاتوريين. وكان من بين هؤلاء الجنرال السابق الذي أصبح رئيسا، أي عون. وهناك الزعيم الناري حسن نصر الله. وهناك أكاديمي غير معروف أصبح رئيسا للوزراء، دياب، والذي أصبح محلا للسخرية بسبب تخبطه بين مستشاريه الفنيين والقوة الحقيقية.
وعلى الجانب الآخر هناك نمطية رابعة، وهي الابن المحظوظ مثل سيف الإسلام القذافي الذي صعد بسبب والده العقيد معمر. وكذا في لبنان، فقد صعد سعد الحريري إلى سدة السياسة بسبب الدور الذي لعبه والده رفيق الحريري. ولبنان هو حر أكثر من جيرانه إلا أن المشكلة هي أن النمطيات تنتعش وفي أكثر من شكل. ويرى الكاتب أن عون الذي كان عنصرا مهما في الحرب الأهلية لم يعد حازما مثلما ما كان وطغت عليه شخصية صهره جبران باسيل، الذي أصبح أكثر شخصية يمقتها اللبنانيون. فكوزير للطاقة استطاع أخذ أكبر حصة من ميزانية الحكومة بدون توفير الطاقة الكهربائية على مدار الساعة وهو أمر تستطيع الدول الفقيرة مثل مصر عمله. ولم ير في مكان الحادث وعندما قوبل على التلفزيون ظهر مرتبكا حول مسؤولية الحكومة عن تخزين نترات الأمونيوم في المرفأ.
ولم يكن دياب، الأستاذ الجامعي، بين من علقت مشانقهم بشكل رمزي، وهذا لأنه شخص عاجز ولا يسيطر على مؤسسة الفساد. وفشل بتقديم مقترحات إصلاح اقتصادي لصندوق النقد الدولي. وعندما زار وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بيروت كتب تغريدة أن زيارته جاءت “بدون معلومات” مما دفع وزير الخارجية للاستقالة.
ويقول النقاد إن دياب هو مجرد واجهة للكتلتين الشيعتين المؤثرتين: حزب الله وحركة أمل بزعامة رئيس البرلمان، نبيه بري. ويقول المعادون لهما إنهما قدما لبنان ضحية للتحالفات الإقليمية المدمرة. وبري أصبح ميليارديرا مع أنه قضى كل حياته في السياسة. وتعرض الحريري لنفس الذم الذي تعرض له البقية، فالترحيب والأمل الذي رافق صعوده بعد مقتل والده قد تبدد. وأثبت على مدى السنين عدم قدرته على الوقوف ضد منافسيه، حزب الله أو حتى راعيته السعودية. واعتقل لفترة قصيرة وأهين من ولي العهد السعودي في عام 2017.
ويخلص الكاتب إلى أن القيادة الحالية لا بدائل عنها. فلم يظهر مرشح شاب أو أفضل من ركام السياسة الطائفية التي تمثلها القيادة الحالية. وتقول المتظاهرة نجوى إنها تريد خروجهم جميعا و”كأنهم يجلسون على نفس الكرسي ويتبادلونه” و”لا يريدون ترك الكرسي، لماذا؟ لأنه يجلب الكثير المال لجيوبهم”.
صحافة : التايمز: على عون الاستقالة وحكومة جديدة ضرورية لإعادة إعمار البلد!!
10.08.2020