نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا تساءلت فيه عن موقف المتفرج الذي تمارسه الولايات المتحدة في ليبيا فيما تقوم روسيا بتوسيع نفوذها في هذا البلد الذي يعيش حربا أهلية منذ عام 2014.
وفي تقرير أعدته ميسي ريان وسودرسان رغفان، قالا فيه إن غياب القيادة الأمريكية عن ليبيا فتح المجال أمام مواجهة دولية خطيرة هناك. وباتت الحرب بالوكالة تهدد المصالح الأمنية والاقتصادية في منطقة شرق المتوسط، ومنحت روسيا منصة لتوسيع نفوذها في البحر الأبيض المتوسط. ويظهر الموقف الأمريكي على الهامش وعدم تحديد الطرف الذي تدعمه في النزاع من خلال النشاط التركي والروسي والمصري التي باتت تضخ أسلحة ومقاتلين في معركة ملتهبة.
وقال دبلوماسي غربي: “الولايات المتحدة هي بالضرورة خارج اللعبة. ولم يستطع الليبيون التوصل إلى قرارهم وأصبحوا تابعين وبشكل كامل للقوى الأجنبية” و”هناك انحراف كامل”.
وأصبحت ليبيا في الأشهر الأخيرة منطقة حرة لجميع القوى الإقليمية والأوروبية، ومعظمهما متحالفة مع الولايات المتحدة وملأت الفراغ الأمني والسياسي، وقدمت الدعم للحكومتين المتنافستين. وتقول الصحيفة إن انقساما بات واضحا بين دول الناتو في وقت يتدفق المرتزقة من روسيا وسوريا ودول الصحراء الإفريقية في بحث عن فرص مالية.
وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنتوني غوتيريش من أن النزاع قد دخل مرحلة جديدة وخطيرة نظرا لمشاركة “غير مسبوقة” للجيوش الأجنبية.
وتشير الصحيفة إلى زيادة الضحايا بين المدنيين، فيما زرع المقاتلون الهاربون التابعون لحفتر حقول ألغام في المناطق السكنية حول العاصمة. وتتخمر المعركة الجديدة قرب مدينة سرت على ساحل المتوسط، ويحاول كل طرف جلب الذخيرة والأسلحة تحضيرا للمواجهة.
وقال غوتيريش الأسبوع الماضي: “الوقت ليس في صالحنا”. وترى الصحيفة أن الوضع في ليبيا هو تلخيص للمدخل العشوائي الذي انتهجته إدارة الرئيس دونالد ترامب في مجال السياسة الخارجية. وقام ترامب العام الماضي بتفكيك الجهود التي ترعاها الأمم المتحدة للتوصل إلى تسوية سلمية عندما أعلن عن دعمه للجنرال المتمرد خليفة حفتر في هجومه على طرابلس العام الماضي.
ودعت الولايات المتحدة في الأسابيع الماضية لوقف القتال في محادثاتها مع قادة مصر وتركيا وفرنسا، في وقت عبرت القيادات العسكرية عن قلقها من الانتشار الروسي والتهديد الذي يمثله على أرصدة الجيش الأمريكي في البحر المتوسط.
وكشف الوضع الفوضوي عن الطريقة التي أضعفت فيها الولايات المتحدة موقفها في تشكيل الأوضاع في ليبيا من خلال التزامها بحظر السلاح المفروض على البلد. ورغم ذلك، فالحرب في ليبيا لا تشكل جزءا مهماً في السياسة الخارجية، حيث تركز واشنطن على الصين وإيران، وسط محاولات مواجهة انتشار وباء فيروس كورونا والانتخابات الرئاسية التي تلوح بالأفق.
ويقول عماد الدين بادي، الخبير بشؤون ليبيا في المجلس الأطلنطي: “لسوء الحظ تخلت الولايات المتحدة عن تأثيرها” و”كل الدول التي استثمرت الغياب الأمريكي تنتفع”.
ومنذ الإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011، حدت الولايات المتحدة من دورها وتعاملت مع ليبيا عبر منظور مكافحة الإرهاب، ودعت الأوروبيين لاستلام القيادة.
ويشجب الكثير من الليبين -حقا أو باطلا- أمريكا لأنها لم تقدم الدعم لهم في مرحلة ما بعد الربيع العربي، وقام الدبلوماسيون الأمريكيون بمحاولات لتقوية شرعية حكومة الوفاق الوطني التي تدعمها الأمم المتحدة. لكن دعمهم خف وبات حذرا نظرا لضعفها واعتمادها على المليشيات. وفي نفس الوقت عبّر الأمريكيون عن إحباطهم من الجنرال حفتر، الذي كان رصيدا لسي آي إيه لتصميمه على أخذ البلاد بالقوة.
وانتهت محاولته للسيطرة على طرابلس التي استمرت عاما في حزيران/ يونيو بعدما قدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الدعم لحكومة الوفاق الوطني. وجاء فشل حفتر وسط نقل الروس طائرات متقدمة إلى ليبيا، مما أضاف لقائمة الأمم المتحدة في مجال حظر السلاح، ومقدمة الدعم لحفتر بعدما نشرت المرتزقة الروس من شركة فاغنر.
ويبدو أن روسيا وتركيا مندفعتان نحو ليبيا بوعد الحصول على المنافع الاقتصادية، خاصة أن ليبيا تحتوي على أكبر احتياط للنفط في أفريقيا.
وقامت الأدميرال هايدي بيرغ، المسؤولة الأمنية البارزة في القيادة المركزية لأفريقيا بخطوة غير مسبوقة، حيث شجبت التدخل الروسي في ليبيا. وقالت إن روسيا تحاول تقديم نفسها كعراب للسلام وإثارة النزاع من خلف الستار. كما يرى الأمريكيون أنها فعلت هذا في أوكرانيا والسودان وجمهورية أفريقيا الوسطى.
وقالت بيرغ في مقابلة مع الصحيفة: “كانت القوى الوكيلة على طاولة المفاوضات ولديها تأثير لا تستحقه أما الآن فقد أصبحت المحاور الأساسي” و”هذا يكشف عما تريده روسيا: تميز دولي وقدرة على فرض الثمن على المجتمع الدولي- والدولة التي تستطيع تعول على طاولة المفاوضات”. وستستفيد روسيا لو قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي تنفيذ تهديده والقيام بعملية عسكرية في ليبيا لو قامت قوات حكومة الوفاق الوطني بدخول سرت وقاعدة الجفرة الجوية.
وقال المسؤولون الأمريكيون إن مصر الحليفة لأمريكا تقوم بتحضيرات عسكرية من أجل عملية عسكرية محتملة. كما وضعت ليبيا حلفاء الناتو أمام بعضهم البعض، تركيا ضد فرنسا التي يقول المسؤولون الأمريكيون إنها تدعم حفتر. وتعهدت فرنسا أنها لن تتهاون مع “اللعبة الخطيرة” لتركيا في دعم حكومة الوفاق الوطني.
وفي مواجهة للوضع المتحرك سريعا، قام الدبلوماسيون الأمريكيون بحركة قوية للدفع من أجل التسوية السياسية، وإن كانت خلف الأضواء تحت مسمى “الحيادية السياسية”. وقال مسؤول: “هذه أولا وأخيرا مشكلة أوروبية” و”قد استثمرنا لحل المشكلة ولكنها معقدة بشكل كبير، سرينة ليبيا”، في إشارة إلى الحرب السورية التي تدخلت فيها إيران وروسيا وتركيا.
وأشار المسؤول للمشاركة الأمريكية في هذه الجهود من خلال الحديث عن حضور وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مؤتمر برلين الذي وضعت فيه القوى المشاركة في ليبيا خطة لوقف إطلاق النار والتسوية السياسية.
وقال المسؤول: “الكثير من حلفائنا وشركائنا الإقليميين ومرتزقة فاغنر الروس جعلوا من الوضع معقدا” و”عندما نذهب إلى مناسبات دولية ونطالب بالتزامات من حلفائنا وشركائنا واحترام حظر تصدير السلاح ولكنهم يرفضون ويعقدون الوضع”.
لكن الرسائل المتناقضة من أمريكا زادت من تعقيد الوضع، حيث تعامل مسؤولو الأبيض في ظل مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون بأفضلية مع حفتر.
وبدا ترامب مع حفتر في مكالمة في نيسان/ أبريل 2019 ومنح الانطباع بأن أمريكا تدعم حفتر رسميا كرجل قوي وشرعي. وحاول الأمريكيون توضيح موقفهم منذ ذلك الوقت بدلا من الوقوف مع طرف ولكن الضرر قد حدث. وقال جلال الحرشاوي، الخبير في معهد كلينغنديل بهولندا: “لغة الجسد الأمريكية مهمة جدا”.
ومن المتوقع استفادة روسيا من التدخل المصري في ليبيا. فرغم الدعم السنوي المقدم من أمريكا بقيمة 1.3 مليار دولار في السنة، فإن القاهرة تقترب من موسكو واشترت السلاح الروسي، ووقّعت معها عقدا لبناء مفاعلات نووية.
ورغم التهديدات، إلا أنه من المستبعد أن تزيد إدارة ترامب مشاركتها في ليبيا، وحتى في المناطق التي تعتبر مهمة للمصالح الأمريكية، فقد أعربت إدارة ترامب عن رغبتها بتخفيض الوجود الأمريكي. وهناك سؤال أخر يتعلق بما يمكن أن تفعله أمريكا لو قررت التدخل في هذه المرحلة، خاصة أن الدول الأخرى عبرت عن استعداد لنشر القوات العسكرية.
صحافة : واشنطن بوست: روسيا توسع تأثيرها في ليبيا وأمريكا تقف متفرجة!!
19.07.2020