زعيم بريطانيا الجديد هو كير ستارمر، الذي قاد حزبه للمرة الرابعة منذ الحرب العالمية الثانية للفوز في انتخابات عامة بعد 14 عاما من حكم المحافظين.وقد بدأ ستارمر حياته في المحاكم قبل أن يقود حزب العمال بعد خسارته في انتخابات 2019، والقيام بعملية تطهير لكل عناصر الحزب الموالين لليسار، وللزعيم السابق جيرمي كوربن الذي فصله من الحزب، ومنعه من خوض الانتخابات في دائرته التي مثلها منذ أكثر من أربعين عاما، حيث قرر كوربن الترشح كمستقل.
ورغم إرضاء ستارمر الإعلام اليميني وأصحاب المال والمصالح، إلا أنه لم يكن قادرا على إرضاء الأقليات خاصة المسلمين الذين غضبوا منه بسبب مواقفه من حرب غزة، ودعمه في بداية الحرب لحصار إسرائيل على القطاع كنوع من الدفاع عن النفس.
وبعيدا عن الشعبية التي حققها الحزب والتقدم في استطلاعات الرأي، إلا أن ستارمر لم يظهر وكأنه زعيم جذاب، بل عانى من مشاكل في الأداء. وبدا في المناظرات التلفزيونية أضعف من منافسه المحافظ رئيس الوزراء ريشي سوناك، الذي عانى حزبه من مذبحة وخسائر. ففي الوقت الذي وضعت النتائج الأولية حزب العمال بـ410 مقاعد، إلا أن حزب المحافظين وضعتهم التوقعات الأولية بـ130 مقعدا.
وفي تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” أعده ستيفن كاسل ومارك لاندلر، قالا فيه إن ستارمر عانى من مشاكل في الأداء. وأشارا إلى أنه تعاطف بشكل آلي مع امرأة شرحت له كيف قُتل ابنها بطنعة سكين اخترقت جسده، وعلق قائلا: “شكرا لك على هذا”، حيث كان يجلس مع عدد من عائلات الضحايا لمناقشة “عنف السكاكين” في ظل حكومته المقبلة. ولم يكن شعوره قويا ولم تقدم المناسبة صورة عن حملة جيدة قبل أسبوع من الانتخابات العامة. ولكن الأداء كان علامة عن ستارمر (61 عاما) محامي حقوق الإنسان الذي لا يزال يتصرف كمحام يقدم قضية قانونية وأقل من سياسي.
ويجد ستارمر نفسه وهو الشخص العملي، على أبواب الدخول إلى 10 داونينغ ستريت، بدون ملامح النجومية والزعامة التي ميزت السابقين له، سواء مارغريت تاتشر في الثمانينات، أو توني بلير في نهاية التسعينات. إلا أنه حقق إنجازا، ففي أقل من عقد على دخوله البرلمان، وأقل من خمسة أعوام على تكبد حزب العمال أسوأ خسائره منذ الثلاثينات في القرن العشرين، قام بإعادة تشكيل الحزب وبشراسة منقطعة النظير، وحوّله إلى حزب يمكن للناخبين اختياره. ودفع بالحزب للوسط، واستثمر فشل ثلاثة رؤساء وزراء في بريطانيا.
وفي يوم السبت الماضي، قال ستارمر عن المحافظين: “لا تنسوا ما فعلوا.. ولا تنسوا فضيحة الحفلات.. ولا تنسوا عقود كوفيد، ولا تنسوا الأكاذيب، ولا تنسوا الرشاوى”. وكانت لحظة نادرة أشعل فيها حماس الحضور، لكنها جزء من لغز ستارمر.
ورغم فوز حزبه بنسبة عالية، إلا أن ستارمر ليس محبوبا في البلد، فالناخب يكافح من أجل حب رجل يبدو مرتاحا أكثر في قاعة المحكمة وليس كسياسي بارع. وقال المستشار السابق للعمال توم بالدوين: “ليس لديه الجانب الأدائي من السياسة”، وفي الوقت الذي يلهم الساسة الباقون لحد الإثارة البلاغية، إلا أن ستارمر يجد نفسه أكثر في الحديث العملي وحلّ المشاكل وبناء حجر على حجر. ويقول بالدوين: “لا أحد يرغب بمتابعة هذا، فهو ممل، لكننا قد نجد في النهاية أنه بنى بيتا”.
وتقول جيل راتر، العاملة في الخدمة المدنية والزميلة في مجموعة “تغيير أوروبا”: “كان شرسا في الحفاظ على انضباطه الممل، ولكنه لا يجعل دقات القلوب تتسارع، ويبدو نسبيا رئيسا للوزراء”.
ولد ستارمر في عائلة من الطبقة العاملة بمنطقة ساري خارج لندن، ولم تكن علاقته جيدة مع والده صانع الأدوات. فيما عانت والدته الممرضة من مرض أدى لدخولها المستشفى وخروجها منه عدة مرات. وكان الأول في عائلته الذي درس أولا في جامعة ليدز، ثم القانون في جامعة أوكسفورد. وأطلق عليه اسم كير، تيمنا باسم النقابي الأسكتلندي كير هاردي، أول زعيم للعمال. واعترف لاحقا بأنه كان يرغب بأن يطلق عليه اسم ديف أو بيت بدلا من كير.
وكمحام شاب، مثّل ستارمر محتجين في قضية ضد سلسلة الطعام ماكدونالدز، وتدرج في العمل القانوني ليصبح المدعي العام، وكوفئ بلقب سير. وعندما دخل السياسة أخذ معه عاداته التي اكتسبها في قاعات المحاكم. ووصفه رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون والذي دخل معه بمواجهات ونقاشات في مجلس العموم بأنه “كابتن كراشروني سنوزيفاست” وهو تعبير لا معنى له سوى الإهانة.
ورغم عدم منافسة ستارمر جونسون بخطاباته البلاغية، إلا أنه استخدم خبراته القانونية في الهجوم عليه، خاصة فضح أكاذيبه. لكن تنازلات ستارمر، أثارت عددا من الأسئلة، فقد عمل مع جيرمي كوربن، وتسلم ملف سياسة البريكسيت في وقت رفض الكثيرون من معسكر الوسط في الحزب العمل مع كوربن.
ووضع ستارمر نفسه لخلافة كوربن الذي استقال عام 2019، وضمّن في برنامجه ما يكفي من سياسات كوربن لكي يرضي اليسار الموالي للزعيم السابق. وعندما أصبح في مركز الحزب والقيادة، تبنى سياسات أبعدت الحزب عن اليسار، وتخلى عن برامج كوربن لتأميم صناعة الطاقة البريطانية، ووعد بعدم زيادة الضريبة على الطبقة العاملة، ودعم القوات المسلحة على أمل التخلص من تهمة عدم ولاء الحزب التي رافقت سنوات كوربن.
ثم قام بحملة ضد معاداة السامية في صفوف الحزب، ونفى كوربن، كاشفا عن جانب شرس، بل منع كوربن من الترشح تحت راية العمال. لكن هذا لم يمنع كوربن من الفوز كمستقل عن دائرة إزلنغتون. وسيطرت مجموعة ستارمر على من يجب ترشيحه للبرلمان، واستبعدوا معسكر اليسار.
ويعرف ستارمر محدوديته وعدم قدرته على الخطابة. وقالت جيليان كيغان، وزيرة التعليم: “كيف يثير ستارمر الغرفة؟ يغادرها”.
صحافة : نيويورك تايمز: زعيم بريطانيا القادم ممل وقاس في تعامله مع خصومه ويتصرف كمحام وأقل كسياسي!!
05.07.2024