أحدث الأخبار
الخميس 28 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1877 878 879 880 881 882 8831060
صحافة : الغارديان: في العراق دولة موازية وجيش موال لإيران ومعضلة الكاظمي الكبرى هي التعامل معها
10.10.2020

في الأيام التي تبعت سقوط مدينة الموصل في يد مقاتلي تنظيم “الدولة” عام 2014 استدعى أبو مهدي المهندس الذي أصبح لاحقا نائبا لقائد الحشد الشعبي عددا من زملائه الناشطين في زمن صدام حسين إلى بيته في المنطقة الخضراء، وقال “لا توجد دولة” و”أنا الدولة الآن”.
وينقل غيث عبد الأحد في تحقيق لصحيفة “الغارديان”عن أبو هاشم الذي قاتل نظام صدام في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، أن المهندس الذي قُتل بداية هذا العام بغارة أمريكية استهدفته والجنرال قاسم سليماني، هو الذي دفع المقاتلين السابقين للحشد وليست فتوى آية الله محمد علي السيساني.
لكن فتوى الأخير كانت وراء تدفق الكثير من المتطوعين من المدن الفقيرة في جنوب العراق وأحياء الفقر في بغداد إلى مراكز التجنيد والتدريب، حيث حضروا يحملون أكياسا بلاستيكية وضعوا فيها ملابسهم. ووضع بعضهم عصابة كتائب حزب الله حول رؤوسهم. وهي الميليشيا التي أنشأها المهندس عام 2006 وكانت قريبة من الحرس الثوري الإيراني.
وفي عملية التعبئة ضد تنظيم “الدولة” جند المهندس أي شخص عبّر عن استعداده لقتال تنظيم “الدولة”. في ذلك الوقت كانت المليشيات المرتبطة بإيران ترسل مقاتليها إلى سوريا، إلا أنها وبعد سيطرة التنظيم على معظم الموصل وغيرها من المدن في شمال وغرب العراق، بدأت بالتركيز على مكافحة التنظيم في الداخل. ويعلق عبد الأحد أن مدى سيطرة المهندس على الفصائل المتعددة والمتناحرة في الحشد الشعبي ظهرت في قدرته على تشكيل حملة مضادة ضد تنظيم “الدولة” معتمدا في هذا على الدعم الإيراني.
وكانت المهمة الأولى التي أوكل فيها المهندس أبو هاشم ورفاقه هي السفر إلى قاعدة التاجي وإنشاء قوة لحماية المزارات الشيعية في سامراء ومنع تنظيم “الدولة” من التقدم نحو بغداد.
و”عندما وصلنا إلى القاعدة وجدنا فوضى كاملة” و”تجمع آلاف من المتطوعين هناك ولم يعرف أحد ما يجب عمله بهم” وانضم إليهم جنود انهارت معنوياتهم وتركوا أسلحتهم وعرباتهم عند الانسحاب.
ويقول أبو هاشم إن من كانت لديهم خبرة في قيادة الدبابات بدأوا بالعمل عليها وتعليم المتطوعين. وأقاموا بعد ذلك وحدة اتصالات ولاسلكي “قضيت حياتي في الاستخبارات ولهذا طلب مني إدارة جهاز الأمن والاستخبارات”. وكان معظم المقاتلين السابقين في الخمسينات والستينات من عمرهم، لكن أقاربهم الشباب انضموا إليهم.
وأضاف أبو هاشم: “أحضر كل واحد منهم واحدا أو ثلاثة من أولاده”. وعندما وصل المهندس كانت الأرضية جاهزة للعمل، حيث بدأ المقاتلون الإيرانيون بنقل الأسلحة والمعدات من إيران عبر مطار النجف. وقال أبو هاشم إن واحدا من الوزراء في الحكومة والذي كان يدير عملية الإمدادات في جماعة بدر، قام بترتيب عملية نقل الأسلحة وتوزيعها على المقاتلين.
ومع السلاح والسيارات جاء المستشارون الإيرانيون، وتوزعوا في كل أنحاء البلاد من ديالى إلى الحدود مع سوريا. وكانت أصواتهم تسمع على اللاسلكي وهم يوجهون قنابل الهاون على الفلوجة. ويعلق أبو هاشم: “في الواقع بدون الإيرانيين لم يكن بوسعنا عمل أي شيء” و”لو لم يكن المستشارون الإيرانيون هناك لما هاجمت الفرق. ومنح وجودهم المقاتلين الثقة”.
وأضاف أن الجنرال سليماني “أحاطت به هالة وأصبح رمزا لكل شيء كرسنا أنفسنا له. وكان المهندس يتفاوض مع الجماعات المسلحة المتعددة وغير المنضبطة مثل قائد فرقة موسيقية”.
ولم يكن الحشد الشعبي أبدا قوة متجانسة، وتشكل من جماعات منظمة بقيادة واضحة، فيما شُكلت أخرى من مجموعات أشرف عليها أمراء حرب أو رجال دين. وكانت هناك الفصائل المتطرفة مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق التي كانت تطلق على نفسها “الفصائل الموالية” والتي تأخذ الأوامر من القيادة السياسية والدينية في إيران.
وكبر معظم مقاتلي هذه الجماعات أثناء الحرب الأهلية. وبعد هزيمة تنظيم “الدولة” عام 2017 رشحت معظم هذه الميليشيات رموزا مرتبطة بها فازوا بمقاعد برلمانية، حيث أصبحت جماعات مسلحة بجناح سياسي. وشمل الحشد على جماعات أخرى شكلها رجال الدين وشيوخ العشائر الذين لم تكن لديهم أجندة سياسية سوى الدفاع عن مصالحهم.
التحدي الذي يواجه الكاظمي هو خط طريق وسط بين الولايات المتحدة وإيران التي تمارس تأثيرا سياسيا وأمنيا عميقا في العراق. وفي أي مواجهة عسكرية بين العدوين فالعراق سيكون الساحة.
ويقول أبو هاشم: “عندما أسسنا الحشد، حاولنا تقليد مثال الباسيج في الحرس الثوري، ولكننا فشلنا بسبب تعدد الفصائل”. وعانى الحشد الشعبي من خلافات تتعلق بالقيادة وتوزيع الغنائم والمرجعية الدينية، من العراق أو إيران. لكن المهندس استطاع التغلب على هذه المشاكل.
ومنذ وفاته انقسم الحشد إلى قسمين، حيث خرج أتباع السيستاني بسبب رفضهم الدور الإيراني. وقال عضو في مجلس شورى الحشد: “عندما كان المهندس يريد إقناع جماعة لعمل شيء أثناء القتال كان يحثهم ويقبل أكتافهم ويعدهم بالمكافآت”. و”لم يكن للمهندس جماعة مسلحة خاصة به، ولهذا استطاع إدارة الحشد واستمع إليه كل طرف”.
واستطاع المهندس تحويل الحشد إلى قوة ضاربة بآلاف المقاتلين والدبابات والأسلحة والوحدات الدعائية والاتصالات. وقال عضو مجلس الشورى إن المهندس أدخل قادة الحشد إلى السياسة وأمرهم بارتداء البدلات بدلا من الزي العسكري، وعيّن الوزراء وكان “الطباخ”. وترك طبخه هذا أثره على الحكم في العراق.
وقال محلل عراقي إن هذا خلق وضعا تقوم فيه جماعات مسلحة لديها تسلسل قيادي وتتلقى رواتبها من الدولة العراقية دونما أن تتبع أوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة. وبدلا من ذلك تتبع في ولائها الحرس الثوري الإيراني، وتخدم الاستراتيجية الإيرانية بالمنطقة وتتابع مصالحها التجارية.
وبهذه المثابة يشكل أفرادها “تهديدا للدولة العراقية من الداخل”. وفي الأشهر التي قادت لمقتل المهندس، كانت هذه الميليشيات في حالة حرب، وأصبحت محلا للشجب من المتظاهرين الذين عبروا عن قلقهم من قوتها المتصاعدة وثروتها المالية التي حصلت عليها من خلال الطرق الفاسدة. إلا أن الغارة الأمريكية لم تؤد إلى معركة للسيطرة على الحشد بل أعطته هدفا جديدا.
وتظاهر عشرات الآلاف من المؤيدين للمهندس وسليماني في الشوارع واستعرضوا قوتهم. كما زادت الميليشيات الموالية لإيران من حملات القتل واختطاف الناشطين، وبدأوا بإطلاق الصواريخ على السفارة الأمريكية في بغداد والمعسكرات الأمريكية، كما استهدفوا خطوط الإمدادات من خلال القنابل المصنعة محليا.
وبسبب الشعور الزائد بالقوة، بدأوا بالحديث عن دولة موازية، فهناك الحكومة الضعيفة وأخرى تعيش تحت رحمتهم. وغيّر مقتل القائدين الخطاب من الشعب ضد النظام الفاسد إلى الشعب ضد أمريكا التي تحاول إضعاف إيران وحلفائها من خلال التظاهرات والاغتيالات وأخيرا المواجهة العسكرية.
وفي نيسان/ أبريل، عُين مصطفى الكاظمي خلفا لعادل عبد المهدي الذي استقال قبل خمسة أشهر. وهو أول رئيس وزراء عراقي لا ينتمي لأحزاب شيعية إسلامية منذ 2005. ويواجه الكاظمي جملة من التحديات الضخمة من الاقتصاد المتداعي وانهيار أسعار النفط وتداعي النظام الصحي الذي لم يكن قادرا على مواجهة فيروس كورونا إلى الفساد المستشري والتظاهرات المستمرة في بغداد وغيرها من المدن.
وفوق كل هذا، فالتحدي أمام الكاظمي هو شق طريق وسط بين الولايات المتحدة وإيران التي تمارس تأثيرا سياسيا وأمنيا عميقا في العراق. وفي أي مواجهة عسكرية بين العدوين فالعراق سيكون الساحة.
وقال مصدر إن قتل المهندس وسليماني كسر القواعد غير المكتوبة بين إيران والولايات المتحدة، وليس بسبب العدو المشترك وهو تنظيم “الدولة” ولكنها سمحت لسليماني بالتجول في العراق وقريبا من القواعد العسكرية الأمريكية و”دمر كل هذا في ثانية وهم بحاجة للاتفاق على قواعد جديدة”.
وقال عضو مجلس الشورى إن الجميع ينظر إلى إيران وكيفية ردها، لكن الرد الحقيقي سيكون من العراق، فلديك جماعات مسلحة وعنيفة كل واحدة منها تستطيع الانتقام لسليماني والمهندس وتقديم نفسها على أنها الجهة الممثلة لإيران، وكل واحدة منها تستطيع إشعال حرب.
ورغم كل هذا فالمليشيات المسلحة منقسمة على نفسها أكثر من أي وقت مضى. ومرت 9 أشهر على الغارة الأمريكية التي منحتها الجرأة والهدف الجديد. ويرى مسؤول حكومي أن قتل سليماني “أربك عملية اتخاذ القرارات للفصائل هذه ولا تستطيع العمل بدون استراتيجية عامة”.
استراتيجية الكاظمي تقوم على تقوية الجيش من خلال ترفيع الضباط الشباب وتوسيع عمليات مكافحة الإرهاب واستغلال الخلافات داخل معسكر الموالين للسيستاتي والمؤيدين له.
وقال إن الكاظمي يعتقد أن المواجهة مع المليشيات خطيرة وستترك تداعيات أمنية وسياسية غير إيجابية. وأشار إلى مداهمة مزرعة قرب بغداد في حزيران/ يونيو، حيث تم اعتقال لبنانيين وعراقيين اتهموا بالتخطيط لضرب المنطقة الخضراء، فردّت المليشيات باستعراض قوة مما أدى لإطلاق سراح المعتقلين في اليوم التالي.
وأضاف المسؤول: “أرسلوا رسالة قوية لرئيس الوزراء بالاقتراب من منزله ووجد نفسه وحيدا”. و”لم تصل الوحدات التي طلبها من وزارة الدفاع”.
ويقول شخص مطلع، إن استراتيجية الكاظمي تقوم على تقوية الجيش من خلال ترفيع الضباط الشباب وتوسيع عمليات مكافحة الإرهاب واستغلال الخلافات داخل معسكر الموالين للسيستاني والمؤيدين له.
وقال مسؤول بالجيش العراقي: “أحيانا أشعر أن الحل لهذه الأزمة هو الحل العسكري. إغلاق بغداد أولا، وإصدار إنذار للحشد إما بالانضمام للجيش النظامي أو تسليم الأسلحة” و”سيكون حمام دم لكن من الأفضل أن تعيش أسبوعين من الحرب بدلا من تأجيل المواجهة”.