ذكر تقرير في صحيفة “نيويورك تايمز” أن زيادة عمليات الرقابة باسم مكافحة فيروس كورونا تعمل على انخفاض الحريات الشخصية.
وقالت فيه إن ملاحقة كامل السكان قد يفتح الباب أمام أشكال جديدة من غزو الحريات الشخصية على يد الحكومة. ففي كوريا الجنوبية زادت وكالات الحكومة من عمليات تحليل لقطات كاميرات المراقبة وتحليل البيانات على الهواتف الذكية والمشتريات التي قام بها أشخاص من خلال بطاقات الائتمان لتحديد حركات المرضى المصابين بفيروس كورونا وبناء سلسلة حول الطريقة التي تم فيها نقل الفيروس.
وفي لومباردي بشمال إيطاليا، قامت السلطات بتحليل البيانات التي أرسلها المواطنون عبر الهواتف النقالة لتحديد الأشخاص الملتزمين بتعاليم الحكومة بالبقاء في بيوتهم، والمسافات التي يقطعونها كل يوم. وقال مسؤول إيطالي قبل فترة إن هناك نسبة 40% منهم يتحركون بشكل مستمر. وفي إسرائيل ستبدأ مؤسسات الأمن الداخلي باستخدام بيانات لتحديد المواقع عادة ما تستخدم في عمليات مكافحة الإرهاب ومحاولة تحديد أماكن المواطنين الذين قد يكون تعرضوا للفيروس. وفي الوقت الذي تحاول فيه الدول مواجهة الوباء لجأ عدد كبير منها نحو أدوات الرقابة كوسيلة للسيطرة الاجتماعية وتحويل تكنولوجيا الأمن ضد مواطنيها. ومن الواضح أن سلطات فرض القانون والصحة راغبة باستخدام كل وسيلة متوفرة لديها لمنع تقدم الفيروس، حتى ولو كانت هذه الوسائل تهدد التوازن الهش بين السلامة العامة والخصوصية الشخصية وعلى قاعدة عالمية. وترى الصحيفة أن زيادة عمليات الرقابة اليوم باسم مكافحة الوباء قد تفتح الباب في المستقبل لأشكال أخرى للتجسس. وهي دروس تعلمتها أمريكا في مرحلة ما بعد هجمات 9/11. وبعد عقدين تقريبا أصبح لدى وكالات حفظ النظام الأمريكية منفذ على أنظمة التكنولوجيا المتقدمة، مثل تحديد المكان بدقة عالية وتكنولوجيا التعرف على الوجه والتي يمكن إعادة استخدامها في أهداف أخرى لتنفيذ أجندات سياسية مثل سياسات مكافحة الهجرة. ويقول خبراء الحريات المدنية إن الرأي العام لا حول له ولا قوة لمواجهة الممارسات التي تقوم بها الدولة.
ويقول ألكس فوكس كان، المدير التنفيذي لمشروع متابعة تكنولوجيا الرقابة، وهي منظمة غير ربحية في مانهاتن: “قد نصل بسهولة إلى وضع نقوي فيه السلطات المحلية، الولاية أو الحكومة الفدرالية للقيام بإجراءات ردا على هذا الوباء بطريقة قد تغير مدى الحقوق المدنية في أمريكا”. وأشار إلى مثال على هذا، قانون مررته ولاية نيويورك هذا الشهر يعطي الحاكم أندرو أم كومو السلطة لكي يحكم من خلال الأمر التنفيذي خلال أزمات تواجهها الولاية مثل الأوبئة والأعاصير. ويسمح القانون له باستخدام الأوامر التي قد تتجاوز التنظيمات المحلية. كما أن زيادة الكشف عن البيانات الطبية أدى لتراجع قدرة المرضى الحفاظ على سجلاتهم الطبية سرية. وفي هذا الشهر أنبت وزيرة الصحة بشكل علني طبيبا اتهمته بمعالجة المرضى الذي أظهروا أعراض الإصابة بالفيروس وكشفت عن اسم العيادة في مدينة فيكتوريا حيث يعمل فيها مع عدد آخر من الأطباء. وقالت العيادة ردا على تصريحات الوزيرة إن ما قالته عن معالجته للمرضى لم يكن صحيحا وإنها حاولت الحصول على منافع سياسية من التصريحات. وقال الباحث المستقل في أمور الخصوصية والمقيم في ديترويت، كريس غيلارد: “قد يحصل لأي شخص، حيث يتم الكشف عن وضعك الصحي لآلاف بل ولملايين من الناس”. وأضاف: “هذا أمر غريب لأنه في حس المصالح الصحية العامة فإنك تقوم بتعريض حياة الناس للخطر”. ولكن كما تقول ميلا رومانوف من “غلوبال بالص” التابعة للأمم المتحدة ففي حالات الأوبئة يجب قياس الخصوصية على اعتبارات حماية الحياة. وقالت: “نريد أن يكون لدينا إطار يسمح للشركات والسلطات المحلية للتعاون من أجل رد مناسب وللمصلحة العامة”.
وحتى يتم تخفيض مخاطر فيروس كورونا فجهود الرقابة للتعرف على فيروس كورونا قد تخرق الخصوصية. ولهذا يجب على الشركات والحكومات تحديد جمع المعلومات واستخدامها في الهدف الذي يحتاج إليه. و”التحدي هو ما هي البيانات الكافية؟”. إلا أن تسارع الفيروس دفع الحكومات إلى وضع برامج رقابة رقمية باسم الصالح العام وبدون تنسيق دولي أو حتى معرفة إن كانت هذه الإجراءات فاعلة. ففي المدن الصينية أجبرت السلطات الصينية على تحميل برمجية على هواتفهم النقالة يحدد كل شخص بلون معين: أحمر، أصفر وأحضر. ويحدد كل لون مدى الخطورة. ويحدد البرنامج أي شخص يجب حجره من الشخص المسموح له بدخول المناطق العامة مثل مترو الأنفاق.
ولم يعط المسؤولون صورة عن الطريقة التي يعمل فيها البرنامج ويشعر المواطنون بالضعف إزاء مواجهته. وفي سنغافورة وضعت وزارة الصحة معلومات عن كل مصاب بالفيروس وبتفاصيل مثيرة للصدمة عن علاقات المرضى ببعضهم البعض. والفكرة هي تحذير الأشخاص الذين التقوا بهم، وتحذير الرأي العام حول المناطق التي أصبحت خطرة. وفي معلومة على موقع الوزارة “حالة 219 هي لشخص عمره 30 عاما” والذي عمل في “محطة إطفائية سينغكانغ” (30 بوانغكوك درايف) وهو “في غرفة معزولة في مستشفى سينغكانغ العام” وهو عضو في العائلة ورقم حالتها 236″. وفي يوم الجمعة أعلنت سنغافورة عن تطبيق على الهواتف النقالة للمواطنين كي يساعدوا السلطات على تحديد الأشخاص الذين ربما تعرضوا للفيروس. واسم التطبيق “تريس تكذر” (المتابعة معا) ويستخدم إشارات بلوتوث لمتابعة الهواتف القريبة. لو أصيب شخص بالفيروس فقد تلجأ السلطات لفحص البيانات الموجودة على هاتفه من الذين مروا به. وبعدما أعلمت السلطات المكسيكية شركة أوبر عن مسافر أصيب بالفيروس قامت الشركة بوقف حسابات سائقين ركب المصاب معهما إلى جانب حسابات 200 راكب. وفي الولايات المتحدة طلبت الإدارة من شركات التكنولوجيا مثل غوغل وفيسبوك وغيرهما بيانات تحديد الأماكن المجمعة من هواتف الأمريكيين واستخدامها في ملاحقة الفيروس. وكتب عدد من المشرعين في الكونغرس للرئيس دونالد ترامب ونائبه مايك بنس لحماية أي بيانات متعلقة بالفيروس جمعتها الشركات من الأمريكيين. وفي كوريا الجنوبية بدأت السلطات في كانون الثاني (يناير) بنشر معلومات عن مواقع وتواريخ كل شخص مصاب بفيروس كورونا. واحتوى الموقع التابع للحكومة على ثروة من المعلومات مثل وقت مغادرة الشخص عمله وفيما إن كان قد ارتدى قناعا طبيا واسم المحطة التي ركبها وأين غير القطار واسم محل التدليك الذي ذهب له أو نادي الكريكوي واسم العيادات التي تم فحصهم فيها لتحديد إصابتهم. وفي كوريا الجنوبية التي يستخدم سكانها الهواتف النقالة بشكل واسع قام رعاع الإنترنت باستخدام معلومات الحكومة والكشف عن أسماء الأشخاص ومحاولة استغلالهم. وردت السلطات الصحية هذا الشهر بأنها ستقوم بتعديل طريقة جمع المعلومات لتقليل المخاطر على المرضى.
صحافة : نيويورك تايمز: استخدام الحكومات الرقابة الرقمية لمواجهة كورونا تهديد للحريات الشخصية !!
23.03.2020