عاد الاهتمام مؤخراً لقصة "السكك الحديدية تحت الأرض" التي جرت وقائعها في القرن 19، وتشتمل على شبكة من الطرق السرية والمنازل الآمنة التي ساعدت الأميركيين الأفارقة المستعبَدين على الهرب، وكان يديرها نشطاء أشاروا إلى أنفسهم على أنهم عملاء ومحصلون ومديرو المحطة، في حين اعتبروا الهاربين "ركابا".
في مايو/أيار 2019، أثارت إدارة الرئيس دونالد ترامب الجدل بتأجيل إصدار مشروع قانون لإضافة هارييت توبمان كأول أميركية من أصل أفريقي على ورقة العشرين دولارا، وهي مستعبدة تحولت إلى ناشطة بمجال "السكك الحديدية تحت الأرض". وفي نوفمبر/تشرين الثاني تم عرض فيلم "هارييت" الذي يصور الكفاح البطولي لـ "محصلة" السكك الحديدية.
كانت "السكك الحديدية تحت الأرض" الاسم الرمزي الذي أطلق على الناشطين الذين ساعدوا العبيد على الفرار من الجنوب الأميركي للوصول إلى الحرية بالولايات الشمالية، ولم تكن منظمة بالمعنى الرسمي للكلمة واستخدم المصطلح لوصف الذين ساعدوا العبيد على الفرار وبينهم مواطنون عاديون ومناضلون نشطاء.
واعتبرت الشبكة عملاً إجرامياً وخطراً على نمط الحياة بالولايات الجنوبية وسبباً محتملاً لإثارة ثورات العبيد جنوب أميركا، كما نظر إليها كنوع من تحدي القوانين الفيدرالية التي تمنع مساعدة العبيد الهاربين، ومع ذلك نظر إليها في صحف الولايات الشمالية بنوع من التقدير والامتنان لدورها البطولي.
وفي الفترة التي تلت الحرب الأهلية الأميركية في القرن 19، كشفت بعض شخصيات هذه الشبكة عن نفسها وروت قصصها التي كانت مخفية.
اهتمام متزايد
لكن "السكك الحديدية تحت الأرض" اكتسبت أيضًا اهتمامًا جديدًا في سياق جديد من موجات الهجرة واللجوء الأخيرة نحو أوروبا وأميركا الشمالية. تزامن تزايد النزوح الجماعي الناجم عن النزاع أو الاضطهاد أو الفقر -أو حتى الدمار البيئي- مع تشديد أنظمة التأشيرات وتعزيز الرقابة على الحدود. استجابة لذلك، انتشرت أشكال الدعم والملاذ والحماية لمن هم في طريقهم إلى بلاد اللجوء الآمنة.
في أميركا الشمالية، نمت حركات الملاذ والتضامن منذ انتخاب ترامب عام 2016. وتتمسك هذه الحركات بتقاليد وأخلاقيات وعادات تاريخية مستلهمة من تجربة ملاذات "السكك الحديدية تحت الأرض" عبر التعهد بدعم وإخفاء أولئك المهددين بالترحيل. حتى أن بعضهم يحاول تقديم الدعم وتسهيل تحركات المهاجرين (غير القانونية) عبر الحدود، وفي بعض الأحيان كانت خطوط المهاجرين تمتد على طول مسارات الشبكة التاريخية القديمة التي عرفت باسم "السكك الحديدية تحت الأرض".
وفي أوروبا، ظهرت مقارنات مع نموذج "السكك الحديدية تحت الأرض" خاصة منذ عام 2015 عندما عبر أكثر من مليون شخص الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي. دفع هذا البعض إلى الحديث عن نموذج جديد يتمثل في "السكك الحديدية السورية تحت الأرض" أو "المحصلين" للسكك الحديدية الفرنسية، أو شبكة السكك الحديدية عبر البحر الأبيض المتوسط.
روح السكك الحديدية
في مقال صحفي نشر مؤخراً، قام موريس ستيرل الأكاديمي بجامعة وارويك البريطانية باستكشاف هذه العلاقات بين أشكال الماضي والحاضر عبر مقارنة تجارب الهاربين والتضامن معهم.
ووفقًا للمؤرخ الأميركي والمؤلف إريك فونر، فإن "خطوط السكك الحديدية" التي يعود تاريخها إلى القرن 19 كانت بمثابة "سلسلة متشابكة من الشبكات المحلية" وتألفت من "مجموعة صغيرة مثقلة بالأعباء من النشطاء المتفانين". لم يكن الكثير من نشاط هذه اللجان تحت الأرض على الإطلاق، ولكن في الواقع كان نشاطهم ظاهرا جداً عبر ممارسات اشتملت على جمع الأموال والتبرعات، وتعبئة الجمهور، وتقديم المساعدة القانونية، ومواجهة مالكي العبيد.
وتمت إعادة تنشيط تاريخ التضامن القديم عبر حركة "الملاذ" بالولايات المتحدة في الثمانينيات، عندما قامت شبكة من الراهبات والقساوسة بتهريب أشخاص من أميركا الوسطى إلى الولايات المتحدة وقاموا بتقديم الدعم لهم.
واليوم، تستمر روح هذا النشاط بطرق لا حصر لها تتراوح بين التدخلات المباشرة على طول الحدود، مثل البحر الأبيض المتوسط وصحراء سونورا على طول الحدود الأميركية والصحراء الكبرى في أفريقيا، إلى تقديم التوجيه لأولئك الذين ما زالوا يحاولون الهجرة.
كما تعرف روح هذه النشاطات في حملات مناهضة للترحيل ومناهضة للاحتجاز، وفي شبكات من النشطاء تحاول خلق ملاذات آمنة بعد وصول المهاجرين.
تجاهل
ويلاحظ ستيرل في مقاله المنشور بموقع كونفيرذيشن أنه في العديد من قصص اللجوء، جرى عدم تقديم هذا الدور الإنساني سواء في مرحلة العبيد قديماً أو بالنسبة للمهاجرين اليوم.
وكان غالبية العبيد الهاربين في القرن 19 لا يتوقعون دعمًا من نشطاء "السكك الحديدية تحت الأرض" إلا بعد أن تحركوا شمالًا وعبروا خط ماسون ديكسون، الحد الفاصل بين ولايات الرقيق بالولايات الجنوبية والولايات الحرة بالشمال.
وخلال معظم رحلاتهم، كان على العبيد الاعتماد على براعتهم الخاصة وقوتهم وكذلك أعمال التضامن والمساعدة العفوية على طول الطريق، والتي يقدمها غالباً أشخاص من السود والمجتمعات التي لا تعتبر جزءًا من "السكك الحديدية تحت الأرض".
لكن اليوم، غالبا ما يُعزى هروب المهاجرين إلى "إغراء الشماليين". وعلى سبيل المثال، غالبا ما تتم إساءة فهم دور المنظمات غير الحكومية والنشطاء الذين يعملون على إنقاذ الأرواح في البحر المتوسط بشكل خاطئ، باعتبارهم عامل جذب يشجع الناس على القيام بهذه الرحلة.
لقد سخر سياسيون مثل الإيطالي ماتيو سالفيني (زعيم حزب الرابطة اليمينية المتطرفة ونائب رئيس الوزراء السابق) من المنظمات غير الحكومية لأنها استفادت من "تحميل هذه الشحنة القيمة من البشر (من اللحم البشري) على متنها".
كما وصف ماتيو رينزي رئيس الوزراء الإيطالي السابق مهربي المهاجرين واللاجئين بأنهم "تجار الرقيق في القرن 21". وعبر هذه المقولات وأمثالها، سعى السياسيون الأوروبيون إلى تبرير عسكرة البحر المتوسط وإعادة عشرات الآلاف من المهاجرين إلى ليبيا، حيث تتعرض حياتهم للخطر.
إن قصة سكة حديد القرن 19 تحت الأرض وأعمال الهروب والتضامن التي لا تعد ولا تحصى التي يرمز إليها بمثابة تذكير بأن المهاجرين أيضًا يسعون إلى الحرية ويتصرفون وفقًا لاحتياجاتهم ورغباتهم.
في الوقت نفسه تُظهر أعمال التضامن -التي لا تعد ولا تحصى على طول الطريق وأشكال الملاذ عند الوصول- أن روح "السكك الحديدية تحت الأرض" لا تزال قائمة، حتى في وقت يبدو أن الحدود والانقسامات الاجتماعية تظهر حولنا.
**المصدر : الجزيرة
شبكة "السكك الحديدية تحت الأرض".. دروس مستعبَدي أميركا بالقرن 19 لدعم اللاجئين الجدد!!
06.01.2020