بيرمو (النيجر) – يعاني الرعاة الرحّل في النيجر جراء الجفاف الذي تسببه ظاهرة التغير المناخي إذ يبحثون بشكل متواصل عن مناطق رطبة تتساقط فيها الأمطار التي تعد مصدر حياة لهم ولقطعانهم.
يتفحص علي بعينيه الأفق عبثا بحثا عن الغيوم السوداء المحملة بالمتساقطات. فهذا اليوم التاسع له الذي يمضيه مع أفراد عائلته وقطيعه المؤلف من 27 رأس غنم و6 جمال تحت أشعة الشمس الحارقة مرتحلا من منطقة إلى أخرى ليجد مصدرا للمياه.
وقال هذا الراعي الذي يضع عمامة على رأسه، “سمعنا أن الأمطار الأولى قد تساقطت في الشمال. سنذهب إلى هناك”.
لكن الطريق إلى الشمال ليست سهلة، فعليهم اجتياز 100 كيلومتر متنقلين بين المناطق القاحلة في جنوب النيجر قبل أن يصلوا إلى وجهتهم بيرمو.
وتراهن هذه العائلة على الانضمام إلى الآلاف من الرعاة الآخرين في بيرمو وتمضية بضعة أشهر في التجاويف الخضراء على حافة الصحراء التي تتميز بالهواء الرطب والعشب المبلول والمياه.
ويمكن لارتفاع درجات الحرارة وتغير الرياح ومستويات الرطوبة التي تبدّل أنماط هطول الأمطار وهبوب العواصف الرملية، أن تغير من جودة المراعي التي يعتمد عليها الرعاة المهاجرون أو حتى موقعها. وكان هذا العام بالنسبة إلى جماعة فولاني جيدا نسبيا.
فقد كان الرعاة قادرين على الاستفادة من مخزون العلف الحيواني لمساعدتها على النجاة، في حين ساعد هطول الأمطار في الوقت المناسب في بعض المناطق على جعل العشب الصغير ينمو على الطريق التي يسلكونها، لكن السؤال الأكبر هل أن هذه الراحة ستستمر لفترة طويلة أم لا؟
وتعتمد النيجر، وهي واحدة من أفقر دول العالم، على الزراعة خصوصا الرعي لتوفير سبل العيش لـ80 بالمئة من سكانها.
وبالإضافة إلى تأثرها بتغير المناخ، فإن النيجر تعتبر من بين أكثر الدول المعرضة للتصحر، إذ تخسر ما يعادل حوالي 150 ألف ملعب كرة قدم من مساحاتها الخضراء كل سنة.
قال جعفرو أمادو وهو مهندس يعمل في مجموعة تسمى “جمعية إحياء الرعي في النيجر” (ارين) “أصبح الطقس غير متوقع على الإطلاق”.
وأضاف “أكثر ما نخشاه هو مواسم الجفاف التي تفاجئ الناس عندما لا يتوقعون ذلك”.
في العام 2018، تجمع أكثر من 60 ألف شخص في بيرمو للاحتفال بهطول المطر في وقت مبكر من مايو، لكن بعد بضعة أسابيع، توقف المطر الغزير فجأة، ولم يهطل لـ30 يوما متواصلة، وتحولت السهول الخضراء إلى اللون الأصفر وارتفع سعر علف الحبوب في الأسواق المحلية.
يخيم روادا سابغاري كل شتاء قرب بئر حفرها جده منذ أكثر من نصف قرن على مسافة ستة كيلومترات من بيرمو.
وهو جزء من قبائل فولاني تدعى وودابي تشتهر بالسفر لمسافات طويلة مع قطعانها من النيجر إلى جمهورية أفريقيا الوسطى عبر الكاميرون وتشاد.
وهو تساءل عما إذا كان أطفاله سيكونون قادرين على الاستمرار في تقاليد الرعي القديمة.
فقد تسببت موجات الجفاف المتتالية على مدى السنوات العشر الماضية في خسارته نصف قطيعه.
واليوم لم يتبق لديه إلا 32 بقرة، وهي خسارة كارثية بالنسبة إليه وأسرته المكونة من 25 فردا.
وقال سابغاري، “في القديم، لم نكن نأكل الحبوب أو اللحوم فقد كان الحليب غنيا ووفيرا… وهذا الأمر أصبح اليوم مستحيلا”، موضحا، أن أسوأ حالات الجفاف التي ضربت البلاد بين العامين 1974 و1984 كانت نقطة تحول لرعاة الساحل الأفريقي الذين فقدوا نصف ماشيتهم.
وبعد تلك الموجة، تلتها حالات أصغر وأصبح انعدام الأمن الغذائي مزمنا بشكل تدريجي وتفاقم بسبب حركات التمرد ونزوح سكان الأرياف.
وقد أدارت مجموعة كبيرة من الشباب النيجيري ظهرها إلى الرعي والحياة القاسية لتجربة حظها في المدن.
الجفاف يطارد الرعاة الرحّل في النيجر !!
07.12.2019